قبيل إشراق صباح يوم الجمعة 17 مارس/آذار 2017، وفي منطقة البريج بسوريا، وقع حادث غير اعتيادي بمعايير عدة، كونها المرة الأولى التي يخرق فيها الجيش الإسرائيلي صمته حيال عملياته في الداخل السوري، والضربة الفريدة خلال عقود، التي ردت بها دمشق على الغارة الإسرائيلية، كما فعّلت تل أبيب نظام الدفاع «حتس» للمرة الأولى أيضًا ضد التهديد السوري، وأصابت صاروخاً، معترضة إياه قبل أن ينفجر في إسرائيل.

وتعد منظومة «حتس» المضادة للصواريخ، أول سلاح من هذا النوع تطوره إسرائيل والولايات المتحدة، لاعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية على مستوى إقليمي.

وفي روايته للحادث، قال الجيش السوري في بيان، إن أربع طائرات للعدو الإسرائيلي اخترقت الساعة 2:40 فجراً المجال الجوي السوري عبر الأراضي اللبنانية واستهدفت أحد المواقع العسكرية على اتجاه تدمر في ريف حمص الشرقي، وأكد أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت طائرة داخل إسرائيل وأصابت أخرى وأجبرت الباقي على الفرار، وهو ما نفاه الجيش الإسرائيلي.


تفاعل إسرائيل مع ميكانزمات الأزمة السورية

تفاوتت مستويات تعاطي إسرائيل مع الأزمة السورية، فتراوح ذلك ما بين الصمت تارة، والقيام بغارات جوية ضد مواقع تابعة لنظام الأسد تارة أخرى، وأخيراً، إظهار التعاطف مع الشعب السوري من خلال تقديم خدمات طبية للمصابين على الحدود، لكن بقي الغموض في السياسات سيد الموقف.

وعلى الرغم من السياسة المبهمة، التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية تجاه الثورة السورية وتطور أحداثها، فهناك خطان أحمران تخشى إسرائيل وقوعهما نتيجة تطور الأزمة هما: الأمن والاستقرار في الجولان، ونقل أسلحة نوعية إلى حزب الله.

فمع اشتعال الأوضاع في سوريا ودخول حزب الله على خط الأزمة السورية، بدأت إسرائيل تستشعر خطر أن يكتسب حزب الله المزيد من أسباب البقاء والتسلح على نطاق يمكن أن يُخلّ بالتفوق الاستراتيجي الإسرائيلي على جبهتها الشمالية، لذا قامت بتوجيه ضربات استباقية لاستنزاف خصومها، مُفضلة عدم الدخول في مواجهات عسكرية شاملة وكبيرة في المنطقة.

كما أن هناك قلقًا في إسرائيل من عدم قدرة النظام السوري على الاستمرار في السيطرة على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية والأسلحة المتطورة الأخرى، من جانب، وإمكانية وقوعها في أيدي حزب الله، من جانب آخر.

وفي جميع الأحوال، من مصلحة إسرائيل إطالة أمد الصراع في سوريا لأنها مستفيدة من كل ما من شأنه أن يُضعف دولة سوريا، خاصة إذا اكتسب الصراع طابعًا طائفيًّا.


تحول السياسات السورية

بعد التصعيد الأهم – بحسب هآرتس الإسرائيلية – وللمرة الأولى خلال عقود، رد النظام السوري مؤخرًا على الغارات الجوية الإسرائيلية، وكان عادةً القصف الإسرائيلي لقوافل حزب الله في الأراضي السورية، يمر دون أي رد من قبل الجانب السوري.

وتدحض الضربات الإسرائيلية الأخيرة، الادعاءات بأن الغارات الاسرائيلية تستهدف أسلحة لحزب الله، حيث إن الغارات هذه المرة لم تكن تقتصر على الحدود، بل تجاوزتها إلى الداخل السوري.

ويعتبر مراقبون إسرائيليون الرد السوري الأخير تحولاً في سياسة الأسد حيال الاستفزازات الإسرائيلية من تكرار الغارات في الفترة الأخيرة، حيث قال كبير الباحثين في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي «أساف أوريون» لوكالة فرانس برس «إن النظام السوري يحاول هذه المرة أن يقول لإسرائيل لا يمكن أن يتحمل أي هجوم بعد اليوم، وأن مثل هذا الهجوم لن يمر مرور الكرام».

وفي قراءته للفعل السوري، قال المراسل العسكري في الإذاعة الإسرائيلية، إيال عليما، إن النظام اكتسب جرأة بعد انتصاره في حلب واستعداده لبسط سيطرته في مناطق أخرى.

وبالنظر لأبرز الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ عام 2013، كانت إسرائيل تستهدف بعض المواقع السورية القريبة منها، وتحديداً في الجولان أو على الجبهة اللبنانية، لكنها هذه المرة وصلت إلى ضرب مواقع داخلية وصولًا لمنطقة تدمر، وهو ما يستدعي الرد السوري، حيث إن سوريا اليوم وفقًا لتغيرات موازين القوى، تحاول رسم قواعد اللعبة من جديد في المنطقة.


دلالات الهجمات الإسرائيلية على سوريا

أقرت إسرائيل بالغارة الأخيرة على غير عادتها، فلم يكن بمقدورها إبقاء الأمر سرًا، فقد سُمعت صفارات الإنذار في مناطق واسعة من إسرائيل ودوّي انفجار شديد، دون إغفال إعلان الأردن عن إسقاط صاروخ سوري.

1. الخطر الإيراني

في فبراير/شباط الماضي قال خامنئي إن «إسرائيل مثل الورم الذي يجب استئصاله وسيتم ذلك»، تصريح عكس توجه طهران الفترة المقبلة، في مرحلة ما بعد الخلاص من داعش، حيث ازدادت مخاوف إسرائيل من الجبهة السورية إثر تفكك الجيش السوري وما تبعه من تقوية الوجود الإيراني العسكري في المنطقة، والذي امتد بحرياً في الشرق الأوسط من خلال موانئ سوريا، إلى جانب زيادة عتاد إيران العسكري، بما في ذلك الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بالإضافة للملف النووي، الذي يشكل هاجسًا لتل أبيب.

لذلك تسعى إسرائيل إلى إعاقة قدرات طهران التي قد تسمح لها بخلق جبهة عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان، مما يُعرِّض المدنيين الإسرائيليين القاطنين في المنطقة للخطر.

وعلى الرغم من أن موسكو وواشنطن قد تدعمان موقف نتنياهو، لا تستطيع أيّ منهما أن تقدم الكثير الآن؛ لأن الحرب ضد داعش مستمرة بمشاركة إيران.

يُضاف إلى ذلك، أن طهران مستمرة في نقل مجموعة من الأسلحة إلى حزب الله، وبالرغم من أن إسرائيل قد اعترضت ودمرت في الماضي العديد من شحنات هذه الأسلحة وما زالت تفعل ذلك، غير أن كميات كبيرة منها ما تزال قادرة على الوصول إلى هدفها في لبنان.

2. الداخل الفلسطيني

الجديد في تورط إيران في الشأن السوري، هو أن طهران أصبحت عازمة على تأسيس جبهة ثالثة في سوريا ضد إسرائيل علاوة على حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، مما يشكل خطرًا ثلاثيًا على إسرائيل، ويوفر للفلسطينيين في الضفة الغربية الفرصة للقيام بانتفاضة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب اليهودي المقرب من الحكم «ألون بن مائير» في تحليل لقدرة إسرائيل على فتح حرب على ثلاث جبهات: «على الرغم من أن رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معروف بتركيزه على التهديدات الفلسطينية والإيرانية للأمن القومي الإسرائيلي، فقد بدا في الأشهر الأخيرة يدقّ بشكل متزايد ناقوس الخطر بشأن إيران»، ناصحًا نتنياهو قائلاً: «بسبب التهديد الإيراني المتزايد عليك أن تبذل كل ما في وسعك للتفاوض على اتفاق سلام مع الفلسطينيين الآن في إطار سلام عربي إسرائيلي شامل».

3. روسيا

يتزايد القلق الإسرائيلي من أن تتحول روسيا إلى حام سياسي طويل الأجل وراع عسكري لنظام الأسد الذي يستند إلي إيران وحزب الله على حد سواء، بالإضافة إلى أن إسرائيل لا ترغب في حصول حزب الله على أسلحة روسية.

أما عن الدور الروسي في الضربات الجوية، فوفقًا لمراقبين، لا تدخل الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية إلا برقم رمزي حتى لا تصطدم بالطائرات الروسية، ضمن تنسيق سياسي عسكري بين موسكو وتل أبيب، حيث ترتبط روسيا وإسرائيل بتفاهم ضمني توصلا إليه في خريف 2016 ويقضي بالتعاون العسكري بينهما لمنع أي تصادم عرضي بين سلاحي جو البلدين الناشطين في سماء سوريا.

وفي 9 مارس/ آذار سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى موسكو للقاء قمة مع الرئيس الروسي للمرة الرابعة في آخر 18 شهرًا. فمنذ أن دخلت روسيا إلى سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، تحدثت إسرائيل وموسكو كثيرًا في هذه المسألة، ومن بينها طرق للتأكد من عدم تقاتل الطائرات المقاتلات الروسية والإسرائيلية في سماء سوريا.

4. الجولان

تتمتع هضبة الجولان بأهمية جيواستراتيجية، فالقمم التي تضمها الهضبة، تجعلها تشرف على مساحات شاسعة من السهول المحيطة بها في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، كما أن مخزون المياه الجوفية الكبير للجولان، يزيد من أهميتها بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه، على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان.

وتهدف إسرائيل إلى تقويض شرعية مطالبة سوريا بالسيادة على الجزء الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، والتي احتلت مساحة تبلغ 1200 كلم مربع منذ عام 1967، كما ترغب في منع المتطرفين من بناء قواعد للعمليات على طول حدودها.

لذا، فمن المرجح أن تواصل إسرائيل شن ضربات جوية، لمنع نقل أسلحة إلى حزب الله، ومنع هجمات على الأراضي الإسرائيلية، وستواصل الرد على القذائف الصاروخية والمدفعية العشوائية التي تسقط في إسرائيل.

المراجع
  1. إيمان عنان، "الغارات الإسرائيلية علي سوريا: أهداف وسيناريوهات المستقبل"، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، ديسمبر 2016.
  2. يوسف ناجي، "إيران وحزب الله وحماس: ما هي حرب إسرائيل القادمة؟، موقع رصد، 19 مارس 2017.
  3. "لأول مرةٍ إسرائيل تُفعّل نظام السهم الصاروخي: تفاصيل جديدة عن التصعيد العسكري بين سوريا وتل أبيب"، هافنغتون بوست، 17 مارس 2017.
  4. سهام أشطو، "أخطر اشتباك بين إسرائيل وسوريا منذ بدء الأزمة: فما تداعياته؟"، موقع DW بالعربية، 17 مارس 2017.
  5. موناليزا فريحة، "الاحتكاك الخطير بين سام السوري وحتس الاسرائيلي: هل تغيّرت قواعد الاشتباك؟"، موقع صحيفة النهار، 17 مارس 2017.
  6. "بن مائير:هل تستطيع إسرائيل أن تخوض حرباً على ثلاث جبهات؟"، دنيا الوطن، 17مارس 2017.