في الأيام الأولى للحرب التي شنتها أمريكا وبريطانيا على العراق –مارس/أذار 2003- أثيرت قضية معاملة الأسرى عندما وقع عدد من الجنود الأمريكيين في أيدي القوات العراقية، وبثت الفضائيات مشاهد لهم وهم مكبلون بالأغلال. عندها قامت قيامة القوى الغربية، وعلى رأسها الدولتان المعتديتان، للتنديد بما اعتبرته انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي المتعلقة بالحرب، وبخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949بشأن معاملة الأسرى.

وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية والبريطانية كانت قد سبقت وسمحت من جانبها ببث مشاهد ظهرت فيها المعاملة المهينة والحاطة بكرامة الأسرى العراقيين الذين تم احتجازهم -وقُدِّر عددهم فيما بعد ببضعة آلاف حسب المصادر الأمريكية والبريطانية نفسها- فإن أغلبية وسائل الإعلام والأوساط السياسية والثقافية قد تركز اهتمامها على مشاهد الجنود الأمريكيين الأسرى، وسرعان ما انتقل هذا التركيز على نصوص اتفاقيات جنيف المتعلقة بهذا الموضوع، ثم تطورت حملة الانتقادات وانتقلت من التركيز على حالة الجنود الأسرى إلى الهجوم على العرب والمسلمين بالتلميح حيناً، وبالتصريح في أكثر الأحيان، بأنهم لا ينتمون إلى العالم المتحضر؛ ولذلك فإنهم لا يعرفون قواعد القانون الإنساني، ومن ثم لا يمكنهم احترامها.

ولم يكن ما جرى في تلك الأيام على يد القوات المعتدية ووسائل إعلامها، سوى عملية تجهيل متعمد، وتشويه مقصود لتحقيق أغراض سياسية بوسائل معدومة الصلة بالأخلاق والقيم الإنسانية؛ وبخاصة أن ما يعرف اليوم باسم «القانون الدولي الإنساني» له أصول مستمدة من المبادئ والقيم الحضارية الإسلامية، وأن المسلمين- بفضل تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية- قد أسهموا في تعليم العالم وجوب احترام كرامة الإنسان؛ أياً كان لونه أو جنسه أو دينه، حتى لو كان محارباً، أو ضالعاً في العدوان على المسلمين واقتحام ديارهم.

ومن المفارقات التاريخية -التي تفضح هذا التجاهل المشار إليه- أن من أبرز عطاءات العلماء المسلمين الذين عاشوا في العراق هو عطاؤهم المتعلق بأحكام القانون الدولي، وقواعد القانون الإنساني، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الإمام أبو حنيفة النعمان (توفي سنة 150هـ / 768م)، وسفيان الثوري (توفي 161هـ / 778م)، وتلميذ أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني (الذي ولد بواسط عام 132هـ، ونشأ في الكوفة، وتوفي سنة 189هـ / 806م) وهو صاحب كتاب «السير الكبير»؛ وهو المرجع الأكثر شهرة وذيوع صيت على المستوى العالمي إلى اليوم؛ حتى إن بعض المنصفين من علماء الغرب قد اعترفوا بفضله، فقام هانز روسه – أحد علماء القانون الدولي- في سنة 1955م بتأسيس جمعية باسمه هي «جمعية الشيباني للقانون الدولي» (وللأسف لم يظهر مثلها في العالمين العربي والإسلامي).

وقد لفتت اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، التي وقعت عليها جميع دول العالم تقريباً، الأنظار إلى قواعد هذا القانون، الذي درجت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تسميته باسم القانون الدولي الإنساني، وبالتالي أصبح هذا الاسم محل اتفاق بين جميع الدول، وبات يدل على حقوق الإنسان الواجب مراعاتها؛ سواء كان محارباً أو مدنياً أثناء النزاعات المسلحة.

ومن يراجع نصوص اتفاقيات جنيف المشار إليها، وغيرها من المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بهذا الشأن، فسوف يجدها- في معظمها- مستمدة مباشرة من المصادر الإسلامية، أو أنها- على الأقل- ذات أصول إسلامية. وسنذكر فيما يلي بعض أهم الأصول الإسلامية للقانون الدولي الإنساني، ونتبعها بالنصوص التي عبرت عنها ووردت في اتفاقيات جنيف.

1. تكريم الإنسان

جاءت تعاليم الإسلام في هذا الشأن قبل أكثر من 1400 عام من اتفاقيات جنيف، وعلّم المسلمون البشرية أن الحرب وإن كانت ضرورة فإنها تقدر بقدرها، وأنها يجب أن تتسم بالرحمة وتلتزم بمكارم الأخلاق، انطلاقاً من مبدأ تكريم الإنسان، ووجوب صيانة حرمة جسده ودمه ونفسه دون تمييز؛ إذ الجميع سواسية، وكلهم لآدم، وآدم من تراب.

 قال تعالى:

«ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً»
سورة الإسراء: آية 70.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كلكم لآدم وآدم من تراب. لا فضل لعربي على عجمي إلا التقوى.

وفي تفسير الإمام «فخر الدين الرازي» المُسمَّى «مفاتيح الغيب» أكد أن «النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم والبدن الإنساني أشرف الأجسام في هذا العالم».

وقد انتظرت البشرية ما يزيد على 1350 عاماً حتى جاءت اتفاقيات جنيف بتقرير تلك المبادئ السامية فنصت المادة الثالثة- وهي مادة مشتركة- في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949؛ على أنه: «يحظر على أطراف النزاعات المسلحة: -أعمال العنف ضد الحياة والشخص- والاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص التحقير والمعاملة المزرية». كما نصت على المعنى ذاته المادة السابعة والعشرون من الاتفاقية الرابعة فيما يتعلق بحماية الأشخاص المدنيين في الأرض المحتلة. والذي يراه العالم يومياً هو انتهاك هذه النصوص على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وبدعم صريح من الولايات المتحدة الأمريكية.

2. أخلاقيات الحروب والنزاعات المسلحة

لم تعرف البشرية قبل الإسلام أن للحرب أخلاقيات واجبة الاتباع في مواجهة الخصوم والمحاربين. وكانت الحرب تأتي على الأخضر واليابس عندما تنشب، ولا يميز المتحاربون بين محارب وغير محارب، ولا بين طفل وفارس، ولا بين عاجز أو عابد.

ومع الانطلاقة الأولى للجند الإسلامي، خاطبهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بما أصبح منارة للبشرية تعرفها أن للحرب أخلاقاً ومبادئ، تتلخص في قوله لمن تولوا إمارة الجند:

انطلقوا باسم الله، وعلى بركة رسوله؛ لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا (أي لا تخونوا)، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين.

وعلى النهج نفسه جاءت وصايا أبي بكر الصديق إلى قائد الجيش الإسلامي المتجه إلى بلاد الشام:

لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة. ولا تعقروا نخلاً، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون على قوم أفرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له.

ثم أضاف ليزيد بن أبي سفيان قائلاً: «ولا تقاتل مجروحاً فإن بعضه ليس معه». على حد ما سجله ابن جرير الطبري في كتابه: «تاريخ الرسل والملوك».

ومثل تلك الأخلاقيات وجدت طريقها إلى القانون الدولي الإنساني المعاصر فقط عندما نظم البروتوكول الأول لعام 1977م (الملحق بأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م) قواعد الحماية العامة للسكان المدنيين، والأعيان المدنية، والأعيان الثقافية، وأماكن العبادة، والأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وذلك ضد آثار القتال. ومن ذلك الآتي:

نصت المادة 51 على أن: «السكان المدنيين لا يجوز أن يكونوا محلاً للهجوم».
نصت المادة 53 على أن: «الأعيان الثقافية وأماكن العبادة لا تكون محلاً للهجوم أو الردع».
نصت المادة 54 على أن: «يحظر مهاجمة أو تدمير المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية، ومرافق المياه… والتي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين».

أليست هذه النصوص محاولة للتعبير عن بعض ما ورد في وصايا الرسول، ووصايا أبي بكر الصديق التي أوردناها؟

3. المعاملة الإنسانية للأسرى

كان أسرى الحروب قبل الإسلام يُلاقون أسوأ معاملة، ولا يتمتعون بأي نوع من الحماية، بل كانت الحروب والصراعات المسلحة مصدراً رئيسياً للاسترقاق ورواج أسواق النخاسة والعبيد، وبمجيء الإسلام عرفت البشرية أن الأسرى يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية تحفظ حياتهم وكرامتهم، وبدل أن تكون الحرب مصدراً للاسترقاق فتح الإسلام الباب من خلالها للتحرر والانعتاق من رق الاستعباد، ونصت آيات القرآن الكريم على ذلك في آيات فك الرقبة. قال تعالى:

«ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً»
سورة الإنسان: آية 8.

وقرر الفقهاء أنه لا يجوز أخذ الأسرى إلا إذا كانت الحرب مشروعة، وفي حالات الدفاع عن النفس. وعلى هذا الهدي سار قادة المسلمين في معاملتهم لمن وقع في أيديهم من الأسرى من جيوش الأعداء، ومن ذلك على سبيل المثال- صلاح الدين الأيوبي- فقد روى كاتب سيرته ومعاصره «بهاء الدين بن شداد» في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية»، حيث قال:

وفي مثل هذه المعاني جاءت نصوص المادة السابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الخاصة بمعاملة الأسرى على وقررت الآتي:

كان الناصر صلاح الدين- رحمه الله- يُحسن معاملة الأسرى، ويخص البارزين منهم بحسن المعيشة، وخلع الثياب عليهم. وعندما أحضر الناس قتلاهم بعد المعركة، وكنت حاضراً ذلك المجلس، أكرم رحمه الله المتقدمين منهم، وأخلع على مقدمي عسكر الإفرنسيس فروة خاصة، وأمر لكل واحد من الباقين بفروة خرجية لأن البرد كان شديداً. وحين كانت المعركة تنتهي باستسلام الطرف الآخر، كان ينفذ شروط الاستسلام بدقة، بل ينفذها وفقاً لمصلحة المستسلمين أكثر مما تتطلبه الشروط أحياناً. وحين يدفع الأسرى فداءهم يرسل من يحرسهم حتى يصلوا إلى مأمنهم. وبعد أن فتح الله عليه بالنصر والظفر، جلس السلطان صلاح الدين الأيوبي في دهليز الخيمة فرحاً مسروراً، شاكراً لما أنعم الله عليه. ثم استحضر الملك جفري وأخاه والبرنس أرناط، وناول الملك جفري شربة من جلاب بثلج، فشرب منها، وكان على أشد حال من العطش. وكان من جميل عادة المسلمين وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره صار آمناً. فقصد السلطان بذلك الجري على مكارم الأخلاق.
تزود الدولة الحاجزة أسرى الحرب بكميات كافية من الملابس، والملابس الداخلية، والجوارب، بحيث تكون ملائمة لجو الإقليم الذي يقيم فيه الأسرى. وإذا كانت كساوى قوات العدو المسلحة التي تقع في يد الدولة الحاجزة مناسبة لجو الإقليم، يصير استعمالها لكساء أسرى الحرب.

وأشارت المادة السادسة عشرة من الاتفاقية نفسها إلى المعاملة الأفضل يجب أن تمنح بسبب الحالة الصحية للأسير، أو وفقاً لعمره، أو مؤهله، أو مهنته. وتطبيقاً لذلك نصت المادة الرابعة والأربعون من الاتفاقية ذاتها على أنه «يجب معاملة الضباط ومن في حكمهم من الأسرى بالاعتبار الواجب لرتبهم وسنهم».

4. عدم تشتيت شمل الأسر وحماية النساء والأطفال

اعتبر الإسلام أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع الإسلامي خاصة، والإنساني عامةً. ولما كانت الحروب تنطوي عادة على احتمالات كبيرة لتصدع أركان الأسر، فقد حرص الإسلام على استمرار تماسك الأسرة وتوفير الحماية للنساء والأطفال والعاجزين بصفة عامة. ومن ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، أن من وصايا الإمام على بن أبي طالب (رضي الله عنه) لقادة جنوده قوله لهم:

إذا هزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا تعذبوا النساء بأذى وإن شتمنكم وشتمن أمراءكم. واذكروا الله لعلكم ترحمون.

ويقول «آدم ميتز» في كتابه: الحضارة العربية في القرن الرابع الهجري:

عندما استولى الخليفة العباسي المعتصم بالله على أحد حصون أرمينية عنوة بعد معركة دموية، أمر ألا يفرق بين أعضاء العائلات التي وقعت في الأسر.

ولم تتنبه الدول الأوربية «المتحضرة» إلى هذا الموضوع إلا بعد سلسلة طويلة من الحروب والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان وتمزيق شمل الأسر وقتل الأطفال والنساء والعجائز. وجاءت المادة الثانية والثمانون من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لتنص على الآتي:

يقيم أفراد العائلة الواحدة، وعلى الأخص الوالدان والأطفال معاً طوال مدة الاعتقال في معتقل واحد (…) ويجوز للمعتقلين أن يطلبوا أخذ أطفالهم غير المعتقلين، والذين يتركون دون رعاية عائلية، ليعتقلوا معهم. ويقيم أفراد العائلة الواحدة المعتقلون- كلما أمكن- في نفس المبنى، ويخصص لهم مكان إقامة منفصل عن باقي المعتقلين، مع التسهيلات اللازمة للمعيشة في حياة عائلية.

كما نصت المادة الرابعة والسبعون من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة على جمع شمل الأسر المشتتة نتيجة المنازعات المسلحة. ونظم البروتوكول الأول لعام 1977م والملحق بأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م وسائل استخدام القوة العسكرية وقيود هذا الاستخدام. ومن مواده:

المادة 41 التي نصت على أنه: «لا يجوز أن يكون الشخص العاجز عن القتال محلاً للهجوم. والمعروف أن الأسرى والجرحى يعتبرون عاجزين عن القتال».
المادة 76 التي نصت على أنه: «يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية، لا سيما ضد الاغتصاب، والإكراه على الدعارة».

5. تحريم المثلة بقتلى الحرب وتجريم الأعمال الثأرية

حرَّم الإسلام المثلة (وهي التنكيل بجثث القتلى وإهانتها)، وجرَّم الأعمال الثأرية أثناء الحرب، وبخاصة ضد الآمنين من السكان المدنيين.

روى السرخسي في شرح كتاب «السير الكبير» لمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة: أن عتبة بن عامر الجهني حمل إلى الخليفة أبي بكر الصديق رأس أحد القتلى من المشركين، فغضب أبو بكر لذلك وكتب إلى قواده آمراً لهم:

لا يحمل إلى رأس، وإلا بغيتم -أي جاوزتم الحد للتشفي- ولكن يكفيني الكتاب والخبر.

ونقرأ في كتاب تاريخ «الرسل والملوك» لـ «ابن جرير الطبري»: أنه عندما اضطر الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان أن يأخذ من الروم رهائن كشرط من شروط معاهدة الصلح معهم، ضماناً لغدرهم، غدروا به، ولكنه لم يثأر من الرهائن التي بين يديه، بل رد عليهم الرهائن قائلاً: «إن مقابلة الغدر بالوفاء خير من مقابلة الغدر بالغدر».

وفي كتاب «فتوح البلدان» للبلاذري، نقرأ أنه عندما وفد قوم من أهل سمرقند على الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، شكوا إليه قتيبة بن مسلم الباهلي؛ حيث دخل مدينتهم غدراً، وأسكن فيها المسلمين، وشتت أسرهم، فكتب عمر إلى واليه في الولاية المجاورة، وأمره بأن يرفع شكواهم إلى القاضي، فإن ثبتت الواقعة يأمر بإخراج المسلمين من سمرقند. وقد قام القاضي «جُميع بن خاطر» بتحقيق الواقعة، وأمر بإخراج المسلمين من المدينة.

وبعد قرون متطاولة جاءت نصوص اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 بحظر المعاملة الثأرية ضد ضحايا النزاعات المسلحة. ونصت المادة العشرون من البروتوكول الأول لعام 1977 المكمل لأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 على أنه: «يحظر الردع ضد الأشخاص والأعيان». بينما حظرت المادة التاسعة والأربعون من الاتفاقية الرابعة «قيام دولة الاحتلال بترحيل السكان المدنيين سواء فردياً أم جماعياً من الأرض المحتلة، كما حرمت على دولة الاحتلال أن تقوم بنقل بعض سكانها المدنيين إلى الأرض التي احتلتها».

إن ما ذكرناه ليس إلا بعض الأمثلة والنماذج التي تثبت أن أصول معظم قواعد القانون الدولي الإنساني المعاصر إسلامية، ولعل الجانب الأهم من ذلك هو أن الخبرة الإسلامية لم تعرف ازدواجية المعايير في تطبيق تلك القواعد والمبادئ المتعلقة بحماية كرامة الإنسان وصيانة حقوقه، مثلما تفعل القوى الغربية عندما يتعلق الأمر بأبناء شعوب أخرى غير شعوبها.