يُقدم الدكتور/علي عبد الحليم محمود – من علماء الأزهر – (1928-2014) في كتابه «التربية الإسلامية في المدرسة» – الصادر عن (دار التوزيع والنشر الإسلامية) 2004م – العلاقة بين الجوانب الثلاثة للتربية وهي مؤسسات: البيت والمدرسة والمجتمع. تلك الجوانب التي يُكمل بعضها بعضًا، في إطار علاقة تكاملية مبينة على الغايات والأهداف التي تسعى التربية إلى تحقيقها وترسيخها في النشء، ويستهدف هذا الكتاب تنقية المدرسة الإسلامية من الضلال الذي يحاولون إلصاقه بها، وتشويهها وإفسادها. حيث يؤكد أن المدرسة معنى ومبنى ومنهجًا ونظامًا وهدفًا ووسيلة؛ قادرة على تربية الإنسان الصالح الذي يملأ الإسلام قلبه بحب الناس وحب الخير لهم، وحب العمل والدعوة إلى دين الحق لينقل الناس من الضلال إلى الهدى، وبنقل البعيد عن أخلاق الإسلام وآدابه إلى العروة الوثقى التي لا انفصام لها.

المدرسة لا توصف بأنها إسلامية إلا إن كانت تربي،وتُزكي، وتُعلم وفق قيم الإسلام ومعاييره، وإن استطاعت بذلك من خلال معطياتها، مبنى ومعنى وإدارة ومدرسًا ومنهجًا وكتابًا

وعلى ضوء ما سبق، فقد تحددت منهجية العالم والمربي الجليل علي عبدالحليم محمود من خلال تقديمه لأبعاد التربية الإسلامية في المدرسة الإسلامية بوصفها مؤسسة تنفيذية لخطة التربية والتعليم في أي مجتمع، وتحويلها إلى برامج وأنشطة إجرائية، وما دامت المدرسة مدركة لأهدافها وفقًا لمستوياتها، فإنها تأخذ بأعلى مستوى الحداثة، شريطة احتفاظها بأصالتها ومحافظتها على ثوابت الإسلام الراسخة، وهي كل ما يتصل بالعقيدة والعبادة والقيم الخلقية. لذلك فقد تحدث عن مدخلين رئيسيين،لهما الأثر الواضح في فهم تلك الأبعاد وهما ما يتصل بالتربية والتعليم من مفاهيم ومصطلحات وعلاقتهما بالتربية (ضرورتها ومذاهبها)،أما المدخل الآخر، فيتمثل في المدرسة (وظائفها والمؤسسات المعينة لها).

وهكذا نجد أن المؤلف قد تناول موضوع «المدرسة الإسلامية والمجتمع»، حيث قام بإيضاح حقيقتين، إحداهما: أن المدرسة الإسلامية عريقة في تاريخ المسلمين. والأخرى أن المدرسة الإسلامية الحديثة تُناط بها آمال عراض على الرغم مما في طريقها من معوقات، وهو في ذلك يؤكد أن المدرسة لا توصف بأنها إسلامية إلا إن كانت تربي،وتُزكي، وتُعلم وفق قيم الإسلام ومعاييره، وإن استطاعت بذلك من خلال معطياتها، مبنى ومعنى وإدارة ومدرسًا ومنهجًا وكتابًا، ومرافق ومعامل ومناشط، أن تكوِّن الإنسان المسلم من جميع جوانب شخصيته، وتأسيسًا على ذلك، فقد أوضح نشأة المدرسة الإسلامية قديمًا وعلاقتها بما يُسمى بالكُتاب والمسجد، وسياقاتها التاريخية والاجتماعية التي أدت بعد ذلك إلى إنشاء المدارس في عدد من الدول، حيث تباينت الآراء حول «متى كان البدء في إنشائها؟».

وقد تطرق إلى عدد من المدارس التي تم إنشاؤها خلال مراحل متعددة من التاريخ الإسلامي، ومن خلال ذلك فقد أوضح المؤلف الأسباب التي أدت إلى إنشاء المدارس، ومنها تزايد عدد الراغبين في التعلم – والذي يُعرف اليوم بزيادة الطلب الاجتماعي على التعلم – وإضافة إلى ذلك فقد أشار إلى عدد من الأسباب منها «تأييد المذهب الذي ينتمي إليه الحاكم سواءً كان سُنيًا أم شيعيًا»، وكذا التوجه الذي ساد لدى كثير من الوزراء إلى بناء المساجد والمدارس ووقفوا عليها أموالهم، والرغبة في نشر العلم والمعرفة، وبخاصة علوم الدين … إلخ، حيث تناول أشهر منشئ المدارس دولًا وأفرادًا، وأشهر من اهتموا بالتعليم من علماء المسلمين، وأهم المناهج التي كانت تُدرس في مرحلة المسجد أو المدرسة، وفي إطار السياقات التربوية والاجتماعية والتاريخية للعلاقة بين (المساجد والكتاتيب والمدارس) حيث سبقت ظهور المدارس، المساجد والكتاتيب، ذلك أنه في القرن الثاني الهجري وما بعده من قرون، ازداد عدد الكتاتيب زيادة كبيرة مع اتساع رقعة الدولة، وزيادة عدد المتعلمين، حيث كان الصبيان أغلبهم يذهبون إليها لتعلم القراءة والكتابة، ولتعلم القرآن الكريم، أما «المسجد فكان يذهب إليه من تجاوزا سن الطفولة والصبا لأن هذه السن المبكرة تحول بينهم وبين غشيان المساجد،كما هو معروف عند المسلمين»، إلى إن أدت تلك السياقات – كما أشرنا – إلى ظهور المدرسة التي ظلت إلى جوار «المسجد تتقاسم معه عملية التعليم، وإن كان المسجد أكثر اهتمامًا بالعلوم الإسلامية كالقرآن الكريم والحديث النبوي والفقه الإسلامي والسيرة النبوية وتاريخ الإسلام، وعلم الكلام أي علم التوحيد».

تواجه المدارس الإسلامية الحديثة العديد من التحديات، إلا أنها تعمل على أدائها لرسالتها الحقيقية – إذا تمكنت من أداء وظائفها لهي أقرب الطرق إلى الإصلاح والتجديد والنهوض

أما المدرسة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري فقد واجهت العديد من التحديات، فقد أسماه المؤلف بقرن «التحدي الغربي السافر للإسلام والمسلمين»، حيث قامت في بداياته الحركة الشيوعية مرورًا بجملة من الآثار الناجمة عن الوسائل والأساليب التي سادت في تلك المرحلة ودورها في التعامل مع المؤسسات التعليمية، وشكلت في بعضها (مشكلات ومعوقات) تواجه المدرسة الإسلامية بمختلف مكوناتها من حيث المنهج والمقررات الدراسية ومصادر التمويل والأهداف والقيم الجديدة التي سعت إلى تحقيقها وترسيخها لدى النشء، وذلك في ظل المذاهب والفلسفات الجديدة التي ظهرت، ومدى تأثيرها على تربية النشء والشباب المسلم كالوجودية، والفوضوية، والشيوعية،والماسونية، وأندية الروتاري … إلخ.

ومن هذا المنطلق، وبعد أن تناول المؤلف علي عبدالحليم محمود تلك المشكلات والعوائق وعلاقتها بالمذاهب والفلسفات السائدة في تلك المرحلة، فقد طرح تساؤلًا هامًا،ماذا يُرجى من المدرسة الإسلامية حديثًا؟ حيث خلص إلى أنه يُرجى من المدرسة الإسلامية أن تحقق فيمن تربيه ثلاثة أهداف: «التربية الإسلامية للإنسان، والتزكية للإنسان وفق قيم الإسلام، وتعليم الإنسان ما هو في حاجة إليه»، وأن تحقيق هذه الأهداف الثلاثة هو الذي يجعل من المدرسة الحديثة مدرسة إسلامية تستهدي في تحقيقها بكتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعمال صحابته رضي الله عنهم، واجتهادات علماء التربية الإسلامية من المسلمين في مختلف عصورهم ومتنوع أفكارهم.

أما في المدرسة الإسلامية المعاصرة، فهي كذلك تواجه العديد من التحديات، إلا أنها تعمل على أدائها لرسالتها الحقيقية – إذا تمكنت من أداء وظائفها لهي أقرب الطرق إلى الإصلاح والتجديد والنهوض، والتخلص من أي رواسب من شأنها الانحراف عن مسار أهدافها وبرامجها التي تسعى إلى تحقيقها، وقد أشار في ذلك إلى عدد من المفاهيم والمصطلحات التي قد تُحدث لغطًا بشأنها إذا ما تم التعامل معها في غير سياقاتها، كالمدرسة الإسلامية، والتعليم الإسلامي، والمدرسة الإسلامية. فضلًا عن الأهداف العامة والخاصة التي تسعى إلى تحقيقها، والوسائل التعليمية التي ينبغي التعامل معها، والأنشطة وأنواعها داخل وخارج المدرسة، وجميع ما سبق يمكن أن يُسهم في تحقيق أهداف المجتمع الإسلامي كله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.