محتوى مترجم
المصدر
Jewish Press
التاريخ
2016/03/17
الكاتب
يديديا ستيرن

قبل عقدين، اقترح رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، آهارون باراك، تعيين الحاخام شلومو ديخوفسكي بالمحكمة العليا، وهو حاخام حريدي (أصولي) بمحكمة العدل الحاخامية الحريدية. سعى باراك عبر تلك الخطوة الكبيرة والرمزية إلى إيجاد علاقة بين اليهود الحريديين في إسرائيل والنظام القضائي للبلاد. ولكنه خرج خالي الوفاض، لأن الحاخام يوسف شالوم الياشيف، الحاخام الحريدي الرائد بجيله، اعترض على هذه الخطوة.ومع ذلك، تسلل التغيير مبكرًا عبر الباب الخلفي عندما تم تعيين أول قاضٍ حريدي بإسرائيل. لم يكن ذلك التعيين رمزيًا، ومن أعلى مثلما تصوره باراك، بل كان تعيينًا تقليديًا ليهودي حريدي موهوب، لشغل منصب قاضٍ بالمحكمة الابتدائية. لكن ذلك التعيين، التقليدي ظاهريًا، مثّل إنجازًا آخر على مسار الثورة الدراماتيكية الجارية في المجتمع الحريدي بإسرائيل.تنطلق تلك الثورة بالفعل بكل قوتها، حيث صدرت مؤخرًا إحصاءات تشير إلى أن معدل العاملين من الرجال الحريديين قد تجاوز حاجز الـ 50% للمرة الأولى، وأن ذات المعدل بالنسبة للحريديات يقترب من المتوسط الإسرائيلي على المستوى الوطني.

يعتبر الحريديم في إسرائيل أن التعليم العالي «هولوكوست روحي».

ووفق جلعاد ملاخ، من معهد الديمقراطية الإسرائيلية، لم يعد المجتمع الحريدي «مجتمعًا من الدارسين»، مثلما يطلق عليه عادة؛ بل أصبح «مجتمعًا من الدارسين والعاملين». رغم أن القادة الحريديين يعتبرون التعليم العالي «هولوكوستًا روحيًا»، نما عدد الطلاب الحريديين في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بشكل كبير، وبلغ عددهم حاليًا 13 ألف تقريبًا.كما يؤدي الحريديون خدمتهم العسكرية في الجيش الإسرائيلي ويؤدون الخدمة المدنية بأعداد متزايدة، حتى وإن كانت المعدلات تبدو دون المستوى المطلوب. أما التوجه الأكثر تخريبًا فهو امتلاك العديد من اليهود الحريديين لهواتف ذكية، وتزداد مستويات استخدامهم للإنترنت. يؤدي ذلك إلى هدم أسوار الانعزالية الحريدية.ولكن ماذا عن مواقفهم تجاه دولة إسرائيل؟، يتعاون حريديو إسرائيل اليوم مع السلطات الحكومية، بل ويعملون أحيانًا كقادة وطنيين، في الكنيست وفي الحكومة.تمثّل المعقل الأخير للمعارضة الحريدية لمؤسسات الدولة في نفورهم الشديد من النظام القضائي الإسرائيلي. ففي عام 1999، تظاهر نصف مليون حريدي ضد المحكمة العليا. وبعد عقد، نشب صراع ساخن بسبب حكم المحكمة ضد الفصل العرقي في المدارس الحريدية بإيمانويل. وفي الواقع، تُظهر الاستطلاعات الأخيرة أن أكثر من 83% من اليهود الحريديين لا يثقون بالمحكمة العليا الإسرائيلية، بالمقارنة بـ 30% من عموم الجمهور في إسرائيل.

حرّم الحريديم الوقوف أمام محاكم الدولة الإسرائيلية، فمن يلجأ إليها «ليس لديه حظ في الآخرة».

يرتبط الموقف الرافض للقانون الإسرائيلي بالتأكيد بالانقسام الأخلاقي العميق بين الرؤى العالمية الليبرالية والعلمانية من جانب، ونظيراتها المحافظة والحريدية من الجانب الآخر. علاوة على ذلك، حكمت جميع السلطات الدينية من جيلنا بأن المتقاضين لا يجب أن يقفوا أمام محاكم الدولة الإسرائيلية، التي يصفونها بـ «محاكم الأغيار»، محذرين من أن أي من يلجأ لخدمات تلك المحاكم «ليس لديه حظ في الآخرة». كما أكد الحاخام الراحل عوفاديا يوسف على أن «أيًا من يلجأ إلى المحاكم العلمانية، يرفع يده اعتراضًا على شريعة موسى معلمنا».لكن رغم تلك الأحكام الحاخامية والعقلية الحريدية، يلجأ حريديو إسرائيل إلى المحاكم الإسرائيلية بطبيعة الحال. فعندما ينشب صراع حول هوية من يجب أن يترأس مدرسة يهودية يلجأون إلى المحاكم. كما تأهل أكثر من 1000 حريدي ليكونوا محامين في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة. ويتماشى تعيين أول قاضٍ حريدي مع هذا التوجه ويعزز مضيه قدمًا.يرى المتقاضون القاضي كرمزٍ لسلطة الدولة. وبالتالي، عندما يعمل يهودي حريدي قاضيًا، يكسر ذلك الصور النمطية في الاتجاهين ويبني جسرًا رمزيًا من الشراكة والتعاون.علاوة على ذلك، يستحضر كل قاضٍ منظور هويته الشخصية عند تفسيره للقانون، ضمن الحدود المهنية المنصوص عليها. ويواجه القضاة الليبراليون، القضاة العرب، والقضاة الوطنيون الدينيون في إسرائيل هذا التحدي يوميًا. وبالتالي سيتمكن القضاة الحريديون من إثراء الطبيعة المعقدة للقانون الإسرائيلي، وإضافة بُعد آخر من التعددية له؛ ما سيصب في مصلحة المجتمع الحريدي والمجتمع الإسرائيلي ككل.