في سجن دمنهور العمومي تجلس سحر الهواري رفقة أخيها حازم يستمعان عبر إذاعة الشباب والرياضة لمباراة الأهلي والزمالك على بُعد كيلومترات قليلة من استاد برج العرب.يقضيان عقوبة الحبس المُقدرة لهما بخمس سنوات على خلفية إحدى قضايا المديونيات. أما سيف زاهر وحازم إمام وأحمد شوبير فيجلسون في استوديوهات ON sport يشاهدون المباراة ليحللوا المشهد مثلنا تمامًا، وكأنهم غير مسئولين عن حدوثه.

خالد لطيف ومجدي عبد الغني يشاركان الجنرال مدحت شلبي فرحته ببرنامجه الجديد على قنوات Nile Sport. عصام عبد الفتاح لا يشاهد المباراة إلا لرصد أخطاء الروماني «ستيفان كوفاتش» ليقوم بمداخلاته الهاتفية بعد المباراة، ويثبت أن إسناد المباراة لمحمد الحنفي وتحسين أبو السادات لم يكن ليختلف كثيرًا عن هذا الطاقم الروماني؛ لأن التحكيم المصري بخير.

أما كرم كردي فلا يشغل باله الآن إلا كيفية إحراج أحمد شوبير – رجل أبو ريدة المدلل – في جلسة الجبلاية القادمة. لم يتبقَ الآن من أعضاء مجلس اتحاد الكرة سوى محمد أبو الوفا الذي لم أستطع أن أتوقع مكان مشاهدته للمباراة. الحقيقة أنني لم أكن أعلم أن هناك عضوًا في اتحاد كرة القدم المصري اسمه محمد أبو الوفا إلا بالبحث عن أسمائهم بدقة قبل المباراة!

كانت النتيجة الطبيعية لكل ذلك هو الشكل المزري الذي خرجت به أهم مباراة في الدوري المصري لموسم 2018 / 2019. مباراة لم نعلم موعدها إلا منذ 3 أسابيع، والغريب أن ذلك الموعد لم يتسنَ التأكد منه حتى صباح يوم المباراة حين تهاطلت أمطار ليست بالغزيرة على مدينة الإسكندرية.


مباراة كرة الماء

لُعبت المباراة بشكل أقرب ما يكون لمباراة البلاي ستيشن التي تلعبها مع صديقك المبتدئ في الألعاب الإلكترونية. يُصر أن تقوم بضبط الـ «settings» حتى يناسب رتم المباراة مستواه كمبتدئ. كُتل طينية كبيرة، حُفر عشوائية، وبِرَك من المياه نتيجة هطول الأمطار في المدينة الساحلية.

معدلات تزحلق بالجُملة أثارت سخرية الجماهير على مواقع التواصل الاجتماعي في البداية. محمد هاني وعبد الله جمعة بأجسامهما وأعمارهما الصغيرة وتزحلق متكرر في الماء حتى وإن كانت الكرة لا تستدعي ذلك. يبدو أنهما استمتعا بديزني لاند الجديدة في برج العرب. صار الأمر كوميديًّا حتى عانى لاعب النادي الأهلي عمرو السولية من الأمر نفسه وهو يتقدم بالكرة بمفرده في الدقيقة 23. ارتدت الكرة بمرتدة خطيرة للغاية لخالد بوطيب الذي سقط هو الآخر في حفرة طينية ربما أو بركة ماء صغيرة قبل منطقة جزاء النادي الأهلي.

تحولت سخرية الجماهير تدريجيًّا إلى شعور شديد بالغضب. فمجهود لاعبيهم ومباراتهم التي تلاعبت بأعصابهم من بداية الموسم قد تذهب هباءً بزحلقة من هذا اللاعب أو مفاجأة من تلك الكرة التي قد تمر فوق حفرة فتخدع الحارس.

مشهد حزين لا يعكس شيئًا سوى حالة مصر في السنوات الأخيرة. إهمال، وعشوائية، وإسناد الأمور لقيادات لا تتمتع بحد أدنى من الكفاءة أو المعرفة، فكانت تلك هي النتيجة الطبيعية.


أمير مرتضى وسيد عبد الحفيظ

هل تتذكر مرور سيد عبد الحفيظ بابتسامة على أحمد الشيخ وهو يقوم بتصريحات لإحدى القنوات الفضائية بالرغم من منع عبد الحفيظ لها في تلك الآونة. تبدلت إيماءات وجه الشيخ وأنهى الحوار بشكل فوري مع الاعتذار بشكل يوحي بقوة شخصية عبد الحفيظ مع اللاعبين. حديث وليد أزارو هو الآخر مع منى الشاذلي منذ أشهر قليلة حين صرَّح بحسم عبد الحفيظ مع أي مخالفة مهما كانت صغيرة في تمرينات الجزيرة. مواقف كثيرة توضح لك سبب ثقة جماهير الأهلي في عبد الحفيظ ودعمه بهذا الشكل.

على الجانب الآخر يدعم قطاع كبيرة من الجماهير البيضاء أمير مرتضى منصور. سواء اقتنعوا بصحة المزاعم التي تدعي تأثير أمير على الفريق أم لا. هم لا يملكون خيارًا آخر غير دعمه في حرب التصريحات بين الابن الأصغر للمستشار صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في ميت عقبة ونظيره غير الهادئ في الجزيرة.

حرب التصريحات تلك التي استمرت لشهور طويلة وامتدت بشكل موازٍ بين جماهير الناديين كانت أحد أهم أسباب سخونة الأحداث التي سبقت تلك المباراة. كلا الطرفين أنهكه الصراع وأراد توجيه الضربة القاضية لمنافسه أو استقبالها لأنهما لم يعودا قادرين. لكنهما لم يعلما أن اتحاد الكرة قد قرر سكب الصابون والماء على الحلبة حتى يتزحلق الجميع ولا يستطيع توجيه الضربة للآخر.


مرتضى والخطيب

صراع آخر انتظرت الجماهير المصرية حسمه من هذه المباراة. الصراع بين محمود الخطيب ومرتضى منصور. من سينتصر، العقل والهدوء والالتزام بالإجراءات القانونية بالرغم مما يشوبها من معوقات في مصر، أم الصوت العالي والصراخ مع كل مباراة؟

جماهير الأهلي انتظرت حتى تثبت أنه لا يصح إلا الصحيح من وجهة نظرها. أما جماهير الزمالك فانتظرت أن ينتصر الصوت العالي لتثبت صحة وجهة نظرها أن تفوق النادي الأهلي طوال السنوات الماضية جاء بسبب نفوذه وقوته داخل أروقة الدولة.

وبالرغم من اتفاقك مع أي من تلك الادعات أو لا، لكن لا يمكننا إلا الإقرار بأنها قد وصلت لأقصى درجاتها قبل القمة الأخيرة، فانتظر كل من الجمهورين حتى ينفجر في احتفالاته وصراخه بعد أن يحدث ما توقعه بالفعل. لكن اتحاد كرة القدم المصري لم يعطِ أيًّا منهما تلك الفرصة بكل أسف!


فنيًّا لم ينجح أحد

لم يختلف مستوى كلا المدربين والصراع بينهما عن صراع التصريحات والإدارات. كلاهما لعب برسم 4-2-3-1، والتي يبدو أنها لن تترك كرة القدم المصرية قريبًا. الدفع بجيرالدو مكان ناصر ماهر، ودخول أجايي إلى قلب الملعب خلف مروان محسن الذي تم استبدال وليد أزارو به. على الجانب الآخر استبدل كريستيان جروس أحداد بزيزو في المكان نفسه كجناح أيمن.

لم يلفت أحد اللاعبين الأنظار سوى عبد الله جمعة ومحمد هاني على فترات متقطعة من المباراة، وكذلك كهربا في ربع الساعة الأولى من اللقاء حين قام بـ 4 تغطيات دفاعية ناجحة، وكأنه أراد أن يثبت للجميع أن خلافه مع مرتضى منصور لن يتسبب في ضياع الدوري هذا الموسم.

الشاهد في الأمر أنه لم يكن هناك جديد أو مفاجأة من أي من المديرين الفنيين طوال الـ 90 دقيقة. مباراة رتيبة منهما، فقيرة فنيًّا للغاية، وكأنهما اتفقا مع اتحاد الكرة المصري على خروج المباراة بأسوأ شكل ممكن لها.

مباراة سبقها العديد من الأحداث الساخنة التي لم نمر بمثلها منذ فترة كبيرة، لكن قتلها اتحاد الكرة المصري مع سبق الإصرار والترصد. فهل سيكون مصير كأس الأمم الأفريقية كهذا أم أن الأمر سيختلف لأنه خاضع هذه المرة للاهتمام المباشر من مؤسسة الرئاسة لتحسين صورتها إعلاميًّا على المستوى القاري والعالمي؟

في الأغلب سيكون أعضاء اتحاد الكرة في اجتماعات لن تنقطع، لا لأداء مهامهم لكن لإبراز صورتهم وحضورهم لرئيس الجمهورية لعلهم يواصلون الصعود في سلم العمل العام وما يصحبه من شهرة وأموال بشكل غير مستحق؟