أصبحت اليمن الساحة الأحدث للتنافس السعودي الإيراني الذي يلف أركان الشرق الأوسط.

وتحول، ما كان يوما ما، صراعًا داخليًا على السلطة بين فصائل يمنية متعددة، إلى حرب بالوكالة بين الرياض وطهران.

وتسببت هيمنة الحوثيين على العاصمة اليمنية، ومدن رئيسية أخرى، في ضربات جوية سعودية ضد أهداف عسكرية ومدنية.

وتنظر المملكة إلى الحوثيين، الذين ينتمي معظمهم للطائفة الشيعية، باعتبارهم وكلاء لإيران، التي لم تفعل شيئًا لتبديد تلك الفكرة من أذهان السعوديين، رغم نفوذ طهران المحدود على الحوثيين.

الحقيقة أن طهران لا ترى في الحوثيين حليفًا إقليميًا، لكنها تعتبرهم مقاومة مفيدة لغريمتها الإقليمية.

وفي ذات الأثناء، فإن الدعم العسكري الأمريكي للحملة السعودية ضد الحوثيين قد يخدم واشنطن في إعادة طمأنة حليف عربي رئيسي، يشعر بالقلق من اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة.

ولكن في نهاية الأمر، لا يحتمل أن يحقق أي من طرفي الصراع انتصارًا واضحًا، فليس من المرجح أن تفرض السعودية إرادتها على اليمن، كما لن تستطيع إيران بسط نطاق تأثيرها، بشكل متزايد، على شبه الجزيرة العربية، وسيكون على الولايات المتحدة القبول باستحواذ قاعدة شبه الجزيرة على المزيد من الأراضي اليمنية.

وفي غياب حل سياسي، فمن المرجح أن تنزلق اليمن نحو المزيد من عدم الاستقرار، مع عواقب خطيرة للأطراف الضالعة.

وتخشى الرياض من أن يتسبب اتفاق بين طهران ودول (5+1) في انفراج العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، بما يعزز قوة الأخيرة.

وتعتبر إيران قوة إقليمية مهيمنة، ولديها ارتباطات مؤثرة في كل من العراق وسوريا ولبنان، ويحتمل أن تستغل عدم الاستقرار المستقبلي في دول عربية أخرى، لا سيما إذا تمكنت من تقويض السلطات السعودية.

وتتمثل رؤية السعودية في صعود الحوثيين باليمن، في كونها الخطوة المقبلة للأجندة الإقليمية لإيران.

وفي الحقيقة، حارب الحوثيون السلطة المركزية في اليمن قبل وقت طويل من ملاحظة إيران لهم.

الحوثيين
الحوثيين

وعلاوة على ذلك، فإن للحوثيين، واليمن بوجه عام، اهتمامات سطحية بإيران، ولكن التصور السعودي للحوثيين، وكأنهم إيرانيون، أصبح فرصة بالنسبة لطهران لاستغلال مخاوف المملكة.

ومن جانب، يخشى السعوديون الطموحات الإيرانية في الشرق الأوسط، لكن بالمقابل، تعتقد طهران أن الرياض تؤجج الجهود لتقويض الجمهورية الإسلامية وحلفائها، وهو السبب الذي يكمن وراء التمدد الإيراني عبر العالم العربي.

وبالرغم من التصور بأن طهران قوة عدوانية في العالم العربي، لكن الإيرانيين أنفسهم يرون أن دولتهم تحت حصار الدول السنية وحلفائها الغربيين، لا سيما واشنطن.

ولم يكن مفاجئا، من المنظور الإيراني، أن تقدم واشنطن دعما للحملة السعودية.

لجوء طهران إلى استفزاز الولايات المتحدة، عبر التدخل العلني في الصراع اليمني، يبدو خيارًا بعيدًا، خوفا من تعقيد المفاوضات النووية، لكنها تحتفظ بدعمها للحوثيين على نحو منخفض ومحدود.

ومع ذلك، ستواصل الجمهورية الإسلامية رؤية الصراع اليمني، كوسيلة لاستفزاز واستنزاف السعودية.

وبينما تصبح الحرب اليمنية امتدادًا للتنافس السعودي الإيراني، قد تخدم أيضا كبداية لانفراج العلاقات بين البلدين، حيث عبر الرئيس الإيراني حسن روحاني عن اهتمامه بتهدئة التوتر مع الرياض، ومن الممكن أن يدور حكام السعودية البراجماتيين حول تلك الرؤية.

وبالرغم من أن العلاقات بين الدولتين لم تكن جيدة، خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنها اتسمت بالليونة، والود السطحي في بعض الفترات.

عدم الاستقرار في اليمن لا يصب في صالح إيران أو السعودية أو الولايات المتحدة، لا سيما وأن قاعدة شبه الجزيرة العربية تمثل تهديدًا عظيما للدول الثلاث، ولا يمتلك أي جانب في الصراع إمكانية فرض سلطة مركزية في اليمن بذاته.

بدون حل سياسي، ومفاوضات أمريكية إيرانية سعودية، قد تتحول اليمن، الدولة الأفقر في شبه الجزيرة العربية، إلى سوريا أو ليبيا أخريين، ومصدر سرمدي للتطرف والإرهاب، يصيب الشرق الأوسط.

حدوث اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة يجنب التصعيد، بدلا من الدفع في اتجاه مباراة هيمنة صفرية المجموع بين الجمهورية الإسلامية والمملكة الخليجية.

وبالطبع، قد يندرج كل ذلك تحت بند التمني، لأن قادة إيران والسعودية يبدون ملتزمين بدحر بعضهما البعض، كما قد يتم تجاهل الأصوات البرجماتية في كلتا الدولتين تحت وطأة مخاوف طائفية، وعقليات تأمل في “نصر يلوح في الأفق”.

لكن لا يوجد ما ينبئ بفوز متوقع، فكافة أطراف هذا الصراع خاسرة، ولا سيما الشعب اليمني.

المصدر

اقرأ المزيد

اليمن داخل عاصفة الحزم ( ملف )

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (1): اليمن.. صراع التدخلات الخارجية

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (3): ما قبل “عاصفة الحزم” : الصراع الايراني – السعودي في اليمن ( مترجم )

كيف نفهم حرب اليمن؟ (5): كيف تمدد الحوثيون من “صعدة” إلى “عدن”؟ (1/ 3)