شهدت الأيام القليلة الماضية، حدوث تصعيد عسكري بين إسرائيل من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى، تمثل في قيام تل أبيب بضرب أهداف تابعة لطهران في سوريا والعراق، واستهداف مقر حزب الله اللبناني في ضاحية بيروت الجنوبية، ما أدى إلى قيام «حزب الله» بالرد عبر إطلاق صواريخ مضادة للدبابات باتجاه آليات إسرائيلية متمركزة على الحدود مع لبنان.

أثار هذا التصعيد المفاجئ مخاوف كثيرين من أن يكون مقدمة لحرب شاملة بين الطرفين، لكن الهدوء الذي ساد الأجواء خلال اليومين الماضيين يدفع إلى الاعتقاد أن التصعيد الإسرائيلي كان مدروسًا ويأتي في إطار مساعي تل أبيب لتحجيم الوجود الإيراني في المنطقة دون الدخول في حرب شاملة غير مأمونة العواقب، كما يأتي ضمن مساعي رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لإظهار قوته وتعزيز حظوظه في انتخابات الكنيست التي ستجرى خلال سبتمبر/ أيلول الجاري.

لماذا تخشى إسرائيل الحرب الشاملة مع إيران؟

مصير جبهة المقاومة مترابط والجميع يقفون متحدين، وإذا هاجمت إسرائيل أي طرف منها، سيهبّ الطرف الآخر من الجبهة لمساعدته.
قائد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني السابق، محمد علي جعفري

تتفهم إسرائيل أن حربًا شاملة مع إيران ستكون متعددة الجبهات، إذ ستكون إيران وسوريا ولبنان والعراق وربما اليمن، جبهات قتال مشتعلة. وستدور الحرب على الأرض، وفي البحر، وفي الجو، وفي مجال المعلومات والنطاق السيبراني، من قبل مقاتلين من هذه الدول ودول أخرى.

تعدد الجبهات، والجهات الفاعلة التي ستنخرط في الحرب، ومسارح ونطاقات الحرب المتعددة (بما فيها الإنترنت)، والاضطرار إلى القيام بعمليات برية واسعة النطاق وخطرة، والخوف من وقوع خسائر كبيرة، كلها أسباب تجعل إسرائيل تخشى من شن حرب شاملة على إيران، دون وجود ضرورة قصوى لذلك.

يضاف إلى هذا أن عدم وضوح مواقف وأدوار القوى العظمى من حرب كهذه، يجعل الأمر محفوفًا بالمخاطر. فروسيا، التي باتت تشكل طرفًا رئيسيًا في سوريا، قد تحد من قدرة إسرائيل على ضرب القوات الموالية للنظام في سوريا لمنع خسارة مكاسب الحرب الأهلية ضد نظام الأسد. كذلك فإن إلقاء الولايات المتحدة بكامل ثقلها العسكري في هذه الحرب أمر محل تساؤل.

وتواجه تل أبيب احتمالًا مثيرًا للقلق حال شن حرب شاملة على إيران، إذ قد تؤدي الجهود الروسية الرامية إلى إحباط استخدامها للقوة الحاسمة، وتحفّظ الولايات المتحدة على الحرب، ودبلوماسية القوى العظمى غير الفعالة، إلى منع إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية الكاملة – مثلما حدث في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 – وقد يؤدي ذلك إلى حرب طويلة الأمد مرتفعة التكلفة المادية والبشرية وثقيلة الوطئة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وربما إلى حرب تنتهي دون أن تحقق إسرائيل أهدافها.

كيف تحاول إسرائيل تحجيم إيران في سوريا؟

اتخذت إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الخطوات من أجل تحجيم النفوذ والوجود الإيراني في سوريا التي باتت معقلاً رئيسيًا لطهران ويوجد بهما عشرات آلاف المقاتلين الموالين لها.

ترفض تل أبيب بشكل قاطع أي وجود عسكري إيراني في سوريا، وتعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. لأجل ذلك قامت منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011، وتدخل «حزب الله» وإيران لدعم نظام الأسد، بشن عشرات الغارات ضد أهداف تابعة لهما. كانت الأهداف في الغالب دقيقة ومحددة، مثل استهداف شحنات أسلحة أو أماكن لتطوير وتصنيع الصواريخ، حتى لا يتطور الأمر إلى مواجهة شاملة.

إلى جانب ذلك، حرضت إسرائيل الولايات المتحدة على الخروج من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، كان أبرزها وقف تصدير النفط الإيراني، المصدر الرئيسي لدخل طهران. وأملت تل أبيب أن تسهم هذه الخطوة في تحجيم إنفاق إيران العسكري في سوريا والمنطقة.

وعملت إسرائيل عن كثب مع روسيا من أجل تحجيم نفوذ إيران في سوريا، مستغلة تخوفات موسكو من أن تزاحمها طهران في النفوذ والسيطرة على الموارد والفرص الاقتصادية في سوريا. وكان آخر الجهود المبذولة في هذا الإطار، هو اجتماع ثلاثي لمستشاري الأمن القومي للولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، عقد في القدس في يونيو/حزيران الماضي، وناقش التواجد والنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة وكيفية إنهائه أو على الأقل تحجيمه وضبطه.

العراق: جبهة إسرائيلية جديدة لتحجيم إيران

بدأت أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، مؤخرًا، تعتبر أن الوجود الإيراني في العراق يشكل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي. وزعمت أن إيران تنقل إلى العراق أسلحة متطورة وصواريخ يتراوح مداها بين 200 و700 كم، قادرة على الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل، وهي صواريخ دقيقة الإصابة وأكثر دقة وتطورًا من الأسلحة والصواريخ الموجودة بحوزة «حزب الله» في لبنان.

وتقول تل أبيب إن طهران تنقل هذه الصواريخ إلى مناطق في شمالي العراق، وتضعها في يد ميليشيات شيعية تابعة لها، استعدادًا  لتوجيه ضربات صاروخية ضد إسرائيل في حال اندلاع مواجهة بين الطرفين.

واعترف بنيامين نتنياهو، بشكل غير مباشر مؤخرًا، بأن إسرائيل مسؤولة عن سلسلة غارات غامضة استهدفت قوات الحشد الشعبي في العراق، والموالية لإيران. ورد نتنياهو، خلال مقابلة مع القناة التاسعة بالتلفزيون الإسرائيلي عندما سُئل عما إذا كانت القوات الإسرائيلية «تعمل في المنطقة بأكملها، بما في ذلك العراق… ضد التهديد الإيراني».

وبعد ذلك بأيام، قال نتنياهو: «إيران لا تتمتع بأي حصانة في أي مكان. قواتنا تعمل في جميع الجبهات ضد العدوان الإيراني. من ينوي قتلك، اقتله أولاً. أوعزت بالاستعداد لجميع السيناريوهات. سنواصل العمل ضد إيران ووكلائها بكل حزم وبشكل يتحلى بالمسؤولية من أجل ضمان أمن إسرائيل».