رحل كريستيانو رونالدو عن ريال مدريد دون أن يُنصب مدريد ملكًا غيره لقواعد البيت الملكي، ولم يتبقّ سوى القميص رقم 7 الذي ارتداه المهاجم الدومنيكاني ماريانو دياز يحكي قصة أسطورة ستظل للأبد تطل بين كل جوانب البرنابيو.

ولكن رحيل كريستيانو رونالدو لن يكون مُجرد ذكرى يبكيها جمهور الميرنجي ولكنه سيبقى حاضرًا في الذهن كُلما غابت الأهداف في شباك خصوم الريال. السؤال الأكبر الذي ينتظره كل جمهور كرة القدم بالعالم: من سيُنسي جمهور ريال مدريد أهداف رونالدو؟ أو بالأحرى هل سيقدر أحدهم على فعل ذلك؟


من فات «التسعينات» تاه!

مُهاجم؛ الكلمة تصف المطلوب. طابع الاعتداء لابد أن يكون متأصلاً بالشخص الذي يلعب هذا الدور. بالطبع العدوانية في إطار اللعب النظيف، وإجبار المدافع على ارتكاب الأخطاء، والفوز في الصراعات الثنائية أرضية وهوائية وغيرها من سمات المهاجمين العظام التي تشعرك أنه قائد حملة مسجلة على دفاع الخصم.

كانت فترة التسعينات وأوائل الألفية الجديدة مليئة بهؤلاء، فمن كريستيان فييري إلى باترييك كلويفيرت مرورًا بديفيد تريزيجيه مع فان نيستلروي وغيرهم الكثيرون ممن وضعوا تعريفًا لكلمة مُهاجم. هُنا تكمُن مُشكلة من هم ضد كريم بنزيما ومن هم معه، فهو حتى وإن تمتع بقدر من المهارة والحس التهديفي فإنه يفتقد تلك الرغبة والعدوانية لإلحاق الضرر- المشروع- بالخصم.

سيدّعي البعض أن هذا تجنيًا على كريم لأنه هنالك مهاجمين كثر لم يتمتعوا بهذا العداء البدني على الأقل مثل مايكل أوين وراؤول جونزاليس، ولكن مثل هؤلاء من صغيري الأحجام نسبيًا كانوا يتمتعون بما لا يراه الكثيرون متوفرًا في كريم من شغف هز الشباك فضلًا عن المكر داخل منطقة الجزاء. الأزمة كلها ليست بقدرات كريم برغم ما هي رغبته في إظهار ما يمتلك منها.


فن قراءة الصور عن بُعد، لا للخداع

البُعد عن الصور بالرغم من مساوئه إلا أنه يوفر حكمًا أفضل بالطبع على المشهد. الخداع كله يكمُن عندما تقترب كثيرًا لتحدد تفاصيل تضيع عن غير عمد تفاصيل أكثر. هذه هي مشكلة الحكم على مستوى كريم في الموسم الجديد وأولى مواسمه في مدريد بدون رونالدو.

رونالدو الذي طالما اتهمه الكثيرون بأنه السبب في قلة أهداف كريم -نسبيًا – بسبب جشعه التهديفي الذي جعله يسجل 450 هدفًا في 9 سنوات مع ريال مدريد، ولكن التجاهل التام لعدم رغبة كريم في التسجيل هو المُثير للاهتمام ربما أكثر من عدم الرغبة نفسها.

ربما الخوف من تحمل المسئولية أمام جمهور ريال مدريد هو من جعل كريم هكذا، فميسي ينافس رونالدو والفشل كالنجاح سينسب لهما. لكن ما المُبرر أمام كريم حينما تصدر سواريز قائمة هدافي الليجا متفوقًا على المذكورين سلفًا برصيد 40 هدفًا؟ لا يوجد تفسير غير أن سواريز يلعب كرة القدم كمهاجم ليحرز أهدافًا ثم يحرز أخريات، بينما تشعر أن بنزيما يلعبها ليلعبها وللأسف هذا لا يصلح لأندية من المستوى العالي.

فخ سيقع به الكثيرون إن اقتنعوا أن طبيعة بنزيما كمهاجم وديع، يحرز أهدافًا جميلة جدًا ولكن حسب حالته المزاجية وليست حسب أهمية المُباراة، ستتغير بعد رحيل رونالدو بسبب إحساسه بالمسئولية .


هل هُناك بنزيما جديد؟ بنزيما يُجيب

الإجابة كبنزيما غير واضحة ورُبما لن تتضح مبكرًا؛ لأن شخصية بنزيما بجميع تفاصيلها لابد وأن تُفاجئك أيًا كان نوع المفاجأة. فالبداية النارية مع تلهف الجمهور لمن يحمل لواء الهجوم المدريدي بعد كريستيانو رونالدو قد تجعل الجميع يطمح في بنزيما جديد ولكن دون أن يدري الجميع أن الحكم غير موضوعي لأن بنزيما تقريبًا لم يتغير.

الوصف هذا ليس بذم في قدرات كريم على قدر ما هو وضع الأمور في نصابها، فبنزيما كان يُمدح لإيثاره في الملعب -رغم أن هذا عيبًا في المهاجم- وأنه يفسح المجال بتحركاته لرونالدو ولكن أين كان بنزيما في المواسم السابقة حينما لا يلعب كريستيانو؟

الشخصية لا تتغير، بنزيما لاعب موهوب ويملك حسًا تهديفيًا ولكنه يفتقد الرغبة والدوافع، وبالتالي سيظل هكذا يُصنف على أنه مهاجم يتفوق عليه سواريز وكافاني وليفاندوفيسكي، ثم يقول البعض بأنه مهاجم أقرب لصناعة اللعب أو ما يعرف بالـ9.5 فيتفوق عليه فيرمينو.

ببساطة بنزيما مهاجم وعليه إحراز الأهداف وهذا المُتغير الوحيد هذا الموسم، فبداية كريم هذا العام هي الأفضل في مسيرته مع ريال مدريد من الناحية التهديفية حيث سجل 5 أهداف في 4 مُباريات منهم 4 أهداف في الدوري. الغريب أن بنزيما سجل 5 أهداف في اللا ليجا بأكملها الموسم الماضي!

زيادة معدل بنزيما التهديفي طبيعية لأن منطقة الجزاء أصبحت خالية، له ولكن هل تغير كريم نفسه وأصبح أكثر رغبة؟

كريم بنزيما, خيتافي, كرة القدم العالمية
مناطق نشاط كريم بنزيما في مُبارتي خيتافي (يسارًا) وجيرونا (يمينًا) 2018/2019

تلك هي النسخة التي قد يقدمها لنا الفرنسي على أنها جديدة، بمعدل حوال 50 لمسة في اللقاء والتمركز في الثلث الهجومي ناحية اليسار مع هدفين في جيرونا وصيام في مُباراة خيتافي.

كريم بنزيما, كرة القدم العالمية, ديبورتيفو لاكورنيا, فالنسيا
مناطق نشاط كريم بنزيما في مُبارتي ديبورتيفو لاكورنيا (يمينًا) ومُبارة فالنسيا (يسارًا) في افتتاحية موسم 2017/2018

تلك الخريطة الحرارية لكريم في افتتاحية الموسم الماضي والذي كان يلعب بها دون رونالدو الغائب للإيقاف والنتيجة تقريبًا مُعدل لمسات أقل ونفس مناطق التحرك، ولكن المُختلف أن المُباراتين كانتا بلا أهداف، ليس ذلك فحسب بل أضاع 3 أهداف مُحققة في مُباراة فالنسيا.

قد يتغير مع مرور الوقت وإن كان هذا صعبًا للغاية؛ لأنه ليس لاعبًا شابًا وبسبب شعوره بالثقة المفرطة في قدراته وضمان مركزه في الملعب والتي تظهر في كل تصريحاته ويتم دعمها من المدربين واللاعبين ورئيس النادي.

تشعر وأن النسخ متشابهة بين الموسم الماضي وهذا الموسم. هذا تحديدًا ما يُثبت أن كريم لن يتغير، سيتحرك في نفس المناطق ويترك منطقة الجزاء كثيرًا ويفتقد التركيز أحيانًا، ومن الطبيعي أيضًا زيادة عدد أهدافه لأنه أصبح المصب الوحيد لتمريرات صُناع اللعب والأجنحة ولكن هذا لا يجب أن يخدع جمهور الريال، لا لتوقع الأسوأ من كريم ولكن لأن هذا هو بنزيما.