محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/11/24
الكاتب
توم هاربر

ببدء الولايات المتحدة فرض ما قد يكون أقوى عقوبات على إيران حتى الآن، سيطرت العناوين الخطابية العدائية على إدارة ترامب وطهران. يأتي هذا في أعقاب انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي تفاوض عليها سلف ترامب باراك أوباما، إلى جانب بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.كان الفارق الملحوظ بين العقوبات الأخيرة والجولات السابقة هو انتقاد الدول الأوروبية لها، والتي قبِلت سابقًا ما فرضته واشنطن. فهل تم التخلي عن الدعم الأمريكي؟في حين تهدف أحدث جولة من العقوبات إلى ممارسة المزيد من الضغوط على طهران لتغيير النظام ودعم الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لديهم أيضًا مستفيد غير مباشر متمثل في أكبر منافس عالمي للولايات المتحدة وهو الصين. ولهذا انعكاسات أوسع على المنطقة.


تلاقي المملكة الوسطى والشرق الأوسط

في الوقت الذي تبحث فيه الشركات الأوروبية طرقًا لتفادي العقوبات الأمريكية أو تسعى إلى التنازلات، من المرجح أن يخيف تهديد العقوبات العديد من الشركات، ما يمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. وهو ما سيترك بالتأكيد فراغًا من المرجح أن تملأه الصين. ومن ثم، ستحقق الشركات الصينية احتكارًا شبه كامل للنفط والتجارة الإيرانيين.شهدت الواردات الصينية من النفط الإيراني في البداية انخفاضًا طفيفًا، من الممكن أن تكون هذه إحدى حيل بكين لمعرفة إذا ما كانت الصفقات التي تخدم مصالح الصين مقدمة من إيران المعزولة بشكل متزايد. فبينما تقبلت إيران الاستثمار الصيني في الماضي، سعت كذلك إلى الاستثمار الأوروبي لموازنة ذلك، ومنع الصين من لعب دور المهيمن الأكبر في البلاد. جعلت العقوبات الآن هيمنة الصين أكثر احتمالًا.تبني الصين نفوذها بشكل متزايد في منطقة تهيمن عليها الولايات المتحدة عادةً. قد يجعل هذا طهران أكثر قابلية للمبادرات العالمية الصينية، مثل مبادرة الحزام والطريق (BRI) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO).

اقرأ أيضًا: نظام عالمي جديد تبنيه الصين في الظل: تعرّف إلى أركانه

من المرجح أن يشهد الأول (مبادرة الحزام والطريق) مزيدًا من التكامل الأوروبي الآسيوي تحت المظلة الصينية، ويمكن أن يكون الثاني (منمة شنغهاي) – كتحالف عسكري هش – جذابًا لإيران كرادع لتغيير النظام. لكن في حين تتبع هذه التحركات النمط المشترك للسياسة الخارجية الصينية، وأبرزها رغبة بكين في تحمل مخاطر أكبر وتسيير أعمال في الدول المنبوذة، فإن لها تداعيات أوسع على المنطقة والعالم.


طريق ماو

لطالما كانت بكين بارعة في استغلال التطورات في النظام الدولي لمصلحتها الخاصة، وإيران أحدث مثال على ذلك. ففي هذه الحالة، تملأ الفراغ الذي تركته الشركات الأوروبية التي خافت من تهديد العقوبات.يثير هذا تساؤلات حول فائدة العقوبات في وقت أصبحت فيه قاعدة الترسانة الدبلوماسية لإدارة ترامب. في حين كانت هناك حالات نجاح للعقوبات، وعلى الأخص في إنهاء حكم الأبارتايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، نادرًا ما نجحت في تغيير سلوك الدول في السنوات الأخيرة. لكن ربما يكون أهم الآثار المترتبة على ذلك هو كيف أدت العقوبات إلى رواج خفض الدولار، حيث تم تحدي وضع الدولار العالمي المهيمن. منذ أصبحت الدول المعهودة غير مرتبطة بالنظام القائم، من الأسهل عليها اعتماد طريقة بديلة للتشغيل. من الأمثلة على ذلك نظام بترو يوان – حيث تم تسعير واردات الصين من النفط باليوان وليس بالدولار – الذي تبنته الدول الغنية بالنفط التي تستهدفها العقوبات، وأبرزها روسيا و فنزويلا. لن تؤدي العقوبات على إيران إلا إلى تفاقم هذه العملية.نظام بترو يوان هو دليل على تحدي الصين للنظام الراسخ الذي يركز على الولايات المتحدة ويسعى إلى توفير بديل. يذكرنا هذا باستراتيجيات ماو تسي تونغ لحرب العصابات، الذي سعى إلى جعل الحكومة معزولة على مدى فترة زمنية طويلة قبل أن يطيح بها. عبر بناء علاقات مع الدول التي تفرض عقوبات، وإنشاء مؤسسات دولية بديلة، تقوم الصين بنشر استراتيجية مماثلة على نطاق عالمي في محاولة لتفادي وعزل الولايات المتحدة.نتيجة لذلك، كان هناك تعاون صيني – روسي واسع كما هو الحال في سوريا. حيث تستعد الصين للعب دور في إعادة بناء البلاد إلى جانب مساعدات روسيا العسكرية لها، بعد أن وجدت أرضية مشتركة في مخاوفها بشأن التشدد الإسلامي.كانت روسيا والصين قد وقّعتا أيضًا على الصفقة الإيرانية وكانتا غير راضيتين عن تخلي واشنطن عنها. كثيرًا ما وصفت استراتيجيات ترامب الحالية بأنها «نقيض نيكسون»، حيث تسعى إلى مزيد من العلاقات مع روسيا لمواجهة الصين. لكن من المرجح أن يُظهر الوضع في إيران الصين وروسيا تتحديان الولايات المتحدة سويًا.بالانسحاب من الصفقة، قسَّم ترامب أيضًا العالم الغربي، وبينما من السهل إزاحة إيران عن الطاولة، فسيكون من الصعب إعادتها إليها.


ماذا بعد؟

نتيجة لهذه التطورات، أصبحت الصين واحدة من الورقات الرابحة في الشرق الأوسط، تتحدى وتغير النظام القائم هناك. يشكك هذا في فائدة العقوبات على المدى الطويل، لأن الدول التي تخضع لعقوبات طويلة الأمد أكثر انفتاحًا على الأنظمة البديلة.عبر توفير بديل، تسعى الصين إلى تحدي النظام القائم بجعله معزولًا. وبينما تخلت الصين عن أيديولوجية ماو، لا تزال استراتيجياته ذات تأثير. وفي حين كان ينظر إلى العقوبات كمحاولة للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المنطقة، سيكون لها عواقب من شأنها أن تتحدى ذلك بشكل غير مباشر. هذه مسرحية أمريكية يمكن أن تخفق بشكل سيئ.