«كان عامًا هادئًا»، هكذا وصفت القيادة الأمنية في جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2022 في ما يتعلق بالمواجهات مع أصحاب الأرض «الشعب الفلسطيني»، رغم أن عدد الشهداء وصل إلى 165 شخصًا في الضفة الغربية وحدها بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وعلى الرغم من وصف 2022 بأنه عام هادئ، لكنه كان الأكثر فتكًا بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2004، بحسب منظمة «بتسيلم»، وهذا يدفعنا للحديث عن الجيش الإسرائيلي وتعمده قتل الفلسطينيين، خصوصًا الأطفال.

ومستقبل هذا الجيش في ظل حكومة متطرفة يقودها بنيامين نتنياهو في ولاية سادسة له، ويسودها صوت الصهيونية الدينية، سواء كان فكرًا أو أشخاصًا، الذين بدأوا في سن قوانين تبيح قتل الفلسطينيين دون محاكمة أو مساءلة للجنود، أو تعقب لهم، ما دفع عديدًا من المحللين والكتّاب الإسرائيليين لمهاجمة الجيش «الوحشي» وكذلك الحكومة التي تمهد كل الطرق لمزيد من سفك الدماء الفلسطينية البريئة.

القتل بأمر القانون!

اقترح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، وزعيم حزب «القوة اليهودية» (عوتسماه يهوديت)، إيتمار بن غفير، قانون الحصانة الذي يحمي جنود جيش الاحتلال من أي مساءلة قانونية أو محاكمات حال ارتكاب أي جرائم أو قتل أثناء العمليات، ورغم أن بن غفير وأنصاره يعتقدون أن هذا القانون سيحمي الجنود من أي ملاحقات، لكن هناك تحذيرات أمنية إسرائيلية من سن هذا القانون، الذي بحسب ما نشرته صحيفة «هآرتس»، سوف يعرض الجنود للملاحقات الدولية، وسيتسبب في فقدان إسرائيل شرعية العالم.

وأثارت محاولات تحصين الجيش من المساءلة غضب عدة وسائل إعلام ومحللين إسرائيليين، بخاصة أن القوات الأمنية لا تبالي بقتل الأبرياء، الكاتب الإسرائيلي، إيتي روم في صحيفة «هآرتس» كتب مقالًا بعنوان «رخصة قتل لكل جندي»، تحدث فيه عن مقتل الأبرياء الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي مثل أحمد مناصرة الذي استشهد في 2019 بسبب رشقه الحجارة على سيارة تابعة لجيش الاحتلال، ووقتها أطلق عليه الجندي النار خلافًا للتعليمات، ووقتها انتهت القضية بانتهاء أعمال الخدمة للجندي وهي عقوبة تكاد تكون معدومة على قتل شخص بريء، بحسب وصف الكاتب الإسرائيلي نفسه.

وتعجب الكاتب من أسباب بن غفير التي دفعته لاقتراح قانون الحصانة، فزعيم الصهيونية الدينية يرى أن الجنود يصابون بالشلل أثناء العمليات بسبب القانون والخوف من القضاء، وهنا رد الكاتب على بن غفير بأن الجنود الخائفين قتلوا في هذا العام قرابة 150 فلسطينيًا، ولم يتم محاكمة أي شخص منهم حتى الآن، وأن الجيش قتل المئات منذ عام 2017، وهنا يقول الكاتب نصًا: «هذا الواقع لا يوجد أي خوف للجنود، لأنهم يمتلكون بالفعل حصانة رسمية تجعل زنادهم محررة بصورة أكثر».

ماذا لو كانت «جنى» شابًا؟!

شن الكاتب الإسرائيلي المشهور، جدعون ليفي هجومًا كاسحًا على الجيش الإسرائيلي بسبب وحشتيه وهمجيته في التعامل مع الفلسطينيين، وقتلهم بدم بارد، وفي مقالته المنشورة في صحيفة «هآرتس» بعنوان: «ماذا لو كانت جنى زكارنة صبيًا؟»، بدأ حديثه عن استشهاد الفتاة الفلسطينية جنى زكارنة بنت الستة عشر ربيعًا، حيث قنصها جندي إسرائيلي بتسع رصاصات منها واحدة كسرت رأسها بحجة أنها إرهابية حاولت تصوير موقع عسكري، ويرى ليفي أن الموضوع حظي بزخم إعلامي من ضمن عشرات حوادث القتل الأخرى، وهذا نادرًا ما يحدث على حد وصفه، وأكد أن جنى لو كانت شابًا ما سمع أحد عن موتها.

عدد الكاتب الإسرائيلي بعض الشباب في سنة الفتاة الفلسطينية الذين قتلوا جميعهم على يد قوات الجيش الإسرائيلي مثل محمد نوري، هيثم مبارك، مؤمن جابر، حسين طه، ضرار صالح، محمد سليمان، عودة صدقة، غيث يامين، وهنا هاجم الكاتب المجتمع والجيش الإسرائيلي بقوله: «مجتمع يركز على موتاه، ويقدس كل ضحية يهودية ويرفعها إلى مرتبة إلهية كل مستوطن قتيل يصبح قدّيساً، وكل جندي يعتبر وصية إلهية.. هذا المجتمع يكذب على نفسه ويتذرع بالأعذار»، وأكد جدعون ليفي أن الجيش يطلق النيران على أي شيء فلسطيني يتحرك دون أدنى مسؤولية ودون أي ذنب.

جيش لا يحترم الموتى

لا يتوقف الأمر لدى الجيش الإسرائيلي عند قتل الفلسطينيين الأبرياء سواء من الأطفال أو النساء، لكن الأمر يتجاوز تلك المرحلة، حتى بعد زهق الأرواح يتم المتاجرة بجثامينهم في عمل غير أخلاقي ترفضه كل الأعراف والأديان، وهو بحسب ما وصفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأن المتاجرة بجثامين الفلسطينيين يعتبر «عملًا حقيرًا» وذلك في افتتاحية الصحيفة التي كتبها عاموس هرئيل عن رفض الجيش الإسرائيلي إعادة جثمان الشهيد ناصر أبو حميد لذويه رغم أنه مات في سجون الاحتلال بسبب الإهمال الطبي.

استخدام ورقة جثمان أبو حميد في عملية تفاوض يدل على عدم احترام الميت أو حتى أخلاقيات الحروب، ولفتت الافتتاحية إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي ليس وحيد التوجه في عملية احتجاز الجثامين كسياسة فردية، بل إنها سياسة دولة تتبعها إسرائيل منذ 2017 حتى مع تأكيد المحكمة العليا الإسرائيلية على عدم جواز احتجاز الجثامين، لكن الجيش استمر في ممارسة هذا السلوك، بل طلب غانتس نفسه الموافقة على عدم إعادة جثامين الفلسطينيين إلى ذويهم وهو ما أقره المجلس الوزاري المصغر حينها، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن عدد الجثامين الفلسطينية المحتجزة يقدر بالمئات، من ضمنهم أطفال وسيدات.

العنف الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلية سواء الشرطة أو وحدات الجيش المختلفة متنوع ومتعدد الأشكال، ويحكي الكاتب الإسرائيلي، ناتي يفت عن الممارسات العنيفة لوحدة المستعربين في الجيش الإسرائيلي ضد البدو والسكان العرب في مقالة مطولة بدأها بحكاية أحد سكان القرى البدوية في النقب، وهو موسى أبو مريمي الذي استوقفه جنود إسرائيليون ملثمون وصفعوه وضربوه أمام ابنته التي تبلغ من العمر عامين فقط ومصابة بضمور عضلات، لم يرحموا ضعفها ولم يعتبروا وجودها، وتقدم نحوه حوالي 20 شخصًا وأمسكوه من عنقه وضربوه بشكل قاس لمدة تزيد على الساعة، حتى إنه طلب منهم ألا ترى طفلته هذا المشهد، لكنهم لم يرحموه.

ادعت قوات الأمن في بيان رسمي أنه كان يسبب إزعاجًا للجنود أثناء قيامهم بمهمة في المكان، واستعرض الكاتب ما يتعرض له سكان قرية بئر هداج البدوية من وحدة المستعربين الإسرائيلية، مؤكدًا أن الوضع سوف ينفجر في النهاية بسبب العنف الذي تمارسه تلك الوحدة تجاه أي شخص لمجرد أنه عربي.

لا صوت يعلو فوق صوت التطرف

مخاوف كبيرة تحيط بحكومة بنيامين نتنياهو المقبلة التي يشكل معظم وزرائها التيار الصهيوني المتطرف، حتى إن هذه الحكومة تثير مخاوف الإسرائيليين أنفسهم، أي شخص لا ينتمي للحريديم أو المتدينيين يعتبر في مهب الريح أمام حكومة قادمة كل أفرادها متطرفون صهيونيون.

عن هذه المخاوف تحدث الكاتب الإسرائيلي يوسي كلاين في مقالة له بعنوان «العلمانيون ضد المتطرفين: قصة خوف وكراهية وعار»، أكد فيها أن الخوف من الصدام أصبح الصوت السائد في المرحلة الحالية، فالعلمانيون يخشون سطوة المتدينين وهو صوت الديمقراطية الحالي في إسرائيل، حيث الرغبة الجامحة في الصهيونية المتطرفة وهو ما أفرزته الانتخابات وأقرته الديمقراطية، لذلك فالصدام سيزيد لا محالة.

ولكن حتى مع زيادة وتنامي الخوف في العالم أجمع إزاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية القادمة، ترى صحيفة «هآرتس» في مقالة للكاتب يوسي ملمان أن الإدانة فقط هي ما يملكها الأوروبيون وغيرهم إزاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وهو ما يعزز إمكانية فرض عقوبات دولية على الدولة العبرية في الفترة المقبلة.