منتصف ليلة الجمعة 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، وقع خبر زيادة أسعار الوقود الذي بثته الإذاعة الحكومية على مسامع الإيرانيين وقع الرعد. قررت الحكومة زيادة أسعار الوقود ثلاثة أضعاف السعر الحالي، وعللت الحكومة هذا القرار بأنه ضروري لمساعدة الفقراء في البلاد.

اختارت الحكومة الإعلان عن قرارها في وقت متأخر من يوم الجمعة، خوفًا من احتجاج الناس في الشوارع، ومستغلةً أن البلاد تمر بحالة طقس بارد وغير مستقر، لكن ذلك لم ينفع، وفي ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة، خرج الإيرانيون للتظاهر.

1. بم بررت الحكومة قرارها؟

اعتبارًا من يوم الجمعة 15 نوفمبر، سيتم بيع البنزين في إيران بسعرين: 1500 تومان أي ما يعادل 12 سنتًا أمريكيًا، ضمن كوبونات الوقود المدعومة من الحكومة شهريًا، بدون تلك الكوبونات سيتم بيع لتر البنزين بـ 3000 تومان، أي ما يعادل 25 سنتًا أمريكيًا (ثلاثة أضعاف السعر قبل القرار).

وصف علي ربيعي، المتحدث باسم حكومة روحاني، القرار بأنه «حزين، لكنه ضروري» لمساعدة الطبقات الفقيرة من الشعب. ودافع الرئيس روحاني عن قرار حكومته بضراوة، قائلًا: «إنه كان من المفترض أن يرتفع سعر البنزين إلى خمسة أضعاف، لكني رفضت».

هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين الإيرانيين بأن قرار زيادة أسعار البنزين كان حتميًا لسد عجز ميزانية الحكومة، نتيجة توقف الصادرات النفطية الإيرانية على إثر العقوبات الأمريكية.

يقول الخبراء الاقتصاديون إن الإيرانيين يستخدمون 90 لترًا من البنزين يوميًا، وإذا حققت الحكومة 8 سنتات في المتوسط لكل لتر فستحصل في النهاية على 7 مليون دولار إضافية في اليوم، ما يجعلها تستطيع سد جزء من رواتب الموظفين والمتقاعدين. لكن هناك من يرى أن زيادة أسعار البنزين لن تفيد في تعويض عجز توقف الصادرات النفطية التي تُقدر بحوالي 60 مليار دولار، وتوفر 60 في المئة من ميزانية الحكومة.

كانت الحكومة الإيرانية تسعى منذ ثلاث سنوات لزيادة أسعار الوقود لتوفير الإعانات الحكومية للأسر الفقيرة، لكن بعد تعرض اقتصادها لضربات قوية من جراء العقوبات الأمريكية، وبعد اندلاع الاحتجاجات في نهاية عام 2017، تراجعت لحظيًا عن القرار.

2. كيف مُرر القرار؟

من المفترض أن أي قرار يخص رفع أسعار الوقود يمر من خلال البرلمان الإيراني، لتصويت النواب عليه، سواء بالموافقة أو الرفض، لكن تلك المرة اتخذ القرار من لجنة ثلاثية مكونة من رؤساء الفروع الثلاثة للسلطة التنفيذية (الرئيس حسن روحاني، رئيس البرلمان علي لاريجاني، رئيس القضاء إبراهيم رئيسي)، وبموافقة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. تلك اللجنة الثلاثية تكونت بأمر خامنئي، لاتخاذ القرارات الاقتصادية الهامة منذ عدة أشهر.

اعترض بعض نواب البرلمان على القرار، موضحين تعديه على سلطات البرلمان، ومحذرين من أن ارتفاع أسعار البنزين سيؤدي إلى الركود والتضخم وخسائر هائلة لجميع الأطراف.

3. هل تتوسع الاحتجاجات؟

بدايةً من ظهر يوم الجمعة إلى وقت كتابة التقرير، والاحتجاجات في إيران تتزايد. يوم الجمعة كانت المظاهرات أكثر زخمًا في ثلاث مدن: هي مشهد (ثاني أكبر مدن إيران)، سيرجان، والأحواز التي تضم الأقلية العربية السنية.

بدأ العنف من مدينة الأحواز، حيث كانت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن أكثر عنفًا هناك، ثم بعد ذلك امتدت إلى مدينة سيرجان حيث حاول المتظاهرون إشعال النيران في مستودعات النفط بالمدينة، لكن استطاعت قوات الأمن السيطرة على الأمر.

تقول التقارير الإعلامية الواردة من سرجان إن المدينة شهدت سقوط أول قتيل في المظاهرات، في محاولة لإحراق محطة وقود.

صباح يوم السبت كانت قد اتسعت رقعة المظاهرات لتصل إلى عدد كبير من المدن الإيرانية، فخرج المتظاهرون في حوالي 37 مدينة للاحتجاج، قابلتهم قوات مكافحة الشغب بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.

بحلول ليل يوم السبت، وصلت المظاهرات إلى أطراف العاصمة الإيرانية طهران، حيث قام عدد من المتظاهرين بقطع الطرق الرئيسية، مهاجمين سيارات الشرطة.

4. ماذا عن العنف والضحايا؟

بداية من ليلة الأحد وحتى الصباح، تحول رد فعل القوات الأمنية الإيرانية إلى استخدام العنف الشديد ضد المتظاهرين، لا سيما في مدينتي الأحواز وشيراز، حيث لجأت قوات مكافحة الشغب إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين.

في مدينة بهبهان بمحافظة خوزستان غربي إيران، بدأت الأمور تتجه إلى التصعيد، وتناول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية مقاطع مصورة عن قيام المتظاهرين بإشعال النيران في أحد البنوك الحكومية، أما في مدينة شيراز فتم حرق عدد من محطات الوقود من قبل المتظاهرين.

حتى يوم السبت كانت الشعارات التي رفعها المتظاهرون جميعها اقتصادية، لكن عندما زاد تعامل قوات الأمن العنيف معهم، بدأ عدد من المتظاهرين في تمزيق صور للمرشد الأعلى علي خامنئي، والمطالبة باستقالة الرئيس حسن روحاني.

5. ما هو موقف المرجعيات الدينية؟

مع تزايد المظاهرات وانتشارها في عدد كبير من المدن الإيرانية، صرح آية الله العظمى الصافي الكلبايكاني، والذي يُعد واحدًا من أهم المرجعيات الدينية في إيران قائلًا: «إنه يجب التراجع عن القرار بأقصى سرعة، حتى لا يندم الجميع».

وفي نفس الوقت، قالت وكالات الأنباء الإيرانية إن البرلمان قرر عقد اجتماع طارئ يوم الأحد لمناقشة التراجع عن قرار زيادة الأسعار، لكن يبدو أن البرلمان قد تراجع عن الفكرة.

كان الجميع في إيران ينتظر تراجع المؤسسة السياسية عن قرار زيادة أسعار البنزين، لكن خرج المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي صباح يوم أمس، الأحد، ليؤيد قرار الحكومة بشكل قاطع، قائلًا: «لا شك أن بعض الناس يشعرون بالقلق من هذا القرار، لكن الزيادة في الأسعار تستند إلى رأي الخبراء ويجب تنفيذها».

اتهم خامنئي المتظاهرين بالتخريب واصفًا إياهم بـ «قاطعي طرق»، وأضاف قائلًا: «إن التخريب والحرق العمد، يتم عن طريق مثيري الشغب، ومؤيدو الثورة المضادة يدعمون دائمًا التخريب وانتهاك الأمن في إيران».

في نفس السياق، حذر رئيس الشرطة الإيرانية فاضلي رحماني من استخدام العنف ضد كل من يلجأ إلى حرق وتخريب المنشآت العامة والحكومية، ما اعتبره البعض إشارة إلى لجوء الأمن الإيراني لقمع الاحتجاجات بشتى الطرق.

6. ما هي آخر المستجدات على الأرض؟

منذ بدأت الاحتجاجات، تناولت وسائل التواصل الاجتماعي أخبارًا تفيد بتقييد الوصول إلى الإنترنت في أغلب المدن الإيرانية وقطع كامل للاتصالات في مدينة الأحواز بشكل خاص، لكن الأمر تطور صباح يوم الأحد، وتم حجب خدمة الإنترنت عن كامل المدن الإيرانية، مع صعوبة الوصول إلى المواقع الإخبارية الإيرانية من الخارج.

وصف بعض المراقبين الإيرانيين أن حملة التعتيم المعلوماتي في إيران مؤخرًا لم يسبق لها مثيل منذ المظاهرات الواسعة في عام 2009، الاحتجاجات التي اندلعت اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية حينئذ.

أعلن المدعي العام الإيراني أنه تم اعتقال 40 شخصًا في مدينة يزد بوسط البلاد، لاتهامهم بالتخطيط للمظاهرات، فيما أعلنت الشرطة الإيرانية في وقت مبكر من يوم الأحد أن كل من شارك في قطع الطرق تم التعرف عليه وجارٍ جمع بياناته واعتقاله.

حتى يوم أمس، الأحد، استمرت عمليات حرق البنوك الكبيرة في مختلف المدن الإيرانية، وقطعت الحكومة التيار الكهربائي عن مناطق كثيرة، وبسبب حجب الإنترنت، لا يمكن الوصول لأي معلومات عن زيادة حجم المظاهرات أو انحسارها.

7. ما هي أبرز تداعيات القرار على الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

منذ أشهر والخبراء داخل إيران يتناولون فكرة عزوف الشعب الإيراني عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في العام المقبل، بسبب يأس المواطنين من كل التيارات السياسية الإيرانية. زاد هذا القلق بعد قرار رفع أسعار البنزين، وموقف البرلمان السلبي من القرار، ما بإمكانه أن يدفع الإيرانيين لمقاطعة الانتخابات بشكل كامل.

بجانب القلق على مستقبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، هناك تخوف من زيادة الاحتجاجات وارتفاع حدتها، في وقت لا يمكن للجمهورية الإسلامية تحمل تكاليف الغضب الشعبي الواسع.