الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، يزور إيران. زيارة تاريخية كما وصفها لأنه وإيران بينهما العديد من القواسم المشتركة، فكلاهما يحارب الاستعمار والاحتلال والعنصرية. كُللت الزيارة باتفاقية تعاون لمدة 20 عامًا، ورحلة طيران أسبوعية بين العاصمة طهران وكاراكاس ستبدأ منذ يونيو/ حزيران 2022. ولم يفت طبعًا على الطرفين التقاط العديد من الصور التذكارية يظهر فيها مادورو وإبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني.

وقبل الاتفاق الأخير وقع الطرفان اتفاقًا ينص على أن تقوم إيران بإصلاح معامل تكرير النفط الصغيرة في فنزويلا، بتكلفة تصل إلى 110 ملايين يورو. ومنذ عامين وطهران ترسل ناقلات نفط إلى فنزويلا كمحاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية، ومن أجل الحصول على بعض السيولة النقدية. وحذرت إيران الولايات المتحدة من التدخل، كما قالت فنزويلا، إن قوارب وطائرات تابعة لقواتها المسلحة سوف ترافق الناقلات للدفاع عنها. وقال وزير الدفاع الفنزويلي، إنه ممتن لتضامن إيران.

نحن دولتان متمردتان، دولتان ثوريتان، لن تنحنيا أبدًا على ركبتيهما للإمبريالية الأمريكية، فنزويلا لديها أصدقاء في هذا العالم: وأصدقاء شجعان.
نيكولاس مادورو، الرئيس الفنزويلي

القاسم المشترك الحقيقي بين إيران وفنزويلا أنهما من أكبر الدول الغنية بالنفط في العالم، وأكثر الدول تعرضًا للعقوبات الاقتصادية الأمريكية. وهو ما مدحه رئيسي، وأثنى على مقاومة فنزويلا الشرسة للاستعمار والعقوبات والتهديدات المستمرة من الأعداء.  وأن الشعب الفنزويلي استطاع تحويل العقوبات إلى فرصة للتقدم، كما فعلت إيران على مدار 40 عامًا.

العلاقات بين البلدين قامت ابتداءً باعتبارهما دولتين منتجتين للنفط. سبق ذلك الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ووصول هوغو تشافيز للسلطة عام 1998، والحركة البوليفارية في فنزويلا عام 1998 كذلك. لكن بحدوث الثورة في البلدين تقاربتا أكثر. وأصبح التقارب واضحًا بقوة في الفترة ما بين 2005 و2013 حين كان أحمدي نجاد رئيسًا لإيران.

فنزويلا الشيعية

 وتزايدت الزيارات الرسمية بين تشافيز ونجاد. ووقعا المئات من الاتفاقيات الثنائية في قطاعات الزراعة والبتروكيماويات والبنوك. وحين ضربت العقوبات الأمريكية نظام مادورو هبّت إيران لإنقاذ حليفها بجسر جوي استمر لأسبوعين لإصلاح مصافي النفط، ولدعم الاقتصاد الفنزويلي.

وبعيدًا عن القواسم المشتركة بين فنزويلا تحديدًا وإيران، فإن إيران تحاول مد أذرعها داخل أمريكا اللاتينية منذ سنوات طويلة. تعتمد إيران في ذلك على العزف على وتر التقارب الأيديولوجي الثوري، ومهاجمة الولايات المتحدة كعنوان للرأسمالية والإمبريالية. كما تهدف إيران إلى نشر الإسلام الشيعي قدر استطاعتها في تلك الدول. فأنشأت 17 مركزًا ثقافيًا في مختلف دول أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي وبوليفيا وكوبا وكولومبيا. وأنشأت محطة إذاعة إسلامية في بوليفيا.

ومن تلك المعاهد معهد الفكر الثقافي الشرقي في الأرجنتين، كما يضم رجال دين قادمين من إيران. ويتميز رجل الدين المختار للذهاب إلى أمريكا اللاتينية بالدراسة لمدة 3 سنوات، لمختلف المهارات التي يحتاجونها للتواصل مع سكان أمريكا اللاتينية، وأهمها اللغة الإسبانية. وأعلن التلفزيون الإيراني الحكومي إنشاء قناة «هِيسبان» باللغة الإسبانية، التي تتبادل المراسلين والخبرات مع نظيرتها الفنزويلية تِيليسور.

وبجانب ذلك التبادل الثقافي، فقد منحت فنزويلا جنسيتها للعديد من الإيرانيين على مدى العشرين عامًا الماضية. تلك الخطوة مكنت رجال إيران من التنقل بحرية تامة في مختلف دول أمريكا اللاتينية.

الولايات المتحدة من جهتها لا تقبل ذلك التقارب بسهولة. وتصر الرواية الأمريكية أن التبادل التجاري بين الطرفين يتم عبر مبادلة النفط الإيراني والسلاح بالذهب الفنزويلي. وأن الطائرات الإيرانية التي تصل فنزويلا محملة بالمعدات اللازمة لإصلاح مصافي النفط تعود لإيران محملة بأطنان من الذهب. وبحسب وكالة بلومبيرغ فقد أرسلت فنزويلا قرابة 9 أطنان من الذهب في شهر مايو/ آيار 2020، ما يعادل 500 مليون دولار وفقًا لسعر الذهب آنذاك.

الحرس الثوري للأغذية

المبادلة بالذهب تعتبر أهون الأمور بالنسبة للولايات المتحدة، إذ تخشى أن المبادلة تكون بالثوريوم، الوريث الشرعي لليورانيوم كوقود للقنابل النووية. وتعتبر فنزويلا أكبر خامس دولة في العالم إنتاجًا له، وتعتبر إيران أشد الدول احتياجًا له في ظل العقوبات الغربية المفروضة على تخصيبها لليورانيوم.

أصبحت إيران مهمة جدًا للثورة البوليفارية
هوغو تشافيز- الرئيس الفنزويلي الأسبق

 وتحذر الإدارة الأمريكية جميع الأطراف منذ ما يزيد على عامين بأنها لن تقبل هذه العلاقات الدافئة بين البلدين. وأكدت أن الولايات المتحدة سوف تتخذ إجراءات مشددة حال قيام إيران بإرسال صواريخ إلى فنزويلا. وقال إن الولايات المتحدة لن تسمح ولن تقبل ولن تتهاون، كما قال، مع احتمالية أن تصل صواريخ إيران إلى الأراضي الأمريكية عبر فنزويلا.

الإدارة الأمريكية، بمختلف رجالها، اتفقت على تصريحات إليوت إبرامز، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران وفنزويلا، بأن أي أسلحة إيرانية تصل إلى فنزويلا سوف يتم التعامل معها مباشرة، سواء قبل وصولها أو حتى داخل فنزويلا حال وصلت من دون علم الإدارة الأمريكية.

تزداد المخاوف الأمريكية بسبب وجود الحرس الثوري الإيراني في فنزويلا. فقد ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن تكتلًا تابعًا للحرس الثوري ينشأ مقرًا له في فنزويلا لبيع الأغذية والعديد من المنتجات الأخرى. التكتل تابع لشركة إكتا، التي تعتبر صندوق الضمان الاجتماعي للمحاربين العسكريين في إيران.

ويرأس إكتا عيسى رضائي، مدير تنفيذي مخضرم في الشركات التابعة للحرس الثوري. وقد أدرجتها الولايات المتحدة في قوائم الإرهاب كونها تعمل في تطوير الأسلحة، وتوجيه العملاء الذين يقاتلون وينفذون مهام إيرانية في دول شرق أوسطية مختلفة.

عالم ما بعد روسيا

ربما يكون الضغط الأمريكي على البلدين لفك تشابكهما كبيرًا، لكن الدوافع لبقاء هذا التحالف أكبر. فبهذا التحالف يستطيع الطرفان تأمين مصالحهما ضد الأعداء المشتركين. فكأنما تريد إيران توجيه رسالة للعالم بأنه حتى لو نجحت مفاوضات فيينا في التوصل لشيء بصدد الوضع النووي الإيراني، فإن إيران تؤكد للعالم أن سياساتها الخارجية من شأنها هي فحسب.

وإذا فشلت المفاوضات فإن العلاقات مع فنزويلا تمثل دعمًا قويًا لإيران أمام العقوبات الإضافية المحتمل فرضها. كذلك فنزويلا فهي تريد ضمان موقعها من إيران سواء نجحت المفاوضات أو فشلت. فالاتفاقية طويلة الأجل تضمن لنظام مادورو استقرارًا نسبيًا في وجه العقوبات الغربية، وفي وجه تغير الموقف الإيراني كذلك.

اللافت أيضًا أن ذلك التعاون الوثيق نشط مرة أخرى مع حدوث الحرب الروسية الأوكرانية. إذ ربما يدرك الطرفان أن الحرب قد تؤدي إلى استنزاف الدب الروسي. تلك الحرب التي قد تنتهي بإضعاف موقع روسيا من القوى الدولية. بالتالي سوف تحتاج الدول الأخرى التي تصطف في موقع معاد للولايات المتحدة إلى التحالف معًا لتعوض الضعف الروسي المحتمل.

الحرب الروسية الأوكرانية كذلك كشفت احتياج العالم لبدائل للنفط الروسي، وهو ما يبدو أن إيران تخشاه. فتخشى أن تتقارب واشنطن وكاراكاس، فتتنازل واشنطن عن عقوباتها في مقابل أن تمد فنزويلا العالم بنفطها لتعويض غياب النفط الروسي. وهو ما تقوم به الولايات المتحدة بالفعل، إذا تقوم بفتح قنوات اتصال مع فنزويلا رغم العقوبات الرسمية. لتحاول الإدارة الأمريكية من خلال تلك القنوات استشراف ما يمكن أن تقدمه فنزويلا للعالم.

لذا فإيران تتحرك بخطوات وثّابة لتسابق التقارب الأمريكي المحتمل مع فنزويلا. كما تتحرك فنزويلا بمزيد من الحماس نحو إيران كي تضمن حليفًا لا يتخاذل وقت الأزمات. وعين الطرفين مركزة على الجانب الأمريكي وتنتظر رد فعل منه، لتعرف كيف تلعب خطوتها التالية.