إيران: يد تفاوض ويد تصنع السلاح

جيش قوامه حوالي نصف مليون جندي، وما يقارب ربع مليون آخرين في حرس الثورة.. تستعرض إيران قواها العسكرية، لتدخل في تحدٍ آخر بتصنيع السلاح وإطلاق الصواريخ الباليتسية واحدًا تلو الآخر، في رسالة ردع لجيرانها، وتأكيد للغرب وللإدارة الأمريكية الجديدة أنها لن تتخلى عن طبيعة نظامها السياسي، مستعينة في ذلك بوكلائها الذين أبقتهم بفضل دعمها وتسليحها.

الحاجة أم الاختراع: من الحصار إلى التصنيع المحلي

عرض عسكري إيراني

استطاعت إيران تطوير صناعاتها العسكرية المحلية بقدر كبير، رغم الاتفاق أو الاختلاف على فاعلية ودقة هذه الأسلحة مقارنة بنظيرتها مما لدى الغرب أو جيرانها العرب من أسلحة أمريكية وغربية متقدمة، فقد أكسبتها قدرتها على تصنيع أسلحة محلية متطورة ميزة التفاوض مع الغرب في ملفها النووي، وكذلك مساومة جيرانها العرب.

ورغم توقيع إيران للاتفاق النووي مع الغرب في يوليو/تموز 2015، فإنها استمرت في تحديث وإنتاج المزيد من الأسلحة دون الاقتصار على الأسلحة الخفيفة أو الذخائر فقط، بل تسعى لتقليد أسلحة متطورة وهجومية، ويخشى منافسوها أن تنجح في ذلك كما كانت على وشك امتلاك سلاح نووي.

وتستثمر إيران بشكل كبير في صناعة الصواريخ، فهي الأقوى لديها مقارنة بالأسلحة الأخرى، حيث كشفت عن منظومة «باور 373» الصاروخية للدفاع الجوي، وتزعم أنها نسخة موازية لـ «إس300» الروسية، فيما أوضح وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان أن المنظومة الجديدة تخضع حاليًا لاختبارات نهائية وستدخل الخدمة في الجيش الإيراني قريبًا.

وقد بدأت طهران في العمل في هذا المشروع عام 2010، حينما أوقفت موسكو تسليمها منظومة «إس ـ300» المتفق عليها، مع العلم أنها تسلمتها فيما بعد ودخلت الخدمة في الجيش الإيراني، وهذا يكشف أن طهران استطاعت تحويل العقوبات عليها لشيء إيجابي، في محاولة من النظام للترويج لقوته وتحدي الغرب في الاعتماد على نفسه، ما يكسبه قدرًا كبيرًا من الشرعية.

وإلى جانب اهتمامها بتطوير القدرات الصاروخية كشفت طهران منتصف الشهر الجاري عن الدبابة «كرار» التي استغرق تصنيعها ثلاث سنوات، وهي أول دبابة إيرانية متطورة محلية الصنع بالكامل، وتم تدشين خط لإنتاجها، وأكد وزير الدفاع أن الدبابة تستطيع إطلاق صواريخ وتوجيهها بدقة.

وبالنظر إلى سلاح الطيران الإيراني، الذي يعتبر ضعيفًا بشكل كبير مقارنة بنظرائه في دول الجوار الخليجي، ولهذا تسعى طهران لمحاولة تطوير هذا السلاح سواء بالشراء أو التصنيع، فقد اتفقت مع روسيا على شراء صفقة طائرات «سوخوي30»، وكذلك تعمل على مشروع لتصنيع مقاتلة محلية الصنع، وأطلقت عليها اسم «قاهر»، ومن المتوقع الانتهاء منها هذا الشهر.

ورغم انتقاد البعض لجدوى الصناعة العسكرية الإيرانية في محاولة للانتقاص منها، فإنها أكسبتها القدرة على تطوير دفاعاتها، وخاصة في مجال الصواريخ، فهي كانت على أعتاب امتلاك قدرات نووية، وما أجبر الغرب على التفاوض سوى الخوف والتشكك في حقيقة المزاعم العسكرية الإيرانية، لكنها الآن في طريقها لتطوير قدراتها التسليحية التقليدية، ما يبعدها عن الضغط الغربي في مجال شراء الأسلحة، ولتكون ورقة تفاوض جديدة مع الغرب لمنعه من فرض عقوبات عليها مرة أخرى، وأن التعاون معها أفضل من عزلها.

الردع للأعداء والدعم للوكلاء

لم تختبر إيران حتى الآن أسلحتها في مواجهة مباشرة مع أعدائها، لكن ساعدتها ترساناتها في إمداد الجماعات الموالية لها وإكسابها قدرًا كبيرًا من المقاومة، وعملها كوكيل لها في حماية مصالحها، وأبرزها جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، وميلشيات الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.

وإلى جانب ذلك استطاعت إيران دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، سواء من خلال مشاركة الحرس الثوري بعتاده أو تقديم أسلحة وذخائر لقوات النظام، إلى جانب مشاركة «حزب الله» اللبناني، وتشكيلها لميلشيات من الشيعة الأفغان وغيرهم، وساعدتها صناعتها العسكرية على توفير الأسلحة لكل هذه الفصائل حتى وإن لم تكن متقدمة.

ويؤكد ذلك ما كشفه تقرير سري لخبراء في الأمم المتحدة في مايو/أيار 2015 عن أن إيران تقدم أسلحة للحوثيين في اليمن منذ العام 2009 على الأقل، إذ ضبطت السلطات اليمنية عام 2013 سفينة «جيهان» الإيرانية التي كانت تنقل أسلحة للحوثيين، وبالتحقيق تم التوصل لثبوت عمليات تسليح سابقة تعود إلى 2009.

وأكد التقرير أنه في فبراير/شباط 2011 ضبطت السلطات اليمنية مركبا إيرانيا أثناء نقله 900 صاروخ مضاد للدبابات والطائرات صُنعت في طهران متجهة للحوثيين، وهذا مخالف لقرار الأمم المتحدة في 2007، والذي يحظر على إيران بيع الأسلحة، ويلزم جميع البلدان بمنع جميع شحنات الأسلحة الإيرانية.

وساعد إمداد إيران للحوثيين بالأسلحة في إنهاك قوات التحالف العربي وخاصة السعودية المتضرر الأكبر بسبب الصواريخ الباليستية والقذائف التي تقدم طهران جزءًا كبيرًا منها، وتمثل هذه الصواريخ خطورة كبيرة، حيث أطلق الحوثيون صواريخ على المملكة من قبل وصلت مدينة الطائف التي تبعد حوالي 550 كم عن الحدود اليمنية، وبعد ذلك أعلنت الرياض عن إسقاط صاروخ باليستي كان يستهدف مكة المكرمة.

ويوضح هذا مدى خطورة الدعم الإيراني بالسلاح لوكلائها، إذ ثبتت فاعليته على الأقل في إنهاك الخصم ومنح أتباعها قدرة على المقاومة لأزمان أطول، وثبتت أيضًا فاعلية أسلحتها في دعم حزب الله اللبناني في مواجهة إسرائيل عام 2006، وأيضًا في توظيف سلاحه سياسيًا في الضغط على الدولة اللبنانية والحصول على مكاسب سياسية تلائم حجمه العسكري.

وفي محاولة من دول الخليج وعلى رأسها السعودية لكسب ود الإدارة الأمريكية الجديدة في مواجهة طهران، زار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واشنطن،والتقى ترامب يوم 15 مارس/آذار الماضي، واتفقا على أن إيران هي الخطر الأكبر في المنطقة، وبالتالي وجب مواجهتها، وفي إطار ما أعلنه ترامب أن حلفاء بلاده عليهم دفع تكاليف حمايتهم، اتفق بن سلمان مع الرئيس الجمهوري على مشاريع مشتركة تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار.

صناعة السلاح: ورقة رابحة للتفاوض مع الغرب

كانت إيران على موعد مع دخول علاقة جديدة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الديمقراطيين، فقد دعم الرئيس السابق باراك أوباما الانفتاح على إيران، وهذا تمثل في التوصل للاتفاق النووي، وكان من المحتمل تحسن هذه العلاقة في حال فوز هيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة، لكن فوز الجمهوري دونالد ترامب جعل من الصعب السير في طريق أوباما.

فبالنسبة إلى ترامب يرى أن الاتفاق النووي خطأ يجب تصحيحه، فالاتفاق لم يكن في صالح بلاده، ولهذا هدد خلال حملته الانتخابية بـ«تمزيق الاتفاق النووي» وإعادة التفاوض عليه من جديد، وبعد توليه الرئاسة ما زال مصرًا على أنها دولة راعية للإرهاب.

وبعد أن بدأت طهران بالفعل تفكيك جزء كبير من برنامجها النووي سيكون من الصعب العودة إليه مرة أخرى، وبالتالي عليها خلق أوراق جديدة للتفاوض، وهو ما يتمثل في تطوير أسلحتها التقليدية، وخاصة الصواريخ التي تكسبها ميزة كبيرة، لتعوّض نقص وضعف سلاح الطيران لديها.

وكشفت وزارة الدفاع الإيرانية في فبراير/شباط الماضي عن إجراء تجربة لصاروخ باليستي جديد، وذلك في أول تجربة لها بعد تولي ترامب الرئاسة، وقال وزير الدفاع إن التجربة لم تمثل انتهاكًا للاتفاق النووي، فيما أكد الرئيس الأمريكي أن كل الخيارات متاحة لمعاقبة طهران بما في ذلك التعامل العسكري.

وفي إصرار إيراني على تطوير ترساناتها العسكرية شدد علي أكبر ولايتي، أحد مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، على أن بلاده لن ترضخ للتهديدات الأمريكية بسبب التجربة الصاروخية، فهذه التهديدات تهدف إلى تقييد القدرات الدفاعية لإيران، وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها شخص معدوم الخبرة إيران».

السلاح الإيراني دعاية جوفاء أم حقيقة؟

رغم التشكيك في فاعلية الأسلحة التي تصنعها إيران محليًا وقلة استيرادها للسلاح الأجنبي، إما بسبب العقوبات التي لم ترفع بالكامل، وإما لعدم قدرتها على دفع تكاليفها، فإنها مكنتها من تحقيق ردع فعال، وخاصة في مجال صناعة الصواريخ التي أثبتت فاعليتها من قبل في حرب الخليج الأولى عندما استهدفت ناقلات النفط.

وساهمت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل القاذفات والصواريخ فاعلية كبيرة في إنهاك خصوم إيران كما في حالة السعودية، حيث تكلفها هجمات الحوثيين على مدنها الحدودية الكثير، بل وصلت صواريخها للداخل كما في حادثة إسقاط الصاروخ الذي كان يستهدف مكة المكرمة.

ولكن في حال حدوث مواجهة مباشرة مع دولة قوية كالولايات المتحدة فإن إيران ستتلقى خسائر قاسية لقوة الأسلحة الهجومية الأمريكية، وفي حال دخولها مواجهة مع إحدى دول الخليج التي تمتلك قدرات هجومية ودفاعية فإنه من المرجح أن تطول الحرب بينهما لوجود عوامل تفوق لدى كل منهما، وستكون بمثابة حرب لاستنزاف المنطقة، وسيكون المستفيد الأول بائع السلاح.