يعد سباق التسلح والتسليح من أهم سمات الدول الكبرى في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل ما تشهده دول العالم من صراعات مترامية الأطراف، ومتعددة الأقطاب، فتحرص العديد من الدول على تسليح جيوشها، وفي المقابل تتسابق دول أخرى في تكنولوجيا التسليح، كي تكون رائدة، خاصة أن تلك التجارة من أكثر روافد الدخل، ومن أهم ركائز الاقتصاد.

وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول المصدرة والمنتفعة من تصدير السلاح، حيث بلغت قيمة تجارة السلاح أكثر من 9 مليارات دولار، بحسب موقع «The Global Economy» ويأتي بعدها الدب الروسي، ثم فرنسا، وألمانيا وإسبانيا كأكثر خمس دول في تلك الصناعة، وتحل إسرائيل في المرتبة الثانية، والمثير الجدل وما يهمنا هنا هو الدور الإسرائيلي وما تجنيه من تلك التجارة، خاصة حينما تكون بعض الدول العربية هي المستوردة للسلاح الإسرائيلي، وبكميات وأرقام كبيرة.

وفي دراسة نشرها معهد Sipri عن حجم صادرات الأسلحة بالنسبة للدول، يتضح أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية زادت بنسبة 77% في الفترة من 2010 حتى 2019. وبحسب موقع تايمز أوف إسرائيل، فقد حققت المبيعات الإسرائيلية من السلاح رقمًا قياسيًّا جديدًا في 2021، مقارنة بإجمالي مبيعات 8.3 مليار دولار في 2020، حيث باعت الدولة العبرية بـ11.3 مليار دولار بزيادة قدرها 7% لدول الخليج وحدها بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بالدول العربية، وتحديدًا الإمارات والبحرين اللتان طبعتا العلاقات مع إسرائيل في اتفاق سلام معلن، وصل إجمالي مشتريات الدولتين 7% من النسبة الإجمالية لحجم الصادرات الإسرائيلية من الأسلحة في 2021. وكانت الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي في مقدمة الاحتياجات العربية من إسرائيل، وكان لأنظمة الاستخبارات الإلكترونية وإلكترونيات الطيران وقاذفات الأسلحة والمركبات والذخيرة النصيب الأكبر من حجم الصناعة الإسرائيلية وتصديرها للدول.

تجارة أم سيطرة وخضوع؟

بالعودة إلى الأرقام السابقة يتضح مدى حرص تل أبيب على التفوق في مضمار تجارة تصدير الأسلحة، ورغم تقدم إسرائيل في هذا المجال حيث تحتل المرتبة 11 عالميًّا بحسب موقع Index Mundi فإن هناك تساؤلات ملحة حول إقدام الدول العربية خاصة الخليجية على استيراد الأسلحة الإسرائيلية، خاصة بعد توقيع اتفاقات التطبيع في 2020 مع عديد من الدول العربية، فهل تستطيع الدول العربية الفكاك من السيطرة الإسرائيلية على تلك الأسلحة ومعرفة أسرارها حال اندلاع صراع أو مواجهة؟

يبدو أن الترويج الإسرائيلي الرسمي يدور في فلك تعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية مع عدد من الدول، ومنها الدول العربية، كما أعلن ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، حيث قال:  «العلاقات الأمنية هي جزء لا يتجزأ من العلاقات السياسية لإسرائيل، وتؤكد قدرتنا على التعاون مع الدول الأخرى، ونحن نعمل على تعزيز هذه العلاقات وخلق شراكات أمنية جديدة».

هنا يتضح أن زيادة حجم الصادرات الإسرائيلية من الأسلحة للدول العربية يأتي في إطار تعزيز العلاقات السياسية مع دول مثل البحرين والإمارات اللتين تتصدران قائمة الدول العربية المستوردة للأسلحة من تل أبيب، لكن غانتس نفسه أكد أن تعزيز وزيادة اتفاقات تصدير الأسلحة للدول تأتي في إطار تعزيز أمن إسرائيل نفسها، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتوقف عند فكرة تصدير واستيراد أسلحة، ففكرة تعزيز أمن تل أبيب من خلال زيادة صادرات الأسلحة، يبرهن على عدم خشية الدولة العبرية من تنامي قوة دولة ما إذا استوردت الأسلحة التي تصنعها، ما يعني بالضرورة القدرة على معرفة إبطال تلك الأسلحة حال اندلاع مواجهة ما، خاصة أن شفرة تلك الأسلحة بالتأكيد مع الدولة التي صنعتها.

كما أن فكرة زيادة صادرات الأسلحة الإسرائيلية لدول الخليج قد تأتي في إطار تقويض الدور الإيراني في المنطقة وخلق دول ذات شراسة في مواجهة الدولة الفارسية، وهو ما لمحت له صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقرير لها، حيث أشار رام تاهفوني، وهو مسئول أمني إسرائيلي رفيع المستوى، إلى أن «إسرائيل ستعمل على تعزيز التعاون في المنطقة ضد إيران، في عدة مجالات منها الدفاع الجوي، والبحري، وأيضًا في مجالات أخرى».

قد يفسر هذا سبب السعي الإسرائيلي لتسليح دول الخليج، خاصة المحور السني ضد إيران، فهنا تستطيع إسرائيل ضمان خلق جبهة قوية ضد إيران، بالتالي تتنوع جبهات المواجهة مع طهران، كما أن إسرائيل لن ينالها ضرر من هذا التسليح لأنها تعلم قدراته، وتعلم كيفية التغلب عليه ومواجهته بصفتها الدولة المصنعة له.

رغم ذلك، فصفقات التسليح وتفاصيلها مع دول الخليج لا يتم الإعلان عنها، خوفًا من استعداء إيران، بحسب وول ستريت جورنال، حيث هددت طهران دول الخليج إذا تعاونت مع إسرائيل، بالتالي هذا يعزز فرضية تقوية المحور الخليجي ضد إيران، ورغم ذلك لم تخجل شركات السلاح الإسرائيلية من إعلان أن هناك «ساحة لعب جديدة»، وهو ما قالته رئيسة مجلس إدارة مجموعة «أفنون» التي تنشط في تصنيع الأسلحة في إسرائيل.

لكن يبقى التساؤل حول السعي العربي خاصة الخليجي للتزود بالسلاح الإسرائيلي، هل هو يأتي في إطار سياسي لمزيد من العلاقات أم خضوع للتقدم الإسرائيلي في مجال التسليح؟ وهل تضمن الدول العربية نفسها حال اندلاع مواجهة مستقبلية أن تواجه إسرائيل بالأسلحة التي صنعتها تل أبيب؟

نجد أن إسرائيل وضعت قيودًا على تصدير الأسلحة الهجومية للدول الخليجية والمغرب التي تستورد كذلك من إسرائيل، لكنها سمحت بتصدير أسلحة دفاعية فقط، وذلك بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وهو ما يفسر طرح النية الإسرائيلية في عدم وجود دولة أقوى منها في المنطقة، خاصة تلك التي تستورد منها الأسلحة، حيث تبقى الأسلحة الهجومية الإسرائيلية محظورة التصدير للدول العربية.

مثلًا طلبت الإمارات، بحسب تقرير نشرته رويترز وكذلك دويتش فيله، طلبت استيراد صواريخ سبايدر الاعتراضية الإسرائيلية التي تنتجها شركة رفائيل الإسرائيلية المشهورة، حيث إن منظومة سبايدر لديها قدرة على التصدي للطائرات المسيرة والمقاتلات الهجومية والهليكوبتر، ونجد هنا أن أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات لم يخفِ النية الإماراتية في التزود بأي أنظمة تحميها من الطائرات المسيرة والصواريخ، وأنهم منفتحون على ذلك طالما أنه ذو طبيعة دفاعية ولا يستهدف دولة ثالثة، وذلك في تصريحات معلنة لقرقاش للصحفيين.

السعودية تدخل على الخط

الأمر لا يتوقف برمته لدى الإمارات والبحرين والمغرب، بل إن السعودية كذلك طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة جو بايدن للمملكة التوسط لدى إسرائيل لاقتناء منظومات دفاع جوي، بحسب تقرير نشرته هيئة البث الإسرائيلية ونقلته يورو نيوز، المساعي السعودية لاقتناء أسلحة إسرائيلية أمر غير مستبعد، خاصة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعلن بشكل واضح أن بلاده تنظر إلى إسرائيل كونها حليفًا محتملًا، بحسب ما نشرته بلومبيرج. كما أن فرضية دخول المملكة في اتفاق سلام مع تل أبيب أمر غير مستبعد.

في هذا الصدد، نشر التلفاز الإسرائيلي الرسمي تقريرًا يفيد بتغير وجهات النظر والرأي العام داخل المملكة نحو مزيد من علاقات الدفء مع دولة الاحتلال الصهيوني، لكن ذلك مشروط بمزيد من التعاون الأمني بين المملكة ودولة الاحتلال. وهنا أفاد مسئولون إسرائيليون وكذلك سعوديون حول أن السؤال يجب ألا يكون هل تقبل السعودية توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟ لكن السؤال هو متى يتم توقيع الاتفاق؟

هذا ما أكده ديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بأن إسرائيل حليف محتمل وللسعودية مصالح مشتركة مع تل أبيب، وهنا استند ماكوفسكي إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والتي نشرتها بأن خيار توقيع اتفاق السلام غير مستبعد إذا التزمت إسرائيل وتوصلت لاتفاق سلام مع فلسطين أولًا، وفي سياق متصل احتفى الإعلام الإسرائيلي نفسه بتصريحات منسوبة لفيصل بن فرحان حول تعزيز العلاقات مع إسرائيل التي ساهمت، بحسب ما زعتمه «يسرائيل هيوم»، في إقرار السلام في المنطقة والاستقرار الإقليمي، وكلها مؤشرات تؤكد التعاون الأمني والسياسي وحتى الدبلوماسي بين المملكة ودولة الاحتلال.