الاستثمار الإسلامي جزء من منظومة اقتصادية كلية تعمل وفقًا لأسس راسخة، وضوابط مُحكمة، وإجراءات؛ وفقًا للشرع الحكيم. ويستند الاستثمار في الإسلام على المعنى «الحقيقي» للاستثمار؛ أي إنشاء مشروعات لإنتاج الطيبات؛ التي يحتاج إليها الناس من ناحية، وعلى فهم لطبيعة النقود –أو المال– من حيث أن النقود لا تلد نقودًا في ذاتها؛ وإنما تنمو بالاشتراك فعليًا في النشاط الاقتصادي، وتتحمل كامل المخاطرة في سبيل ذلك.

وفي ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة نتناول في هذا المقال موضوع الحث على الاستثمار، وموضوع تحريم الفوائد الربوية.

الحث على الاستثمار في ضوء القرآن والسنة

1. مفهوم الاستثمار

معنى الاستثمار لغة الثَمر حمل الشجر، والجمع ثمار، وثمر الشجر، وأثمر الشجر؛ أي صار فيه الثمر، وبابه طلع، والاستثمار أي طلب الثمر، وفي المال طلب الثمر من أصل المال؛ قياسًا على طلب الثمر من الشجر.

يقول الله عز وجل:

﴿انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾
الأنعام: 99.
﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
الأنعام: 141.

واصطلاحًا؛ يقصد بالاستثمار استغلال المال بقصد الحصول على عائد؛ ويكون ذلك عن طريق استخدام الأموال في إقامة مشروعات، أو شراء عقارات أو آلات أو أجهزة إنتاجية أو تأجيرها أو المساهمة بها في مشروعات اقتصادية، والتمويل لمشروعات اقتصادية بنظام المشاركة، وشراء حصص أو أسهم في شركات قائمة. [1]

وبالمفهوم الواسع للاستثمار؛ فهو توظيف النقود لأي أجل في أي أصل أو حق ملكية أو ممتلكات أو مشاركات؛ للمحافظة على المال وتنميته؛ سواء بأرباح دورية، أو بزيادات في قيمة الأموال في نهاية المدة، أو بمنافع غير مادية.

2. معايير الاستثمار في المنهج الإسلامي

وتوجد عدة معايير في مجال الاستثمار في الإسلام، ومن أهم هذه المعايير؛ ما يلي:

معيار العقيدة

يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾
البقرة: 30.
﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾
الحديد: 7.
﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾
النور: 33.

يُستنبط من الآيات السابقة ما يلي:

  • إن الله سبحانه وتعالى هو المالك الأصلي والحقيقي للمال، والإنسان مستخلف فيه؛ أي أن ملكية الأموال في الحقيقة ليست للناس، وما الإنسان فيها إلا بمنزلة النائب أو الوكيل.
  • يعتبر الإنفاق في سبيل الله من أعظم القربات إلى الله تعالى.
  • لابد من اغتنام الفرصة؛ بإقامة الحق، وأفضل شيء هو تنمية المال بما ينفع الناس.

معيار القيم الأخلاقية

يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم﴾
الإسراء: 9.
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾
العنكبوت: 45.

أي أن القرآن يهدي للتي هي أقوم من العقائد والشرائع والأخلاق؛ فمن اهتدى بهديه كان أقومَ الناس. والهدف من جميع العبادات أن يحيا الإنسان بأخلاق فاضلة، وأن يتمسك بهذه الأخلاق؛ مهما تغيرت الظروف.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

إن خِيَارَكُم أَحسنُكم أخلاقًا. [2]
التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء. [3]
رحم الله رجلاً سمحاً إذا باعَ، وإذا اشترَى، وإذا اقتضى. [4]
البَيعانِ بالخِيار ما لم يتفرقا -أو قال: حتى يتفرقا- فإن صدقا وبينا بورك لهما في بَيعِهما، وإن كَتَما وكذَبا مُحِقَت بركةُ بَيعهما. [5]

ويستنبط من هذه الأحاديث الشريفة ما يلي:

  • إن القيم الأخلاقية؛ وخاصة الصدق في الإخبار والقول، والأمانة في المعاملات والمبادلات، من أسس الأنشطة الاقتصادية والتسويقية في المنهج الإسلامي.
  • إن البركة في الرزق هي نتيجة للقيم الأخلاقية الفاضلة في المعاملات.

معيار لا ضرر ولا ضرار

يقول الله تعالى:

﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾
هود: 85.

إن شرط تحقيق المنفعة من أي نشاط اقتصادي؛ أن يخلو من الفساد؛ إذ على الفرد أن يؤدي واجباته في حدود المنفعة التي تعود على المجتمع، ولا تستقيم أمور الدنيا؛ إذا حُبس المال عن التداول والاستثمار فيما ينفع الناس.

ربط الكسب بالجهد

ويعني أن الكسب مرتبط بما يبذله الإنسان من جهد؛ فلا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب. ويرتبط هذا المعيار بمعيار آخر وهو الغُنم بالغُرم؛ فالمال وفقًا لصيغ الاستثمار الإسلامية؛ لا يكون غانمًا إلا إذا كان غارمًا.

يقول الله تبارك وتعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾
الملك: 15.
﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
المزمل: 20.
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ⁕ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ⁕ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾
يس: 33 – 35.

ويستنبط من هذه الآيات ما يلي:

  • إن الله سبحانه وتعالى ضمن الرزق للناس، والجهد مطلوب للحصول على هذا الرزق المُقدر.
  • من ضمن الآراء في الجمع بين الانشغال بتنمية المال والجهاد في سبيل الله؛ أن ذلك لعلة وهي أن المال هو عصب المعارك وأساس للإعداد للجهاد وتسليح الجيوش بالعتاد [6]، ويقول الله تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
الأنفال: 60.

والجدير بالذكر، أن التعب والكد المقصود في الآيات الكريمة ليس بأن يشغل الفرد قلبه بكيفية الحصول على الرزق؛ ولكن المطلوب أن يعتقد العبد أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وأن جهده في سبيل الله؛ لكي يأخذ الأجر من الله.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

الساعِيِ على الأرمَلةِ والمِسكينِ كالمجاهِدِ في سبيلِ اللهِ، أو كالذي يصوُمُ النَّهارَ ويقومُ الليل. [7]
إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يَغرسُها فَليغرسها. [8]
الخراج بالضمان. [9]

ويستنبط من هذه الأحاديث ما يلي:

  • سوى الله تعالى بين المجاهدين في سبيل الله وبين الساعين على المحتاجين؛ مثل اليتامى والأرامل والمساكين.
  • الاستثمار يكون في جميع الأنشطة الاقتصادية التي يحتاجها المجتمع.
  • العائد لا يكون حلالًا إلا إذا تحمل المال المخاطرة.

3. الادخار

وضع الإسلام القواعد الشرعية التي تنظم الادخار في البيت المسلم؛ وأهمها ما يلي: [10]

  • ادخار ما يفيض عن الحاجات الأساسية.
  • وجوب ادخار الفائض لوقت الحاجة.
  • للأجيال القادمة حق في أموال الأجيال الحاضرة.
  • استثمار المال الفائض وعدم اكتنازه.
  • أن يكون استثمار المال المدخر في مجال الطيبات الحلال.

والادخار الكلي للأفراد عبارة عن أجزاء الدخل التي لم يتم استخدامها في طلب المنتجات. وكل كمية مدخرة من النقد تمثل رصيد المنتجات غير المستهلكة، وينتج عن ذلك -نظريًا- تساوي الادخار والاستثمار في الاقتصاد ككل. وإذا تم التسليم بذلك؛ أي تساوى الادخار والاستثمار من الوجهة الكلية؛ أي في المجتمع ككل، فإننا نسلم بتساوي الجزء من الدخل الكلي الذي لا ينفق على الاستهلاك الكلي مع الطاقات الإنتاجية ككل؛ المستخدم منها وغير المستخدم.

ويحتوي المنهج الإسلامي في التنمية على عدة أسس، وتعتبر من المحفزات على الاستثمار بالقيود التي فرضتها الشريعة الغراء، منها: تحريم الفوائد الربوية، وتحريم الاكتناز، وفريضة الزكاة. ونتناول فيما يلي تحريم الربا ومشروعية التجارة كأساس في المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية.

تحريم الربا ومشروعية البيع في القرآن والسنة

إن تحريم الربا ومشروعية البيع؛ من أهم مبادئ الاستثمار في الإسلام. ومن حيث تعريف أنواع الربا؛ يوجد نوعان؛ وهما: ربا الدين، وربا البيوع.

1. ربا الدين

يقول الله عز وجل:

﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾
البقرة: 275.
﴿يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ﴾
البقرة: 276.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ⁕ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ⁕ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
البقرة: 278 – 280.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾.
البقرة: 282.
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾
البقرة: 283.

يُستنبط من الآيات السابقة ما يلي:

  • المقصود بالبيع هو التجارة، أي عمليات الشراء بقصد البيع عن طريق تقليب المال؛ للحصول على ربح حلال من الفرق بين تكلفة الشراء وثمن البيع.
  • ربا الدين هو الربا المحرم الذي جاء بآيات سورة «البقرة»؛ لأن الله عز وجل حرم صورة واحدة فقط من الاستثمار تحريمًا مطلقًا، وهي صورة الإقراض بفائدة ثابتة مضمونة.
  • جاء لفظ الربا في القرآن الكريم معرفًا بـ «أل»، وتفسير ذلك: إن الألف واللام للعهد، أي أن الربا المعهود والمعروف في الجاهلية؛ هو الذي كان يأتيه اليهود والمشركون.
  • وتوجد فروق محددة بين الزيادة الحلال في البيع والتجارة من ناحية، وبين الزيادة المحرمة في الربا من ناحية أخرى. [11]

والربا الذي كان معروفًا عند العرب؛ هو الربا الذي قصده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في خطبة حجة الوداع بقوله (صلى الله عليه وسلم):

ألا وإن كل رباً كان في الجاهليةِ مَوضوع وإن الله عز وجل قضى أن أول رِبَا يُوَضعُ رِبَا العباس بن عبد المطلب لَكُم رُؤُوسُ أموالِكم لا تَظلمون ولا تُظلمون. [12]

أي أن الربا الذي وضعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في خطبة حجة الوداع هو ربا الجاهلية؛ وهو ربا الدين. وهو ربا النسيئة الذي عناه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله:

لا ربا إلا في النسيئة [13].
وفي رواية: إنما الربا في النسيئة. [14]

وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن «بيع الذَهَبِ بالوَرِقِ دينًا». [15]

ومعنى النسيئة ما يؤخذ لأجل الإنساء، أي التأخير إلى أجل محدد، وأطلق عليه أيضًا «الربا الجلي»، أي القاطع؛ الذي لا شبهة فيه.

وفي حديث آخر:

نهى النبيُ (صلى الله عليه وسلم) عن الفِضة بالفِضة، والذَهب بالذَهب إلا سواءً بسواءٍ، وأمَرَنا أن نَبتاعَ الذَهبِ بالفضةِ كيفَ شئنا، والفضةَ بالذهبِ كيفَ شئنا. [16]

ومن الأحاديث النبوية التي وردت في تحريم الربا؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

اجتنبوا: السبعَ الموبقات. قالوا: يا رسول اللهِ وما هن؟ قال: الشرك بًاللهِ، والسحرُ، وقَتلُ النفسِ التي حرم اللهُ إلا بًالحق، وأكلُ الربًا، وأكلُ مالِ اليتيم، والتوَلي يَومَ الزحفِ، وقَذفُ المُحصَناتِ المؤمِنات الغافلات. [17]

كما لعن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كل المتعاملين بالربا في الحديث:

لَعَنَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) آكِلَ الربا، ومُوكِلَهُ، وكَاتِبَهُ، وشَاهِدَيهَ، وقال: هُم سَوَاء. [18]

ومن صور الإعجاز الاقتصادي في تحريم الربا؛ أن علماء الاقتصاد المعاصرين يرون أن التشغيل الكامل والتنمية لن يتحققا؛ إلا إذا كان سعر الفائدة صفرًا.

وهناك صيغ إسلامية بديلة عن المعاملات الربوية؛ وهي نوعين؛ النوع الأول: المعاوضات المالية وتشمل: بيوع المرابحة (تطورت وأصبحت تعرف بالمرابحة للآمر بالشراء)، وبيع السلم، وصيغ التأجير أو الإجارة، والاستصناع. والنوع الثاني: المشاركات وتشمل: المضاربة الإسلامية، والمشاركة الإسلامية، وصيغ الاستثمار الزراعية؛ كالمزارعة والمساقاة.

2. ربا البيوع

حرّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ربا البيوع بعد تحريم ربا الدين؛ بأحاديث كثيرة، ومن هذه الأحاديث؛ قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

الذهَبُ بالذهَبِ. والفِضة بالفِضة. والبُرُ بالبُر. والشعِيرُ بالشعِير. والتمرُ بالتمرِ. والمِلحُ بالمِلحِ. مِثلاً بِمِثلٍ. سَوَاءً بِسَوَاءٍ. يَدًا بِيَدٍ. فإذا اختَلفَت هَذِهِ الأصنافُ، فبيعوا كيف شئتم، يداً بيدٍ. [19]

ومن صور تحريم ربا البيوع؛ كما جاء في السنة الشريفة؛ ما يحدث في الوقت الحاضر؛ في سلوك بيوت الصرف العالمية؛ التي شهدت تطورًا في التعامل على أساس الصرف الآجل؛ حيث صار لعلاقة الصرف بين العملات الرئيسية في العالم؛ كاليورو والدولار الأمريكي سعران أحدهما للصرف يدًا بيد، والآخر للصرف الآجل. والفرق بين السعرين يحدده علماء الاقتصاد على أساس الفرق بين سعر الفائدة بين العملتين مقسومًا على السنة. أي أن تحريم ربا البيوع؛ الذي جاءت به السنة المطهرة التفت إليه علماء الاقتصاد المعاصرين.

كما أن الاقتصاديين يرون أن الاكتناز يحدث في السلع كما يحدث في النقود؛ لذلك فإن كينز يرى أن الربا يجري في السلع كما يجري في النقود. واعترض على فرض ضريبة النقود لمنع الربا؛ لأن الاكتناز سوف يهرب إلى السلع. [20]

وفي الحديث الشريف:

أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استعمل رجلاً على خيبر، فجاء بتمر جَنيب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تفعل، بِع الجَمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جَنيبًا. [21]

ولهذا كانت معجزة ربا البيوع سدًا لذريعة ربا الدين أو القرض. وبذلك تحققت نبوءة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ومنهجه القويم في تجنب الربا؛ بهدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

المراجع
  1. انظر: فتحي السيد لاشين: فوائد البنوك بين الاستغلال الربوي والاستثمار الإسلامي، (الجيزة: البصائر للبحوث والدراسات، 2009م)، ص 184، 185.
  2. رواه الشيخان: البخاري في صحيحه بأرقام 3559، و3759، و6029، و6035، ومسلم في صحيحه برقم 2321.
  3. رواه الترمذي في السنن برقم 1209.
  4. رواه البخاري في صحيحه برقم 2076.
  5. حديث حكيم بن حزام: البخاري أرقام 2079، و2082، و2108، و2110، و2114.
  6. نايل ممدوح أبو زيد: استثمار الأموال في القرآن الكريم والسنة النبوية مفهومه، مجالاته، سبل حمايته، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 22، العدد الأول، 2006م، ص 493 – 520.
  7. رواه البخاري في صحيحه برقم 6006.
  8. رواه أحمد برقم 12902.
  9. رواه البيهقي.
  10. انظر: حسين شحاتة: اقتصاديات البيت المسلم في ضوء الشريعة الإسلامية، (القاهرة: دار النشر للجامعات، 1428هـ = 2007م)، ص 45 – 47.
  11. انظر: فتحي السيد لاشين، مرجع سابق، ص 47، 48.
  12. حديث عَم أبي حُرة الرُقاشِي: أخرجه أحمد في مسنده برقم 21237، وحديث عمرو ابن الأحوص: في سنن الترمذي؛ برقم 3087.
  13. حديث أسامة بن زيد: رواه الشيخان: البخاري برقم 2178، ومسلم برقم 1596 في صحيحيهما.
  14. رواه مسلم في صحيحه برقم 1596.
  15. رواه البخاري في صحيحه برقم 2180.
  16. حديث عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه: رواه البخاري في صحيحه برقم 2182.
  17. حديث أبي هريرة: رواه الشيخان: البخاري برقمي 2766؛ و6857، ومسلم برقم 89.
  18. حديث أبو الزبير عن جابر: رواه مسلم في صحيحه برقم 1598.
  19. حديث عُبَادة بنِ الصامِتِ: رواه مسلم في صحيحه برقم 1587.
  20. انظر: يوسف كمال محمد: فقه الاقتصاد الإسلامي: النشاط الخاص (الكويت: دار القلم، 1408هـ = 1988م). ص 254، 255.
  21. حديث أبي هريرة: رواه البخاري في صحيحه برقمي 2201، و2202.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.