كيف سيتذكرني الجماهير بعد انتهاء مسيرتي؟

سؤال يتردد في أذهان أغلب اللاعبين، حيث يسعون خلال مسيرتهم إلى تكوين تلك الصورة التي سيُخلِّدون بها أنفسهم في ذاكرة الجماهير، بعضهم يقوم بصنع تلك الصورة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، عن عمد، والبعض الآخر تقودهم الظروف إلى تكوين تلك الصورة عن أنفسهم.

في الوقت الذي يسعى فيه بعض اللاعبين لترك ولو ذكرى واحدة، فإن اللاعب السابق لبرشلونة، والمنتخب الإسباني، جيرارد بيكيه، لديه من المواقف المثيرة للجدل ما يكفي لمسيرة فريق كامل وليس لاعباً واحداً فقط. لكن، من ضمن تلك المواقف التي لا تعد ولا تحصى، هل سيتذكره التاريخ بأنه اللاعب الذي قتل كرة القدم؟

لا مكان للعواطف

في عام 2017، دخل بيكيه مجال الإعلام وأسس شركته «كوزموس». لم يكن المدافع الإسباني بحاجة إلى كثير من الوقت لإظهار وجهه كرائد أعمال، الشخص المستعد للمخاطرة لاغتنام أي فرصة ممكنة، حتى لو كانت تكلفة هذه الفرصة هي عداء جماهير فريقه.

في بداية صيف 2018، كان مشجعو برشلونة في حالة يقين من أن جريزمان سينضم إلى الفريق الكتالوني. ما جعلهم أكثر يقيناً هو أن جريزمان صرح بأنه سيعلن عن قراره المنتظر إمّا بالبقاء أو الرحيل عن أتلتيكو مدريد في فيديو قصير أنتجته شركة «كوزموس» تحت إشراف بيكيه.

اعتقد مشجعو برشلونة أن بيكيه لم يكن ليشارك في إنتاج هذا الفيديو إذا كان اختيار النجم الفرنسي هو رفض عرض برشلونة والبقاء مع الروخي بلانكوس. لكنهم صُدموا عندما صدر الفيديو وأعلن جريزمان بقاءه في مدريد.

واجه بيكيه موجة انتقادات كبيرة من الجماهير، لكن موقفه كان صريحاً؛ بأنه لن يتردد في المخاطرة بأي شيء، حتى لو كانت علاقته -كأحد قادة ونجوم برشلونة- مع الجماهير، إذا ظهرت له فرصة استثمارية مثيرة للاهتمام.

هل كرة القدم مريضة حقاً؟

كرة القدم تحتاج إلى التغير والتكيف. 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً عزفوا عن المشاهدة. هنالك ألعاب الآن أقل في الجودة ولكنها تمتلك منصات ترفيهية تجذب الجماهير.
فلورنتينو بيريز – رئيس نادي ريال مدريد

هكذا خرج علينا فلورنتينو بيريز بهذا التصريح في حواره العام الماضي مع «إل شيرينجيتو». وبغض النظر عن نواياه، وسعيه الدائم لإيجاد شرعية لمشروع «السوبرليج»، الذي ما زال يسعى بيريز وشركاؤه إلى تنفيذه، لكننا نحتاج إلى أن ننحي النوايا جانباً، ونظر إلى حقيقة هذا التصريح.

من الواضح جلياً الآن أن جيل الشاب الحالي، أو كما قد نُطلق عليه «الجيل Z»، منخرط تماماً مع المحتوى الذي يقدم قدراً هائلاً من التشويق والتفاعل، وفي نفس الوقت قصيراً في المدة. لذلك عليك أن تقدم خدمة ترفيهية تلبي احتياجاتهم وقدراتهم الاستيعابية وإلا ستفقده في حال فشلت في الحفاظ على جذب انتباهه، الذي يُقدَّر بعدد ثوانٍ قليلة، وهذا ما ذكرته «جلوريا مارك»، أستاذة قسم المعلوماتية في جامعة كاليفورنيا، في حوارها مع CNN في مطلع 2023، حول الأبحاث التي أجرتها عن مدى الانتباه.

في عام 2004، قمنا بقياس مدى الانتباه على الشاشة، وكان المتوسط دقيقتين ونصف. بعد بضع سنوات، وجدنا أن المتوسط انخفض إلى نحو 75 ثانية. أمّا الآن فلا يمكن للأشخاص الانتباه إلى الشاشة إلا لمدة 47 ثانية في المتوسط.

بهذا المعدل، فإن المباراة التي تبقى لمدة 90 دقيقة، وقد تنتهي دون أن يسجل أي فريق أو يحاول تهديد مرمى المنافس، فإن هذه الرياضة ستعاني من أجل جذب جيل جديد من الجماهير إذا استمرت بهذا الشكل. وهذا ما أضافه بيريز في مقابلته:

المباريات طويلة للغاية. علينا تغيير شيء لكي تبقى كرة القدم على قيد الحياة. إنهم أجيال مختلفة، والعالم يتغير. ربما علينا تقصير مدة المباريات.

دوري الملوك

كما ذكرنا، قدم بيكيه نفسه منذ البداية كرائد أعمال لن يتردد لحظة للظفر بأي فرصة ممكنة. ما بدا كمخاوف لبيريز تهدد كرة القدم، كان بمثابة فرصة ذهبية للنجم الإسباني المعتزل لتقديم بديل محتمل للعبة الأشهر في العالم. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن بيكيه عن إنشاء بطولة لكرة القدم السباعية تحت مسمى «دوري الملوك».

دوري الملوك يتكون من 12 فريقاً، ويترأس كل فريق إمّا شخصية إسبانية/ لاتينية مشهورة على الإنترنت، أو لاعب كرة قدم سابق. وفي خطوة أظهرت أن الأولوية الرئيسية لبيكيه هي إعطاء الجمهور المستهدف التجربة الترفيهية الأكثر ملاءمة لهم، قرّر السماح للجماهير على منصات التواصل الاجتماعي بالتصويت لتحديد قوانين وقواعد اللعبة.

المباراة تنقسم إلى شوطين، كل شوط يتكون من 20 دقيقة، يمتلك كل فريق «سلاحاً سرياً» يمكن استخدامه في كل مباراة لمرة واحدة فقط، هذا السلاح السحري عبارة عن إمّا الحصول على ركلة جزاء، أو طرد لاعب من الخصم لمدة دقيقتين، وخيارات أخرى متعددة يتم استخدامها لإضافة مزيد من الإثارة خلال المباراة.

مع انطلاق دوري الملوك، بدأ بيكيه الترويج له من خلال الظهور في أستوديو تحليلي -أشبه بأستوديوهات كابتن مدحت شلبي في فترة مودرن سبورت- بصحبة صنّاع المحتوى المشاركين معه في الدوري، وفي مقدمتهم الإسباني الشهير «جيرارد روميرو» المختص بتغطية أخبار برشلونة.

نجح دوري الملوك في خلال 7 شهور فقط بأن يصل إلى ملايين المتابعين. الحساب الرسمي للدوري على Instagram لديه ما يقارب الـ2.2 مليون متابع، و2.9 مليون متابع على منصة Twitch التي يبث عليها المباريات، و700 ألف متابع على YouTube، أمّا المنصة المفضلة لجيل Z، التي يستهدفها دوري الملوك وهي TikTok فقد تخطت 6 ملايين متابع. كل هذا ولم يتخط دوري الملوك حدود دولة إسبانيا.

بيكيه يسعى للتوسع والوصول إلى عدة بلدان، واتفق بالفعل مع رونالدينيو على أن يكون قائداً لإحدى فرق النسخة البرازيلية من الدوري. في المستقبل يسعى بيكيه بأن يكون هنالك نسخة من الدوري في أكبر عدد من البلدان، ومن ثَمَّ إنشاء بطولة «كأس عالم الملوك» في موعد أقصاه خريف 2024.

نادي «هاشتاج يونايتد»

تجربة أخرى مرتبطة بكرة القدم وُلدت من رحم الإنترنت، فريق «هاشتاج يونايتد»، الذي أسسه صانع المحتوى الإنجليزي «سبنسر أوين».

بدأ سبنسر مسيرته على YouTube كصانع محتوى، يلعب لعبة FIFA، وينشر ملخص المباريات على قناته. نجح سبنسر في خلق محتوى شيّق جذب انتباه الأطفال والمراهقين، مما جعل شركة EA Sports تتعاون مع سبنسر وغيره من صناع المحتوى لنشر اللعبة على نطاق أوسع.

رغم نجاح التعاون، لكن بمجرد وصول عدد متابعي سبنسر إلى مئات الآلاف، قرّر التخلي تدريجياً عن تقديم محتوى ألعاب الفيديو، واتباع شغفه، وهو إنشاء أول نادٍ لكرة القدم قادم من عالم YouTube.

بدأ سبنسر بعرض لقطات لمباريات فريقه في الذي يتألف من والده وأخيه وأصدقائه ضمن دوري الهواة Sunday League. ثم في عام 2015، تمكن من توقيع اتفاقية مع شركة الاتصالات البريطانية EE لإنشاء «كأس ويمبلي»، وهي بطولة كرة قدم خيرية بين فرق مكونة من أبرز صناع المحتوى الإنجليز، وتُقام على ملعب ويمبلي. نشر سبنسر أوين ملخصاً لأبرز أحداث المباراة (38 دقيقة) على قناته على YouTube في أغسطس/آب 2015، وبلغ عدد المشاهدات حتى يومنا هذا 20 مليون مشاهدة.

شكّل سبنسر فريقاً وأطلق عليه اسم «هاشتاج يونايتد» وخاض مباريات ضد صانعي محتوى آخرين وفرق الهواة. وقبل بداية موسم 2018/2019، انضم «هاشتاج يونايتد» إلى أسفل هرم نظام الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وشارك ضمن دوريات الدرجة العاشرة.

نجح «هاشتاج يونايتد» في التأهل من الدرجة العاشرة إلى الدرجة السابعة خلال 5 مواسم، لم يكتف سبنسر بأن يُنشئ فريقاً للرجال فقط، فأسس فريقاً للسيدات، وفريقاً للألعاب الإلكترونية، إضافة إلى فرق الرديف والناشئين. «هاشتاج يونايتد» الآن ترعاه شركة أديداس، ومن ضمن المستثمرين في الفريق اللاعب الإسباني «سيزار أزبليكويتا».

بدأ «هاشتاج يونايتد» كتجربة ثورية على الإنترنت، لكن الهدف الرئيسي لمؤسسه أن تكون تلك التجربة بمثابة مفتاح، يفتح له طريق الانضمام إلى نظام كرة القدم الكلاسيكي. على النقيض، يُقدم دوري الملوك نفسه كمشروع بديل ينافس كرة القدم بشكلها الحالي، فهل ينتصر بيكيه في معركته ويقتل كرة القدم كما نعرفها، أم تصمد كرة القدم أمام ذلك الطوفان المحتمل؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.