يرى الكثيرون في العالم العربي أن قراءة الأدب العبري أو الإسرائيلي تعد خيانة وتطبيعًا، ودربًا من الحماقات التي لا داعي لها، وأن مَن يقرؤه فهو خائن ومجرم ومُدان! بل يتعدى هؤلاء في الرأي أشخاص آخرون يرون أنه لا وجود لـ «إسرائيل»، وبالتالي لا وجود لهذا الأدب. إذن، فهل قراءة الأدب العبري تعد خيانة وتطبيعًا، أم هي ثقافة وواجب محتم على كل عربي؟

ما هو الأدب العبري؟

يلزمنا في البداية تعريف الأدب العبري، ويصادفنا أيضًا مصطلح آخر هو مصطلح «الأدب الإسرائيلي»، فهل هناك فرق بينه وبين الأدب العبري؟

الإجابة: نعم، فالأدب العبري هو الأدب الذي أنتجته الجماعات اليهودية في أوروبا في الفترة من 1750 وحتى 1948، ويتناول موضوعات متعلقة بالحياة الدنيوية العلمانية لهذه الجماعات.[1] وترجع تسمية «عبري» أو «اللغة العبرية» إلى عدة تفسيرات: من بينها أنها ترجع إلى «عابر بن شالح بن سام» أحد أجداد الساميين. وهناك رأي يرى أنها ترجع إلى وصف سيدنا إبراهيم بـ «إبراهيم العبري» لأنه «عَبَر» نهر الفرات، أو ارتحل وتنقّل. ورأي آخر يرى أن أصل الكلمة «خابيرو» وهي قبائل ظهرت في فترة معاصرة لظهور العبريين، وورد ذكرهم في رسائل أمراء فلسطين الكنعانيين إلى عزيز مصر.

أما الأدب الإسرائيلي يُقصد به الأدب الذي أُنتج في فلسطين بعد تأسيس «إسرائيل» عام 1948، وهو في مجموعه يعالج مشاكل المجتمع الإسرائيلي بواقعه ومكنوناته. ومعظم هذا الأدب مكتوب باللغة العبرية فيما عدا استثناءات قليلة كُتبت بلغات أخرى. وتُنسب تسمية «إسرائيل» إلى سيدنا يعقوب، حيث ترد قصة في التوراة مفادها أن يعقوب خاض عراكًا ضد رجل، ولما رأى الرجل أنه لا يقدر عليه، طلب منه أن يُطلقه، فقال له لا أطلقك حتى تباركني، فباركه وقال له: لن يدعى اسمك يعقوب من بعد، بل إسرائيل، لأنك صارعت الله والناس وغلبت (سفر التكوين 20: 23). ولفظة إسرائيل مكونة من كلمتين ساميتين قديمتين هما: «إسر» بمعنى غلب، و«إيل» أي الرب أو الإله.[2]

بداية الأدب العبري

نشأ الأدب العبري الحديث من خلال «أزمة دينية» اجتاحت الحياة اليهودية، بدءًا من عام 1750، حيث لم يعد الأدب العبري يتحدث عن «قيم مطلقة» في الفكر اليهودي، بل تناول القيم اليهودية الموروثة على أنها قيم غير مطلقة ويجب إعادة النظر فيها. وبدءًا من عام 1880، نشأ ما يُسمى بـ «القوميات الأوروبية» المنفصلة، فنشأ ما يمكن أن نُطلق عليه المد القومي اليهودي، متمثلًا في «الحركة الصهيونية». وبالتالي يمكن القول إن ظهور الفكر القومي اليهودي والحركة الصهيونية الممثلة له إنما جاء كرد فعل وليس فعلًا مستقلًا.

في عام 1924 انتقل مركز الأدب العبري إلى فلسطين، مع هجرة الأديب «حاييم نحمان بياليك» (1873–1934)، وهو من أبرز شعراء العبرية في العصر الحديث، ويعتبره اليهود شاعر القومية اليهودية. وحينما انتقل الأدب العبري إلى فلسطين، لم ينتقل على أنه استمرار للأدب العبري في أوروبا، بل انتقل على أنه تحوّل في الصورة والمضمون، بعد أن تم الإجهاز تمامًا على الموروث الديني، وتماشيًا مع الخط الصهيوني-السياسي، حيث لم تعد هناك حاجة لطرح الموضوعات التقليدية التي تناولها هذا الأدب حتى ذلك الوقت، بل حتّمت عليه الحاجة أن يبحث عن موضوعات جديدة وصور تتلاءم مع الوضع الجديد الذي تسعى الصهيونية إلى تحقيقه، وتُسمى هذه المرحلة في الأدب العبري بـ «المرحلة الفلسطينية».

لماذا نقرأ الأدب العبري؟

يعتقد البعض أن قراءة الأدب العبري ستؤثر على عقله وتجعله يتعاطف مع المجتمع الإسرائيلي، بل العكس هو الصحيح، فالأدب العبري ليس جميعه موجهًا أو مُسيسًا، وإنما هناك أدباء يعترضون على سياسات حكومتهم ويكشفون فسادها وفشل إدارتها. على سبيل المثال، نجد مسرحية للكاتب الإسرائيلي «حانوخ ليفين» (1943-1999) بعنوان «ملكة الحَمَّام»، وهي مسرحية ساخرة تنتقد المجتمع الإسرائيلي وحرب 1967، إذ يهاجم فيها ليفين القادة الإسرائيليين وسياساتهم التي لا تهدف إلا لتحقيق مصالحهم الشخصية. وتتحدث المسرحية عن أشخاص يعيشون في شقة «الشرق الأوسط»، والحمّام الخاص بالشقة «فلسطين» تسيطر عليه المرأة «إسرائيل/جولدا مائير» وتمنع الآخرين من الدخول إليه. ثم في نهاية المسرحية تدعو المرأة إلى تحقيق السلام بشكل ساخر مثلما يفعل القادة الإسرائيليون الذين يدعون للسلام وهم غير معنيين به ولا يسعون لتحقيقه.

تعبر المسرحية أيضًا عن مشاعر الحصار والعزلة عند الإسرائيليين بعد حرب 1967، رغم تحقيقهم للنصر العسكري والتوسع الاستيطاني في الأراضي العربية. وهي المسرحية التي أغضبت وزير الدفاع وقتئذٍ «موشيه ديان» والذي جاء بنفسه لمشاهدة العرض. وإثر ذلك، أدلى بتصريح للإذاعة الإسرائيلية قال فيه: «هل فكرتم بما سيحدث لو أخذوا هذه المسرحية مثلما هي وعرضوها على الجنود المصريين في الطرف الثاني، أي في الطرف الغربي من القتال؟» وهناك نماذج عديدة تمثل الأدباء المعارضين لسياسات الحكومة الإسرائيلية.

ومثلما يوجد هذه النماذج الأدبية المعارضة لسياسات الحكومة الإسرائيلية، يوجد أيضًا أدباء آخرون يمجدون في دولتهم وشعبهم ويُلصقون بالعربي أبشع الصفات وأقبحها مثلما فعل الكاتب «موشيه سميلانسكي» (1874-1953) في مجموعته القصصية «أبناء العرب».

أدب عالمي

كما نلاحظ أن الأدب العبري ليس أدبًا محليًا فقط، وإنما وصل للعالمية أيضًا. فنجد أن الأديب «شموئيل يوسف عجنون» (1888-1970) حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1966 مناصفة مع الشاعرة السويدية اليهودية «نيلي زاكس»، وجاءت الجائزة بعد ترشيحات عديدة من الناقد الأدبي والباحث الإسرائيلي «باروخ كورتسفيل»، وكانت بداية تلك الترشيحات في عام 1946 بعد توصية من «زلمان شوكن»، وتجددت تلك المحاولات في الأعوام 1951 و1963 و1964م حتى حصل عليها.

إن إسرائيل مُتابِعة جيدة لكل عمل عربي يصدر، وتترجمه للعبرية أولًا بأول، حتى دون موافقة صاحبه، كما فعلت مع أعمال الكاتب علاء الأسواني، الذي ترجمت له كل من رواية «عمارة يعقوبيان» و«نادي السيارات». وبالتالي لا يُعقل أن يكونوا على دراية تامة بالعالم العربي من خلال أعماله الأدبية ونحن لا نفقه عنهم شيئًا، بل وحتى ندفن رأسنا في الرمل وندّعي أنه لا وجود لهم ولا لأدبهم. إن قراءة الأدب العبري في رأيي فرض عين على كل عربي، ليتمكن من معرفة كيف يفكر الآخر وكيف يراه ويصوره في أعماله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. أحمد حماد، “اغتراب الشخصية اليهودية في الأدب العبري الحديث”، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012، ص21.
  2. رشاد الشامي، “إشكالية الهوية في إسرائيل”، الكويت، عالم المعرفة العدد 224، 1997، ص113.