لم نخدعك بالعنوان، نعلم أنك لم تتهمنا ذلك، لكننا قررنا أن نستبق، عنوان ملفت كهذا عادةً ما يكون بداية لمقال خادع، لكن كما وعدناك، لا خداع هنا، والسؤال الذي قرأته في العنوان سؤال حقيقي فعلًا.

ومع كل حالة يسأل الجميع كيف يمكن أن نمنع المنشطات تمامًا، لكن لنعد خطوة للوراء ونطرح أسئلة مختلفة: لماذا من الأصل يرغب الجميع في منع المنشطات؟ وهل حان الوقت لإقرارها بدلًا من محاولة منعها؟

تمتلك المنشطات سمعة سيئة في الرياضة، وتنشط جميع الاتحادات في محاربتها بكل الطرق، ومهما تطورت الاختبارات وزادت القواعد، فما زال الرياضيون يجدون طريقة للغش، وفي كل عام نشهد عشرات الحالات التي يثبت عليها تعاطي المنشطات.

حق عائد

لا نعلم هل وصلك هذا الخبر أم لا، لكن قبل أسابيع، عَدَّلت اللجنة الأولمبية ميدالية الرباع المصري «محمد إيهاب» التي حصل عليها في أولمبياد ريو 2016 من البرونزية إلى الفضية، وذلك بعد ثبوت تعاطي المنشطات على صاحب الميدالية الفضية.

حدث الأمر ذاته مع «عبير عبد الرحمن» لكن بشكل أغرب، حيث حلت في المركز الخامس في أولمبياد لندن 2012، ثم بعد 4 سنوات يثبت تعاطي أصحاب المراكز الثلاثة الأولى للمنشطات، فتحصل عبير على الميدالية الفضية.

ولا يقتصر الأمر على حالات معدودة، بل يتكرر في كل دورة أولمبية، ومتى ثبت تعاطي الرياضي للمنشطات فإن اللجنة الأولمبية تسحب منه ميداليته وتمنحها لتاليه في التدريب.

من الجميل بالفعل أن يعود الحق لأصحابه، العالم مليء بالغشاشين والمخادعين، ولحظة اكتشافهم تسعد الجميع دائمًا، ولابد أن أسعد شخص حينها يكون صاحب الحق العائد بعد سنوات، أليس كذلك؟

غشاش سعيد 

لنجيب على السؤال، سنعود إلى واحدة من أشهر فضائح المنشطات في الرياضة، «لانس ارمسترونج»، صاحب الرقم القياسي في سباقات الدراجات، وواحد من أهم الرياضيين في التاريخ.

لكن وفي عام 2012، صدم الاتحاد الدولي العالم حين أعلن أن أرمسترونج كان يلعب وهو يتناول المنشطات، أثبتت التحاليل ذلك واعترف أرمسترونج بالأمر، وعليه قرر الاتحاد الدولي سحب ألقابه ال 7، وتوالت الدعوات القضائية عليه من المؤسسات والشركات الراعية التي أضر بسمعتها.

طالت صراعات أرمسترونج في المحاكم، إحدى القضايا كانت تطالبه بدفع 100 مليون دولار كتعويض، لتجتمع عليه المصائب المادية والمعنوية.

وقبل أن تتأثر بحالة أرمسترونج، فهو لم ينزعج من كل هذه القضايا، ودفع التعويضات ولم يبالِ بها، خصوصًا أن أغلب القضايا وصلت إلى رقم مقبول، انتهت القضية التي طُلب فيها 100 مليون ب 5 مليون دولار فقط.

هل تعلم مقدار ما حققه أرمسترونج أثناء لعبه؟ في 2013 قدرت «بلومبرج» الثروة التي جمعها بسبب المنشطات فقط بنحو 218 مليون دولار.

هذا ما جعل أرمسترونج يعلن في مقابلة أجراها مع BBC بأنه لم يندم على تعاطي المنشطات ولو عاد به الزمن لفعلها ثانية، مجموع الغرامات والخسائر لم يساوِ أي شيء مقابل سنوات من جمع الأموال والشهرة والتقدير.

لا يشعر أرمسترونج بأي ذنب كذلك، بل يتحدث عن الأمر وكأنه تصرف طبيعي، وهو في ذلك لا يختلف عن مئات الغشاشين، والذين يشترك أغلبهم في انعدام شعورهم بالذنب.

في دراسة أجراها باحثون من جامعات هارفارد وبنسلفانيا، وجد الباحثون أن الافتراض بأن الغشاشين يشعرون بالذنب بعد تصرفهم ليس له أي أساس من الصحة، وعبر 6 تجارب، اكتشف الباحثون أن من يقوم بهذه التصرفات لا يشعر بأي ذنب، بل يكون سعيدًا في أغلب الأحيان، إلا في حالات نادرة تسبب فيها تصرفهم في إيذاء شخص معين.

لنعد إلى عبير عبد الرحمن التي عادت ميداليتها بعد 4 سنوات، استفاد الغشاشون خلالها بعقود رعاية وجوائز وتكريمات وتقدير معنوي، في حين اضطرت عبير لاعتزال اللعبة ولم تحصل على أي اهتمام أو تكريم، وبالطبع لم تتمكن من استدراك ذلك حين عادت الميدالية.

هذا ما فعلته قواعد المنشطات، منحت الامتياز للغشاش ولم يخسر شيئًا، ولم تخسر اللجنة المنظمة كذلك، والخاسر الوحيد كان الرياضي النزيه الذي لم يتعاطَ المنشطات.

قواعد ظالمة

تعرف الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات WADA المنشطات بأنها أي مادة يستخدمها الرياضي بغرض زيادة الكفاءة البدنية، ومشكلة التعريف أنه عام أكثر من اللازم ولا يقدم أي تفاصيل.

حيث ظلت التفاصيل خلافًا دائمًا يتسبب في الكثير من المشاكل كل عام، وعبر التاريخ تغيرت المواد المدرجة على قائمة المنشطات في الكثير من المرات.

منعت مركبات كالكافيين ثم سمح بها، وسمح بمركبات أخرى ثم منعت، وهكذا، وما زالت القائمة تتغير في كل عام.

حتى اختبارات المنشطات الحالية لا تؤدي دورها بصورة دقيقة، في لعبة ككرة القدم، يبلغ متوسط عدد اختبارات المنشطات السنوي نحو 40000 اختبار في حين يبلغ عدد لاعبي كرة القدم المحترفين 140 ألف تقريبًا، ما يعني أن اللاعب يخضع لاختبار كل 3 سنوات ونصف تقريبًا.

وبالطبع، يمتلئ تاريخ كرة القدم بالكثير من الفضائح التي أثبتت، لكن طبقًا لقناة «Tifo football» فإن العدد الذي لم يكتشف كان أضعاف ذلك، وعشرات الفرق الكبرى تورطت في فضائح لكنها مرت.

لعبنا ضد العديد من الفرق التي تتعاطى المنشطات، أنا غير راضٍ عن مستوى الاختبارات.
آرسين فينجر بعد أحد مباريات أرسنال في دوري أبطال أوروبا

يتفق توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية مع فينجر كذلك، ويؤكد أن مستوى مكافحة المنشطات داخل الرياضة يحتاج إلى الكثير من التطوير.

وبالتالي فإن مئات اللاعبين يتعاطون المنشطات حاليًا دون أن يكتشفهم أحد، خصوصًا في الدوريات الأقل، ومن الخاسر هنا أيضًا؟ الرياضي النزيه الذي يضطر لمواجهة لاعبين تحت تأثير المنشطات.

منشطات خارج القائمة

كذلك لا تقوم القواعد على مبادئ واضحة، حيث إن تحسين الأداء من الممكن أن يتم عبر طرق مختلفة ورغم ذلك لا يعاقب عليها القانون، معدات التدريب والاستشفاء وغرف نقص التأكسج وأجهزة التبريد الفائقة كلها تحسن الأداء دون أن تمنع.

ومؤخرًا، أثارت المنشطات التكنولوجية جدلًا هائلًا للسبب نفسه، حذاء فائق أو بدلة سباحة فائقة كانت كافية ليحطم اللاعبون أرقامًا قياسية صمدت لعقود.

ولم تتوفر هذه الأشياء لجميع المشاركين، وبالتالي امتلك البعض أفضلية كانت كافية لأغلبهم في حسم الميداليات، يمكنك أن تبحث عن حذاء Alphafly من نايكي، أو بدلة speedo racer الأمريكية لتدرك الأمر.

واختلف تعامل الاتحادات مع الأمر، فبينما رفضت اللجنة الأولمبية الأرقام المسجلة بحذاء نايكي ووضعت شروطًا لنوع الحذاء وطريقة تصنيعه، اكتفى اتحاد السباحة بمنع ارتداء البدلة الكاملة والسماح بنصفها السفلي فقط.

ويمتد هذا الجدل في كل الألعاب، والناتج النهائي هو تحسين الأداء عبر عناصر خارجية، فما الفارق إذن بين المنشطات الكيميائية وغيرها؟

هل يجب إقرار المنشطات؟

يستدل الفيلسوف الأسترالي «جوليان سافوليسك» بالأسباب السابقة ليؤكد أن هذا السؤال أصبح ضروريًا، إذا لم تكن قادرًا على التحكم في الأمر ومنعه، فلمَ لا تسمح للجميع بتناول المنشطات وبالتالي لا يمتلك الغشاش أفضلية على غيره؟

لم تقدر القواعد على منع المنشطات، ومع التقدم العلمي فمن الوارد أن يكون هناك عشرات العقارات المنشطة التي يحصل عليها اللاعبون الآن دون أن تدرج على لائحة المنع، وكذلك انخفاض كفاءة الاختبارات وقلة عددها، والذي يسمح للكثير من الحالات بالهروب أو تفادي العقوبة.

لذلك سيحل إقرار المنشطات المشكلة، ولن يمتلك الغشاش أي أفضلية ولن يكون هناك مجال للغش من الأصل، وعندها لن نرى حالات كمحمد إيهاب وعبير عبد الرحمن مجددًا.

ومن الممكن أن تحدد الاتحادات مناسيب معينة للهرمونات والعلامات الحيوية في الجسم بحيث نضمن قدرًا من التوافق، لكن دون أن يهتم أحد بما تناوله اللاعب للوصول إلى تلك المستويات، خصوصًا أن كميات منضبطة من المنشطات لن يكون لها تأثير سلبي كبير على الرياضيين.

يمتلك رأي الفيلسوف الأسترالي وجاهته، وربما يكون حلًا للكثير من المشاكل، حيث تصبح المشاكل البدنية جزءًا من الماضي، ويصير الفارق الوحيد المهم هو المهارة، ستظهر موهبة مئات اللاعبين بشكل أفضل حين تتحسن حالتهم البدنية بالمنشطات، كما يمكن أن يستمر اللاعبون في الملاعب لمدد أطول، سيكون تنفيذ ذلك بداية لفصل جديد مثير في تاريخ الرياضة.

نهاية الرياضة

سيعني ذلك نهاية الرياضة للأبد، كان هذا تعليق الفيلسوف الأسترالي الآخر «روبرت سبارو» ردًا على الأمر، يرى «سبارو» أن إقرار المنشطات سيحول الرياضة لصراع بين الكيميائيين، وسينحصر التنافس بين اللاعبين على من يتحمل جرعة أكبر ومن يحصل على منشط أعلى خطرًا وأعظم أثرًا.

ولا يمكن الرهان على إحجام الرياضيين عن ذلك لأجل صحتهم، عشرات الدراسات خرجت لتؤكد أن الكثير من اللاعبين على استعداد لتناول المنشطات لولا منعها، بل يقبل بعضهم بمنشطات تسبب الوفاة بعد سنوات قليلة لو ضمن له ذلك ميدالية أولمبية كما كان في «معضلة جولدمان» الشهيرة.

كما يرى أن ذلك سيفتح الباب للكثير من الدول لإجبار لاعبيها على تناول المزيد من المنشطات لأجل حسم ميداليات أكثر، وهو ما يحدث الآن لكن على استحياء بسبب القواعد الموجودة.

ورغم إقراره بعدم قدرة القواعد على منع الأمر، فإن الحل ليس إلغاء القواعد بل تحسينها، لأن سنوات معدودة من النظام الجديد كفيلة بإنهاء الرياضة تمامًا.

نتفق بالطبع مع السيد «سبارو» في خطورة إقرار المنشطات، لكننا أيضًا نتفق مع السيد «سافوليسك» في عدم جدوى القواعد الحالية، لكن السؤال ما زال قائمًا: هل حان الوقت لإقرار المنشطات؟ لا ندري، لكن المهم أننا صدقنا في وعدنا ولم نخدعك بالعنوان، لا تنكر ذلك.