أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

هذا الشعار هو المعبر عن البعثية والمختصر لمبادئها[1]. فالبعثية ببساطة هي أيديولوجيا حزب البعث. فالأيديولوجيا يمكن تعريفها بأنها «مجموعة من الأفكار المشتركة لمجموعة من الأشخاص والتي تبدو بالنسبة لهم بأنها طبيعية وحقيقية ومكون أساسي لحقيقة العالم» [2]. وحزب البعث Ba’ath Party، أو حزب البعث العربي الاشتراكي الكامل، أو حزب النهضة الاشتراكي العربي، هو حزب سياسي عربي داعم لتشكيل دولة عربية اشتراكية واحدة. ولديه فروع في العديد من دول الشرق الأوسط، وكان الحزب الحاكم في سوريا من 1963، وفي العراق من 1968 إلى 2003.

تأسس الحزب في أربعينيات القرن الماضي 1943 في دمشق على يد ميشيل عفلق (مسيحي سوري)، وصلاح الدين البيطار (مواطن مسلم سني) [3]. وقد استخدم زكي الأرسوزي (علوي) لأول مرة مصطلح البعث العربي لأتباعه، لكنه لم ينضم قط إلى الحزب الرسمي.

مما سبق فإنه يمكن تعريف البعثية أو «النهضة» بأنها مجموعة الأفكار والمبادئ المشتركة التي تأسس عليها حزب البعث العربي الاشتراكي.

مبادئ البعثية

وتقوم البعثية على أساس ثلاثة مبادئ رئيسية. فالمبدأ الأول، هو وحدة الأمة العربية سياسياً واقتصادياً وثقافياً، واقتصار الوطن العربي على العرب وحدهم مع أحقيتهم في التصرف في شئونه وثرواته دون غيرهم. بينما نصّ المبدأ الثاني، على حرية الفرد سواء بمعتقداته أو بكلامه أو بحرية الاجتماع، وكذلك حرية الفن والثقافة، وأضاف أن هذه الحريات مقدسة لا يمكن المساس بها. ونصّ المبدأ الثالث على، أن الإنسانية هي أساس البعثية وضرورة تقديم يد العون لجميع الأمم الأخرى، وكذلك مناهضة الاستعمار ومساعدة جميع الدول لتنال استقلالها، وكذلك نصّت مبادئ البعثية على اتخاذها الاشتراكية سبيلاً لتوحيد تلك الأمة.

لذلك كان شعار البعثية وعقيدتها هو «الوحدة، الحرية، الاشتراكية». فالوحدة تشير إلى الوحدة العربية. بينما تشير كلمة الحرية إلى التحرر من الدول غير العربية، وخاصة المصالح الغربية، والاشتراكية هي إشارة إلى الاشتراكية العربية. وهكذا فإن البعثية هي مزيج من العروبة والاشتراكية العربية والقومية والعسكرية. وعلى ذلك فالغرض من البعثية هو تشكيل دولة علمانية عربية اشتراكية واحدة. [4]

ميشيل عفلق وأولى لبنات البعثية

كانت اللبنات الأولى للبعثية تتمثل في بدء ظهور أفكار الحركات القومية المؤكدة على رفض التقسيمات القُطريّة التي كانت في طَوْر التشكّل. وقد عمل كثير من المفكرين، ومنهم المفكر القومي «زكي الأرسوزي»، على دمج التراث الروحاني الصوفي والعلوي بالأفكار والنظريات القومية الحديثة ذات المنشأ الفلسفي الألماني بالأخصّ، وقد تأثرت وجهات نظره بعدد من الشخصيات الفلسفية والسياسية الأوروبية البارزة، من بينهم «جورج هيغل» و«كارل ماركس» و«فريدريك نيتشه» و«أوسفالد شبينغلر» و«كانط» و«وديكارت». [5]

وكان مفهوم البعثية عند الأرسوزي هي إرادة تحقيق انبعاث الأمة العربية، وعودتها إلى التاريخ والفعل الحضاري، بحيث تترافق العودة وتتحقق من خلال إنجاز الوحدة للأمة العربية ونشوء الوطن القومي الموحّد [6]. ولقد فرّق في أفكاره بين القومية العربية والماركسية ووضع خطًا فاصلًا واضحًا بينها، حيث قال إنه على الرغم من أن الماركسية تدعو إلى المادية والعالمية فإن القومية العربية أو الاشتراكية العربية مُستمَدة من المثالية والجوانب الدينية والإنسانية، وإنها على عكس الاشتراكية الغربية همها الوحيد هو الجانب الإنساني ولا تنكر الملكية الخاصة وتبغي المساواة والعدالة على أساس المصير المشترك للأمة العربية المهددة بالإمبريالية. [7]

ولكن بسبب شخصية الأرسوزي العاصفة وانتقاده إلى انقلاب «رشيد علي الجيلاني» باعتباره انقلابًا فاشلًا، وبعد أن طردته سلطات فيشي الفرنسية من سوريا عام 1941، انهار نفوذ أرسوزي المباشر في السياسة العربية، وانفضّ تلاميذه من حوله وانضموا لـ عفلق الذي كان مؤيداً للانقلاب، وكان الأرسوزي دائم الترديد في منفاه أن تلاميذه خانوه وباعوا مبادئه. [8]

قام كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار بوضع أولى اللبنات للبعثية، وهم منْ انجذبوا إلى الأيديولوجيات التي تدور حول أوروبا وحاولوا الدمج بين القومية العربية والماركسية والنظريات الألمانية حول هوية الدم والتربة المثالية التي كانت سائدة بين النازيين في ذلك الوقت، ووضعا أسس البعثية ومبادئها. والتي يمكن تلخيصها في وحدة الأمة العربية وحريتها [9].

كانت البعثية- كما طورها عفلق وبيطار- أيديولوجية يسارية عربية مركزية، قدمت نفسها على أساس أنها تمثل «الروح العربية ضد الشيوعية المادية» و«التاريخ العربي ضد رد الفعل الميت» [10]. وقد كان لـ عفلق نظرة إيجابية لسياسات حركة عدم الانحياز التي قادها نهرو وجمال عبد الناصر وتيتو، وعارض تاريخياً الانتماء إلى الكتلة الغربية بقيادة أمريكا أو الكتلة الشرقية السوفيتية خلال الحرب الباردة [11].

كذلك دعم عفلق وجهة نظر ساطع الحصري بأن اللغة كانت العامل الأساسي المُحدِد للأمة العربية، لأن اللغة أدت إلى وحدة الفكر والأعراف والمُثل. حيث لا يمكن الوصول إلى هذه النهضة إلا بتوحيد الدولة العربية، وستغير العالم العربي سياسياً واقتصادياً وفكرياً وأخلاقياً [12]. كذلك يعتقد عفلق أن الشباب هم مفتاح الثورة الناجحة، فقد كان الشباب منفتحين على التغيير والتنوير لأنهم لم يتم تلقينهم بآراء أخرى.

وبحسب عفلق، كانت المشكلة الرئيسية هي خيبة أمل الشباب العربي، حيث أدت خيبة الأمل إلى الفردية، ولم تكن الفردية علامة صحية في بلد متخلف، على عكس البلدان المتقدمة. [13]

تطبيق مبادئ البعثية

لقد وضعت البعثية خطة لتطبيق مبادئها على أرض الواقع، وتتلخص تلك الخطة في:

1. بناء دولة الوحدة التي أساسها المبادئ الإسلامية ومواجهة التفتيت العربي، وذلك لمواجهة التكتلات الاستعمارية والكيان الصهيوني، رغم إيمانها بأن الوحدة العربية في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوطن العربي غير ممكنة [14]. ولم يعترف البعثيون بالدول العربية القائمة، بل اعتبروها من مظاهر الانقسام والتجزئة، لذلك بادروا لتأسيس عدد من الفروع للحزب في دمشق ولبنان والأردن والعراق وليبيا ومصر والكويت والسعودية واليمن وتونس، وذلك لبناء أمة واحدة عربية.

2. بناء الحرية وتأسيس الديمقراطية، حيث إن الحرية السياسية هي أعلى الأهداف الأساسية للبعثية، فقد نصّ دستور البعث الصادر عام 1947 على حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد، وكذلك حرية المواطن بوطنه، ومن تلك الحريات معتقداتهم واختيار ممثليهم بالحكم [15]، لذلك قام البعثيون بمصادرة وتأميم أراضي ومصانع كبار الملاك وأعطت الفلاحين حق الانتفاع بتلك الثروات، ثم قامت بشراء المحاصيل الزراعية من الفلاحين بسعر مرتفع وأنشأت ووسّعت المدارس والجامعات. [16]

3. تحرير العرب من التبعية، وتحديداً التبعية الاقتصادية، وذلك عن طريق بناء أمة مُنتِجة وليس مُستهلِكة، وإقصاء العشائر وبناء ديمقراطية بعيدة عنها، وكذلك إقرار التعددية الحزبية لبناء بيئة ديمقراطية سليمة. وأخيراً السعي لتحقيق التنمية في ظل الاشتراكية عن طريق إقرار العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص [17]، ورفض الإمبريالية والعلمانية وتجاهل الانقسامات الطبقية. [18]

ولكن، جاء تطبيق مبادئ البعثية على أرض الواقع بنتائج معاكسة تماماً لكل ما نادت به وذلك بسبب التحديات التي واجهتهم بأرض الواقع. فعلى الرغم من مناداة البعثية بالاتحاد والتغاضي عن الخلافات الجانبية الشخصية، فإن أول من خالف ذلك المبدأ هم البعثيون ذاتهم، حيث قاموا بأكثر من انقلاب داخل الحزب ذاته وإقصاء مؤسسيه. [19]

كذلك لم تستطع البعثية توحيد الدول العربية المختلفة، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية بين هذه الدول والصراع بين مصلحة الأمة العربية ومصلحة الوطن، لذلك غُلبت الدولة الوطنية في مواجهة مبادئها. [20]

وقد قام البعثيون بمصادرة حرية التعبير وحلّ الأحزاب ومصادرة الصحف ومنع التظاهر، وقمعت أي قوى جديدة قد تهدد البعثية [21]، فأصبحت الدول التي تطبق البعثية دول بوليسية قمعية تهتم بالعشائر والطوائف الداعمة لها على حساب المواطنين، وكانت السجون السياسية هي العلامة المميزة للحقبة البعثية في الوطن العربي.

وأخيراً، ورغم تبني البعثية سياسة عدم الانحياز ومعاداة الإمبريالية والاستعمار، فإنها في الواقع قامت بالتحالف مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وكانت حكومة شديدة المركزية والسلطوية. [22]

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. سعيد بن ناصر الغامدي، حزب البعث تاريخه وعقائده، 2002، ص12.
  2. بول لونغ وتيم وال، الدراسات الإعلامية: سلطة الإعلام، ترجمة: هدى عمر عبد الرحيم ونرمين عادل عبد الرحمن، المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2017، ص 73.
  3. John anderw. The Economist book of ISMS. Profile Books. 2010. p 99.
  4. Robbert M Kerr. Syrian Civil war the essential reference guide. ABC-CLIO. 2020. p5.
  5. Youssef M. Choueiri. A History Nation and State in the Arab World: Arab Nationalism. Wiley, 2001.p144.
  6. فايز علم الدين القيس، حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، دار الفارابي، لبنان، 2017، ص14.
  7. Hiroyuki Aoyama, Wafiq Khansa, and Maher al-Charif Translated. Spritual Father of the Ba’th -The Ideological and Political Significance of Zaki al-Arsuzi in Arab Nationalist Movements. Revised by Mujab al-Imam and Malek Salman. Institute of Developing Economies .Jetro. 2000. Chapter 3. p112.
  8. Michael Curtis. People and Politics in the Middle East: The Arab-Israeli Conflict-Its Background and the Prognosis for Peace. Transaction Publishers, 1971. p139.
  9. رايموند هينبوش، تشكيل الدولة الشمولية في سورية البعث، ترجمة: حازم نهار. دار رياض نجيب الريس. لندن. 2014، ص225.
  10. Devlin, John F. The Ba’th Party: A History from its origins to 1966. Hoover Institution Press.1975. 2nd edition. p22.
  11. Ginat, Rami. Syria and the Doctrine of Arab Neutralism: From Independence to Dependence. Sussex Academic Press. 2010. p120.
  12. Salem, Paul. Bitter Legacy: Ideology and Politics in the Arab World. Syracuse University Press. 1994. p61.
  13. Salem, Paul. Bitter Legacy: Ideology and Politics in the Arab World. Syracuse University Press. 1994. p64.
  14. لمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على دليل العمل القومي العربي، المقدم من القيادة القومية لحزب البعث الاشتراكي في 7 أبريل 2010. ص130-160.
  15. المرجع السابق.
  16. رايموند هينبوش، تشكيل الدولة الشمولية في سورية البعث، ترجمة: حازم نهار. دار رياض نجيب الريس. لندن. 2014، ص225.
  17. لمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على دليل العمل القومي العربي، المقدم من القيادة القومية لحزب البعث الاشتراكي في 7 أبريل 2010.
  18. The Economist book of ISMS. John Anderw. Profile books. 2010. p99.
  19. Foaud Ajami. The Syrian Rebellion. Hoover Press. 2013. p190.
  20. رايموند هينبوش، تشكيل الدولة الشمولية في سورية البعث، ترجمة: حازم نهار، دار رياض نجيب الريس، لندن، 2014، ص225.
  21. المصدر السابق، ص224.
  22. The Economist book of ISMS. John Anderw. Profile books . 2010. p99.