الموارد المائية فى الفكر الصهيونى

للمياه أهميتها الكبرى في الفكر التوسعي الصهيوني و يمكن الاستدلال على ذلك بأقوال و تصريحات كبار رموز الحركة الصهيونية حيث قال هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية أن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة هم مهندسوا المياه فعليهم يعتمد كل شئ و صرح بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل أن اليهود يخوضون مع العرب معركة مياه و على نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل و لم يشد ليفي اشكول رئيس الوزراء الاسرائيلى السابق أثناء حرب 67 و المدير العام لشركة ( ميكورث ) المائية الإسرائيلية عن الركب حيث قال أنه بدون المياه فإن الحلم الصهيوني لا يمكن تحقيقه فمن غير المياه لا تتسع الرقعة الزراعية و بدون توسع الزراعة لا يمكن أن يكون هناك أساس لحياة الشعب اليهودي في أرض إسرائيل بل و ذهب إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إلى أبعد من ذلك حيث أعلن استعداده لتوقيع معاهدة حظر أسلحة الدمار الشامل و قبول التفتيش على المنشآت النووية الإسرائيلية مقابل اشراك إسرائيل في اتفاقيات إعادة توزيع المياه في المنطقة و لعل هذا يفسر الأطماع الصهيونية في الموارد المائية العربية المتمثلة في نهر الأردن في فلسطين و الأردن و نهر النيل في مصر و نهر الليطانى في لبنان.

وتعود جذور الأطماع الصهيونية في مياه النيل إلى عام 1902 عندما تباحث هرتزل مع وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشيمبرلين على توطين اليهود في شبه جزيرة سيناء و اقترح هرتزل توصيل مياه النيل إلى سيناء عبر أنفاق تمر تحت قناة السويس و ذلك من أجل تهيئة سيناء لكي تكون صالحة لسكنى اليهود إلا أن المشروع تم رفضه بسبب تخوف بريطانيا من أن يؤثر مقترح هرتزل الخاص بتوصيل مياه النيل إلى سيناء على كمية المياه المخصصة لزراعة القطن في مصر و الذي كان محصولا هاما للسياسة الاستعمارية البريطانية في مصر.

وتجددت الأطماع الصهيونية في مياه النيل مرة أخرى في عام 1974 عندما نشر اليشع كالى أحد مسئولي شركة ( تاحال ) المائية الإسرائيلية و التي تملك الحكومة الإسرائيلية 52% من أسهمها مقالا زعم فيه أن مشاكل إسرائيل المائية يمكن أن تحل و لفترة طويلة باستخدام واحد في المائة فقط (1%) من مياه النيل أى ما يعادل 800 مليون متر مكعب من أصل 80 مليار متر سنويا هو مجموع إيراد نهر النيل.

وفي عام 1979 أكد اليعازر افتاى رئيس لجنة المياه بالكنيست آنذاك على ضرورة مطالبة إسرائيل لمصر بتوصيل مياه النيل إلى صحراء النقب قائلا: «انه ليس من المعقول أن تصب مياه النيل في البحر المتوسط بينما تعانى اسرائيل من مشكلة نقص المياه».

هذه الأطماع دفعت الكيان الصهيوني إلى إقامة علاقات وثيقة مع الدولة الإثيوبية و الانفصاليين التابعين لما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب السودان و ذلك من أجل خنق مصر مائيا و وضعها في موقف مائي صعب لإذلال مصر و التي تعد من إحدى دول المواجهة مع الكيان الصهيوني حيث كشف الخبير الاستراتيجي الإسرائيلى ارنون شوفير في كتابه ( صراعات المياه في الشرق الأوسط ) أن بلاده تقوم بدور مهم في أزمة مياه النيل مؤداه التأثير على أمن مصر المائي لأهداف سياسية و استراتيجية حيث اعترف شوفير أن إسرائيل يهمها زيادة حصة إثيوبيا من مياه النيل لأن هذا الأمر يعنى من وجهة النظر الإسرائيلية إعادة تقسيم مياه النيل بشكل جديد


التحالف الصهيوني مع النظام الإثيوبى ومتمردي جنوب السودان

وفي كتاب صدر عام 2003 عن مركز ديَّان لأبحاث الشرق الأوسط و إفريقيا التابع لجامعة تل أبيب بعنوان ( إسرائيل و حركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية و مرحلة الانطلاق ) كشف موشيه فرجى العميد المتقاعد وثيق الصلة بالدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية أن إسرائيل قد ساهمت في إنشاء ما يسمى بـ( الحركة الشعبية لتحرير السودان ) في عام 1983 بقيادة جون جارانج الضابط الجنوبي المنشق عن الجيش السوداني حيث زودته بأسلحة متقدمة و دربت عشرة من كوادر الحركة على قيادة مقاتلات جوية خفيفة لمهاجمة القوات التابعة لحكومة الخرطوم ووفرت له صورا عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية كما أرسلت إسرائيل خبرائها لمساعدة الانفصاليين على وضع خطط القتال

و في دراسة قدمتها يهوديت روبين الباحثة بمركز ديان تناولت الدعم الصهيوني لمتمردى جنوب السودان قالت أن إسرائيل لعبت دورا في تعميق الفجوة بين الأطراف المتصارعة من أجل بلوغ هدف تفتيت السودان لتجريد مصر من عمقها الاستراتيجي و شغل السودان بهمومه الداخلية.

وعلى الرغم من تعاقب الأنظمة السياسية على إثيوبيا إلا أن العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية ظلت قوية في عهود كلا من الإمبراطور هيلاسلاسى و الزعيم الشيوعي منجستو ماريام و رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى حيث قامت إسرائيل بتوظيف قدراتها العسكرية لتقوية النظام السياسي الإثيوبى من خلال إرسال خبراء في المجال الأمنى و العسكري لإعداد و تدريب القوات المسلحة الإثيوبية و بفضل الدعم الإسرائيلى المستمر و تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت إثيوبيا من القوى العسكرية الكبرى في القرن الافريقى.

وقد سعت إسرائيل في عهد منجستو ماريام لاتخاذ إثيوبيا قاعدة للتنسيق مع متمردي جنوب السودان الذي يحتوى على حوض بحر الجبل المكون الأول للنيل الأبيض و الذي يعد أحد روافد نهر النيل و بذلك تكتمل حلقات السيطرة على منابع النيل.

وقد هدف التعاون الصهيوني الإثيوبى إلى تنفيذ عدد كبير من المشروعات المائية على النيل الأزرق من بينهم 36 سدا منهم سد تخزينى على نهر فيشا أحد روافد النيل الأزرق حيث سعت إسرائيل إلى التدخل لدى البنك الدولي لتمويل المشروع على أن يتولى الفنيون الإسرائيليون وضع الدراسات الفنية و الإشراف على التنفيذ و لكن بسبب ارتفاع تكلفة المشروع بالنسبة لإثيوبيا الاقتصادية رفض البنك الدولي تمويل المشروع.

وقد شاركت إسرائيل في إقامة 25 سدا من أصل 37 سدا قامت إثيوبيا بتنفيذها فى الفترة من نوفمبر 1989 و حتى منتصف فبراير 1990 بنسبة 67%.

ويكفى للتدليل على قوة الاختراق الصهيوني للنظام السياسي الإثيوبى أن رئيس الوزراء الإثيوبى الحالي ( هايلى مريام ديسالين ) و الذي قطع مشروع سد النهضة شوطا كبيرا في عهده صديق حميم لإسرائيل وفقا لتصريحات افيجدور ليبرمان وزير الخارجية الصهيوني سابقا ووزير الدفاع حاليا حيث قال ليبرمان أنه يعرف ديسالين عن قرب و قد التقاه عده مرات.

والجدير بالذكر أن ديسالين قد عمل قبيل توليه منصب رئاسة الوزراء كمهندس في فرع شركة ( سوليل بونيه ) الإسرائيلية في أديس أبابا وهي شركة متخصصة في بناء السدود و تعبيد الطرق و إقامة القواعد الجوية و الموانئ.

وقد أسندت الحكومة الإثيوبية إلى إحدى الشركات الإسرائيلية مهمة إدارة و توزيع و نقل الكهرباء المتوقع توليدها من سد النهضة الجاري تنفيذه الأمر الذي يؤكد أن سد النهضة حلقة من حلقات المخطط الصهيوني لخنق مصر مائيا.

المراجع
  1. د/ زكى البحيرى: مصر ومشكلة مياه النيل (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2016).
  2. د/ عمر فضل الله: حرب المياه على ضفاف النيل (دار نهضة مصر، القاهرة، 2013).
  3. د/ احمد سعيد نوفل: دور اسرائيل في تفتيت الوطن العربي (مركز الزيتونة للدراسات، بيروت، 2010).
  4. م/ حسام رضا: مخاطر التطبيع مع العدو ملفات في الأرض والمياه (مركز باحث للدراسات ببيروت ومركز النيل للدراسات بالقاهرة، 2014).