وفي يناير 1981 بدأ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في إنشاء أول طريق (جسر) لتزويد هذا الحزب الكردي الإيراني بالأسلحة المقاتلة قرب المدن الحدودية الإيرانية، مثل :قصر شيرين و نودشاه Nowdeshah. وكانت الأخيرة الأكثر أهميةً للنظام العراقي السابق حتي يمنع إيران من استخدام طريق طهران بغداد.

ومن جانبه أمل الحزب الكردي الإيراني KDPI في أن يؤسس مناطق محررةً كردية داخل إيران اعتماداً علي الدعم العراقي له. ولكن بدأت الأمور تسير عكس ما أراد الحزب ،وكذلك النظام العراقي، ففي عام 1981، نجحت القوات الإيرانية في تكبيد القوات العراقية خسائر كبيرةً في الجبهة الشمالية وطردتهم إلي حدود العراق .وبعدها شنت القوات الإيرانية هجمات ضد الحزب الكردي الإيراني جعلت منه هش طوال الحرب العراقية الإيرانية.

انشأ الرئيس الراحل صدام حسين جسرا لتزويد الحزب الكردي الإيراني بالأسلحة قرب المدن الحدودية الإيرانية حتي يمنع إيران من استخدام طريق طهران بغداد

وبحلول عام 1983، عكست إيران اللعبة، وبدأت في أن تستخدم هي الورقة الكردية ضد قوات النظام العراقي. فعملت علي توفير الدعم لكلٍ من الحزب الديمقراطي الكردي KDP في العراق بقيادة مسعود برزاني وكذلك دعم حزب جلال الطالباني المعروف باسم (الاتحاد الوطني الكردستاني PUK) في مواجهة صدام جسين، مما دفع الأخير إلي البدء في مفاوضات سرية مع الأكراد بوعود الحصول علي مزيدٍ من الاستقلال في الشئون الداخلية للإقليم الكردي العراقي.

وكانت بغداد قلقة من إمكانية حدوث هجمات كردية ضد خط أنابيب نفط كركوك –إسكندرونة(في تركيا). فبعد مهاجمة العراق لمواقع نفطية إيرانية، توقع الأخير مهاجمة إيران لمواقع نفطية عراقية، ولكن إيران لم تفعل هذا. ومع ذلك ظل النظام العراقي قلقاً بشأن احتمالية قيام تحالف كردي- إيراني لضرب مصالح اقتصادية في العراق.

بعد انتهاء الحرب العراقية –الإيرانية وبعد غزو الكويت 1990، تغيرت الحسابات الاستراتيجية الإقليمية كثيراً، فتم إقامة منطقة حظر للطيران العراقي فوق مناطق كردية، ونشر 8000 جندي أجنبي لحماية الأكراد العراقيين من قوات النظام العراقي السابق.

ومن البداية عارضت إيران العمليات الغربية في العراق، وخشت أن تلك المنطقة (منطقة الحظر الجوي) تمثل تهديداً لأمن الأراضي الإيرانية أو أن تصبح دائرةً لأنشطة معادية لها. وساور الأخيرة القلق من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد الإيرانيين KDPI في تهديد المناطق الحدودية الشمالية الغربية. وبدءاً من مارس 1993 قامت إيران بشن سلسلة من الغارات الجوية ضد الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني ومناصريه بداخل منطقة الحظر الجوي السالف ذكرها.


الربيع الكردي عام 1991: نقطة تحول في تاريخ كردستان

يُعدُ هذا النضال صراعاً من أجل مستقبل أفضل. قمع من بدايته من قبل الجيش العراقي، ثم تم وضعه تحت حماية المجتمع الدولي وتحت إشراف دولي وتم خلال هذه الفترة إنشاء منطقة حظر جوي خلال الانتفاضة التي بدأت وكانت أهدافها في نهاية المطاف هو انتقال المنطقة نحو الديمقراطية واقتصاد السوق الحر من خلال تحقيق نوعٍ ما من الاستقلال. أول انتخابات عقدت في منطقة كردستان كانت في مايو 1992، و تم إنشاء برلمان كردستان والذي بدوره أنشأ الحكومة الإقليمية الكردية (حكومة إقليم كردستان).


سقوط حكومة صدام حسين

إن سقوط نظام البعثيين في عام 2003 أسفر عن وضع حد لأحلك أيام في تاريخ كردستان،وضع الأمل في المستقبل في ديمقراطية وتعددية العراق التي يمكن أن يشارك بها الأكراد. ومنذ ذلك الحين، اختارت القيادة الكردية أن تظل جزءا من ديمقراطية جديدة وتعددية العراق على الرغم من الاستقلال الجزئي وإنجازاته الخاصة في الحكم الذاتي. واقتناعا منها بأن هذا الخيار هو الطريقة الأكثر منطقيةً، كما قالوا، فقد بذلت القيادة الكردية جهودا قوية للمشاركة بفعالية في بناء عراق ديمقراطي. إن هذا القرار يعتمد في المستقبل يعتمد على طبيعة العراق الجديد والتزام الحكومة العراقية بالحفاظ على واحترام الحقوق الدستورية للأكراد.

بعد مزيد من الاستقلالية في شئون الأكراد العراقيين فتحت طهران قنوات اتصال مع الأكراد وعملت علي تنشيط العمليات التجارية بينهما (إيران- الأكراد)

وبعد ذلك، وبعد مزيدٍ من الاستقلالية في شئون الأكراد العراقيين، فتحت طهران قنوات اتصال مع الأكراد KDP و PUK وعملت علي تنشيط العمليات التجارية بينهما (إيران- الأكراد)، بل وفتحت مكاتب لتمثيل الأكراد في إيران وقام الأكراد بنفس الشيء. مثل الغزو الأمريكي للعراق 2003 والإطاحة بالنظام البعثي، تحدياً آخر لدي إيران في فتح صفحةٍ جديدة في التعامل مع أكراد العراق.

فاقتصادياً، أصبحت العلاقات التجارية بين الطرفين مزدهرةً إلي حد ما منذ عام 2003 و تخطي حجم التجارة البينية 2 مليار دولار أمريكي.

وعلي الرغم من هذا التطور الإيجابي، ظلت هناك عراقيل سياسية، فقد اتهمت إيران الحكومة الكردية بالسماح للعملاء الإسرائيليين بالعمل ضد المصالح الإيرانية في الإقليم، وعلي الرغم من نفي حكومة الإقليم لهذا. وقد ظل هذا الأمر محط توترٍ بين الطرفين.

وطبقاً لتقريرٍ الصحفي سيمور هيرش فی مجلة نيويورك تايمز في 28 يونيو 2004، فإن إسرائيل قد شكلت دوائر استطلاع وتجسس واسعة في إقليم كردستان العراق تحت مسمي العمل التجاري. فزود العملاء الإسرائيليون حزباً كردياً جديداً باسم (حزب الحياة المستقلة الكردي Kurdish Independent Life Party PJAK) وهو فرع لحزب العمال الكردستاني اتُهِم بالقيام بأعمال عنفٍ منظمة داخل إقليم كردستان إيران. وهو ما ترد عليه إيران من وقتٍ لآخر، مما زاد في جو توتر العلاقات الثنائية بين الطرفين.

ويُمكن القول أن سياسة إيران تجاه الأكراد مرتبطةً بالتطورات الداخلية في العراق. فيمكن القول إنها جزء من سياسة إيران تجاه العراق ككلٍ، وهي مرتبطةٌ بتغير مصالح إيران في العراق. أما في نظر الأكراد، فإنها علاقةٌ تاريخية مع إيران علي حد وصف (محمد صديق أحمد ) أحد مسئولي إقليم كردستان العراق.


إيران- الأكراد بعد 2011: الاضطراب في العلاقات

إن التجارب الحالية التي يمر بها العراق أثبتت أن الأكراد يمكن تهديدهم من نواحي و جهات أخري، مثل تنظيم داعش. و لذا بدأت العلاقات بين الأكراد و إيران تعود للبروز مرةً أخري. وهنا برزت أهميةٌ استراتيجية أخري وهي الحرب المشتركة والمصلحة الواحدة، وهي الحرب ضد داعش. ولذا عملت إيران علي تدعيم هذه الحرب وأمدت الأكراد بالمساعدة. وقد اعترف الإيرانيون أنفسهم بهذا الأمر علي لسان أحد مسؤوليها حين قال نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تصريحات عبر وسائل الإعلام المحلية، أن إيران قدمت المشورة للأكراد العراقيين ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام/داعش.

وقال عبد اللهيان: «قدمنا مساعدة سياسية ونصائح إلى الحكومة العراقية وفعلنا الأمر نفسه في كردستان العراق». وأن إيران ليس لها وجود عسكري «لا في سامراء ولا في بغداد ولا في منطقة كردستان العراق». وأضاف أن «لم نرسل أسلحة، لكننا قدمنا نصائح وتقاسمنا تجاربنا مع حكومة بغداد وكردستان العراق».

إلا أن هذا المنحي لم يستمر طويلاً فبرزت لإيران تهديداتٌ ربما أكبر من تهديد داعش لها وهو هذه المرة من جانب أكراد العراق أنفسهم التي عملت علي تدعيمهم مرةً ولكن الآن تغير الأمر. فقد حذرت الحكومة الإيرانية الأكراد، وبالخصوص قادتهم في ولاية السليمانية ، من خطر الانفصال عن الحكومة المركزية في العراق، وحذرت الأكراد من اضطراب العلاقات بين الجانبين و أنها ربما تدعم أي جهاتٍ تواجه هذا الانفصال، و في نفس الوقت هددت بإقفال كل المعابر بين العراق وإيران. وكانت إيران قد وصفت الانفصال عن العراق بأنه خطة إسرائيلية وتهدد أمنها القومي.

وقالت طهران في رسالة – إلى الأكراد – تعبر فيها عن «معارضة إيران الشديدة للإنفصال وتأسيس دولة كردية ومطالبة السليمانية بموقف واضح من ذلك، ومن الدستور العراقي الذي ضمن حق تقرير المصير للأكراد في إطارالنظام الفيدرالي».

ويبدو أن السبب في رفض إيران لإعلان دولةٍ كردية مستقلة هو الأمن القومي الإيراني، حيث أن إيران – وكما تؤكد الجهات الأمنية الإيرانية – علي علمٍ بأن هذه الدولة (الكردية) علي علاقةٍ بإسرائيل. وقد رأي البرزانى منذ البداية أهمية الاتصال بين الأكراد وإسرائيل مباشرةً بشكل مباشر منذ عام 1963 كي تحصل علي استقلال الأكراد عن طريق إسرائيل بعد أن خذلته الحكومة العراقية ومن أجل هذا ذلك استعان بالاسرائيليين الذين تربطهم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة فى ذلك الوقت.

وقتها كان عدد الأكراد فى العراق 2 مليون نسمة وفى سوريا 600 ألف كردى وفى إيران 4 مليون و6 مليون فى تركيا و60 ألف فى روسيا، وفى بريطانيا 800 طالب كردى.

وعندما تم الاتصال بين الإسرائيليين والأكراد طلب الأكراد تقديم مساعدات لهم لتمكينهم من مواجهة الجيش العراقى وحربه على مواقعهم فى الشمال وذلك بإرسال 12 راجمة بازوكا ومدافع ضد الطائرات وجهاز إرسال ومساعدات مالية.

و يذكرُ أن شاه ايران –آنذاك- قد قال لجريدة لوموند «نحن لا نؤيد استقلال الأكراد فى العراق بيد أننا معنيون بحصول الأكراد على كامل حقوقهم هناك.. الأكراد غير العرب».

كما أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليست بعيدةً عن ذلك، حيث ترى إيران تماثل بين وضع حزب الله والأكراد، بمعني أن إنشاء دولة كردية علي الحدود الإيرانية تدعمها إسرائيل يماثل الخطر الذي يمثله حزب الله اللبناني علي إسرائيل. ومن ناحية أخري، يبدو خطر آخر حيث أن إيران كذلك بها نسبةٌ عاليةٌ من الأكراد الذين يمكن أن يشجعهم الانفصال الجديد لأكراد العراق علي الانفصال عن إيران وهو ما يتضح الآن في تركيا. وذكرت الحكومة الإيرانية ذات مرةٍ «أن هذه الخطوة ستخلق ظروفاً ومناخ سياسي وأمني يهدد الأمن القومي الإيراني لأسباب تتعلق بعلاقة حزب الحياة الحرة الكردي الايراني الذي يرتبط بعلاقات مع حزب بارزاني، ويسعى الی انفصال المنطقة الكردية الايرانية».

وبعد ذلك أبلغت الدبلوماسية الإيرانية الأكراد أن إيران (لن تعترف بأي دولة كردية مستقلة وستقطع كل منافذها الحدودية معها فور اعلان الانفصال وستدعم كل الجهود العراقية للوقوف في وجه هذه الدولة).


مستقبل العلاقة بين الجانبين

سياسة إيران تجاه الأكراد مرتبطة بالتطورات الداخلية في العراق وبتغير مصالح إيران في العراق، أما في نظر الأكراد فإنها علاقة تاريخية

و هنا تبرز العلاقة بين الجانبين الكردي و إيراني متغيرةً عبر الزمن، حيث رأينا أنها نشطةً في ظل الحرب ضد صدام حسين 1980-1988 وكذلك ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» . ولكنها لاقت حالياً تعثراً مثلما لاقته سابقاً عندما تصطدم مصالح الطرفين ببعضهما البعض. فاضطربت عندما اتصل الأكراد بالإسرائيليين واضطربت كذلك عندما أراد الأكراد تهديد الأمن القومي الإيراني عبر إعلان الاستقلال.

ولذا فيمكن للعلاقة بين الجانبين أن تأخذ إحدي المسارات الآتية:

أولا: في حال بقاء الأكراد ضمن الدولة العراقية: سيستمر المسلسل المعروف من التقارب والتباعد واحياناً تضارب المصالح حسب الظروف والوقت. فيتعاون الطرفان مثلما حدث ضد داعش أو ضد الحكومة العراقية أحياناَ. وهنا يمكن القول أن مسلسل التصالح والعلاقات الودية بين الطرفين هو المرجح.

ثانيا: في حال اانفصال الأكراد عن الدولة العراقية: وهذا المسلسل مستبعد إلى حد ما بسبب خطورته ليس فقط علي إيران ولكن علي كثير من الدول خاصة تركيا وسوريا وكذلك إيران. ولكن في هذا الوضع يمكن التنبؤ بالصراع بين الجانبين الإيراني والكردي. حيث أن الإيرانيين لا يرغبون في نشأة مثل تلك الدولة التي يعدونها – حليفة لإسرائيل- و التي تهدد أمنهم القومي كما قال المسؤولون الإيرانيون مؤخراً. حيث من المرجح أن يتصاعد الصراع إلي حدٍ كبير ربما يصل إلى الحرب الحقيقية المباشرة أو إلى حرب غير مباشرة.