في منتصف يونيو/حزيران الجاري، يمر عام على انتخاب الحكومة الإسرائيلية السادسة والثلاثون برئاسة نفتالي بينيت، والمكونة من اتحاد حزبي «هناك مستقبل» بقيادة يائير لابيد وكتلة «يمينا» بزعامة نفتالي بينيت، بالتناوب بينهما، ومرت الحكومة الحالية بالعديد من التحديات خلال عامها الأول كادت تعصف بها، وما زالت التحديات مستمرة، وبقاء الحكومة يظل مهددًا بسبب تلك الأزمات المتوالية.

يعتبر تحدي استمرار الحكومة الحالية حتى نهاية ولايتها هو التحدي الأكبر الذي يواجه نفتالي بينيت وشريكه في الحكم يائير لابيد الذي سيتسلم مهام منصبه كرئيس للحكومة في أغسطس/آب 2023 حال استمرار الحكومة الحالية.

وتمتلك الحكومة الحالية ستين مقعدًا في الكنيست، بعد انسحاب النائبة من حزب يمينا، عيديت سليمان، من الائتلاف الحكومي، على خلفية إدخال وزير الصحة الإسرائيلي اليساري «نيتسان هوروفيتش» خبز خميرة خلال عيد الفصح داخل المستشفيات، خلافًا للشريعة اليهودية التي تمنع الخميرة في ذلك اليوم، وهو ما رفضته سليمان، وقالت على إثر الواقعة في تصريحات صحفية: «لدي آمل في أن يحترم وزير الصحة نيتسان هوروفيتش الشعب، وعليه أن يحترم التحالف المنضم له، وعلينا أن نحترم مشاعر الجمهور المتدين في الدولة، ولا يمكن أن نسمح له بالاستمرار في منصبه كوزير صحة، ولا يمكنني البقاء في منصبي».

تحديات لا تنتهي

تتكون الحكومة الحالية من أحزاب «هناك مستقبل» و«أزرق وأبيض» و«يمينا» و«العمل» و«إسرائيل بيتنا» و«أمل جديد» و«ميرتس» و«القائمة العربية الموحدة»، أي أنها تجمع بين اليمين والوسط واليسار الصهيوني علاوة على العرب، وهو تكوين لم يحدث في تاريخ إسرائيل من قبل.

وفي منتصف مايو/آيار الماضي، أعلنت النائبة من حزب ميرتس، غيداء ريناوي زعبي، انسحابها كذلك من الائتلاف الحكومي على خلفية اغتيال الجيش الإسرائيلي للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وهو ما جعل الائتلاف الحكومي عبارة عن 59 مقعدًا في الكنيست، ما دفع حزب الليكود للإعلان عن نيته تقديم مشروع قانون لحل الكنيست، لكن سرعان ما التقى وزير الخارجية يائير لابيد النائبة المنسحبة في مقر وزارة الخارجية الإسرائيلية، ومن ثم أعلنت عن العدول عن قرارها من جديد، وعادت إلى الائتلاف الحكومي، وهو ما جعل الحكومة تمتلك نصف المقاعد داخل الكنيست بإجمالي ستين مقعدًا، لتظل حكومة هشة وقابلة للتفكك حال انسحاب أي عضو من إجمالي العدد الحالي.

وأصبحت الحكومة الإسرائيلية الحالية عاجزة عن تمرير القوانين داخل الكنيست، حيث فقدت الأغلبية، وشرط تمرير القوانين أن يكون المصوتون عددهم 61 عضوًا، أي أكثر من نصف الأعضاء بعضو واحد، والآن الحكومة تملك 60 مقعدًا فقط. ومطلع يونيو/حزيران الجاري، لم تستطع الحكومة تمرير قانون الأبارتهايد، وهو ما وصفه الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي ناحوم برنياع بأنه دليل على عدم النجاح، وأن الحكومة أصبحت أقلية، وقانون الأبارتهايد أو كما يلفظ أحيانًا «الأبارتايد»، هو قانون يؤكد «الدولة القومية اليهودية»، وهو قانون يشرعن لفكرة الفصل العنصري، بين عرب 48 الذين يعيشون في الأراضي المحتلة والذين يمثلون نحو 20% من إجمالي السكان، وبين الإسرائيليين حاملي الجنسية والديانة اليهودية، وبحسب تحقيق لمنظمة العفو الدولية فتمارس إسرائيل نظامًا من القمع والفصل العنصري في كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها في الأراضي المحتلة وضد اللاجئين الفلسطينيين لصالح اليهود الإسرائيليين.

يضاف إلى ذلك التهديدات المستمرة من أعضاء الحكومة الحالية بالانسحاب من الائتلاف، آخرهم وزير القضاء، جدعون ساعر، الذي هدد مرارًا بالانسحاب، فيما كشفت تسريبات إسرائيلية أن الأخير يحاول التنسيق مع بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة بديلة، باعتبار أن الحكومة الحالية على وشك الانهيار. فكرة الانسحاب من الائتلاف لم تكن لدى ساعر وحده، بل نجد عضو الكنيست، نير أورباخ، يفعل الأمر نفسه ويهدد بالانسحاب من الحكومة.

هناك أيضًا مشكلة مشاركة «القائمة العربية الموحدة» في تلك الحكومة. فمع كل صدام يقع بين القوات الأمنية الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، تطفو على السطح الخلافات بين عناصر الحكومة التي تضم عربًا من المفترض أنهم يدافعون عن المواطنين العرب الذين يواجهون الاحتلال، فحينما تناقش الحكومة سبل المواجهة تزيد المواجهة بين الأطراف. وفي هذا الصدد، يرى «موردخاي كيدار»، الباحث في مركز بيجن-السادات، أن عدم وجود تجانس بين أفراد الحكومة ووجود أيديولوجيات مختلفة يعرضها للانهيار في أي وقت على خلفية أي موضوع أو نقاش.

وتكفي هنا الإشارة إلى أن المواجهات في باحة الأقصى بين يهود متطرفين ومواطنين عرب خلّفت عشرات الإصابات بين الطرفين وأدت إلى ثورة قائمة منصور عباس التي اعترضت على العنف الإسرائيلي، وصرح أعضاؤها بأنهم لا يستطيعون السكوت عمّا يحدث وأن الأقصى والقدس يجب أن يكونا خارج أي صراع سياسي. وهنا يزيد الاختلاف بين أعضاء الحكومة حول سبل حل الأزمة، وهو ما يزيد الأعباء على كاهل الحكومة التي يتزعمها بينيت.

حكومة خير من لا شيء

المشهد الحالي يطرح إمكانية حل الحكومة الحالية وعدم استكمال فترتها، نظرًا لأنها حكومة عرجاء وهشة ولا تمتلك سوى 60 مقعدًا، من ضمنهم 4 مقاعد لـ«القائمة العربية الموحدة» التي تشارك في الائتلاف الحاكم نكاية في زعيم المعارضة وزعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، حيث تخشى القائمة عودة نتنياهو للحكم حال تفكك وانهيار الحكومة الحالية، بالتالي من الصعب الانسحاب من الائتلاف، ما يعني أن الحكومة من دون القائمة العربية تمتلك 54 مقعدًا فقط، وليس من المستبعد أن ينسحب أحد أقطاب اليمين كما حدث في الأيام الماضية وهو ما تأمل فيه المعارضة بهدف إسقاط الحكومة التي وصفها نتنياهو بالهشة والضعيفة، لذلك سيناريو السقوط وارد وبشكل قوي. يكفي فقط انسحاب عضو واحد لتقديم مشروع قانون لحل الكنيست، وهي الفرصة التي ينتظرها نتنياهو وأنصاره.

السيناريو الثاني هو بقاء الحكومة الحالية بإجمالي 60 مقعدًا فقط، فكافة أعضاء الحكومة يحاولون بشتى الطرق استمرارها، حيث أفاد تحليل للجامعة العبرية بأن أفراد الحكومة حريصون أكثر من غيرهم على بقائها لإدراكهم بأنه حال إجراء انتخابات، فإنهم لن يتوصلوا لنفس عدد المقاعد الحالي، وبالتالي يفقدون القدرة على تشكيل الحكومة مجددا، ما يدفعهم للتنازل عن اشتراطات وأيديولوجيات خاصة بهم في سبيل استمرار الحكومة وعدم تفككها.

وضرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس، يوناثان روعي فريمان مثلًا بخوف بعض أعضاء الكنيست من الذهاب لانتخابات بقائمة منصور عباس، من عرب 48، التي من المحتمل ألا تصل إلى نسبة الحسم الانتخابية، بالتالي فقدان القائمة لمقاعدها الأربعة، وهو ما يعني فقدان الحكومة الحالية لأربعة مقاعد حال سعيها لاعادة تشكيل الحكومة مجددًا بعد انتخابات جديدة، وهو ما يعني فشلها في تشكيل الحكومة. ووفقًا لآخر الاستطلاعات، والمنشور في القناة 13 بالتلفاز الإسرائيلي، فقد ثبت أنه حال إجراء انتخابات، فإن أحزاب الحكومة الحالية سوف تحصل على ثلاثة وخمسين مقعدًا فقط، بينما يحصل نتنياهو ورفاقه على 59 مقعدًا، و«القائمة المشتركة» (تحالف أحزاب عرب 48 الذي انشق عليه منصور عباس مشكلا «القائمة الموحدة») على 8 مقاعد.

وحاول نفتالي بينيت استجداء عطف اليمينيين المؤيدين والكارهين لنتنياهو، حيث صدّر صورة عن الحالة الخطرة التي تعيشها الحكومة. وكان أول تعليق له عقب تحول الحكومة إلى أقلية بأن مستقبل إسرائيل في خطر، حيث كتب على تويتر تعقيبًا على تحول الحكومة إلى أقلية بقوله: «تحملي لمسؤولية تشكيل حكومة إنقاذ كان خيارًا صعبًا، لكن مستقبل إسرائيل في خطر، وعلينا أن نكافح للحفاظ على وحدة شعبنا، فليس لدينا دولة أخرى».

وبشكل عام، يحاول بينيت إظهار حكومته بشكل ناجح بحديثه عن تحقيق إنجازات مثل زيادة نسبة النمو إلى 8%، وانخفاض معدل الجريمة في المجتمع العربي، والهدوء الذي يعيشه سكان غلاف غزة وسديروت، فضلًا عن تمرير الميزانية، وكلها إنجازات في نظر بينيت الذي يرى أنه تحمل أعباء لا قبل له بها بتشكيل حكومة إنقاذ، تخلى أعضاؤها عن أيديولوجياتهم المختلفة ونحّوها جانبًا من أجل إسرائيل، وهو نفس الموقف الذي تبناه يائير لابيد شريك نفتالي في الحكم، لذلك فإنهم حريصون على الحكومة الحالية.

حكومة يمينية خالصة؟

هناك سيناريو ثالث، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية من عناصر اليمين فقط والأحزاب ذات التوجهات الدينية المتشددة، وهو سيناريو ممكن في حالة وقوع مزيد من الانهيار الأمني وعدم القدرة على صد الهجمات الفلسطينية وتصاعد حدة المواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية سواء داخل القرى والمدن العربية في أراضي 48 أو في الضفة الغربية.

ومن المفترض أن يتسلم وزير الخارجية يائير لابيد مهام منصبه كرئيس للوزراء في أغسطس/آب 2023. ونرى أنه وفقًا للأحداث الماضية، من الصعب الوصول إلى هذا التاريخ، وعليه فإنه من المتوقع انهيار الحكومة قبل هذا التاريخ، وهناك سيناريوهان محتملان، هو الذهاب لانتخابات مبكرة خامسة، أو تكوين حكومة من أقطاب اليمين فقط، وسيتم مناقشة انضمام نتنياهو لها، وقد تطرح فكرة التناوب مجددًا، لكن هذه المرة قد يكون يائير لابيد خارج هذا المكون السياسي والمشهد، وقد يظهر أشخاص آخرين مثل أفيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أو قد يكون التناوب بين نتنياهو ونفتالي بينيت، وفي هذه الحالة سوف تستبعد الحكومة المحتملة في هذا السيناريو انضمام العرب إليها، وسيعوض نتنياهو والليكود هذا العجز الذي سيتركه العرب.

ولكن لتحقيق سيناريو تشكيل حكومة يمين فقط، قد يسبق هذا أعمال تصعيدية بين القوات الإسرائيلية والعرب، ولا نستبعد شن عملية عسكرية سواء في الشمال مع حزب الله أو الجنوب مع حماس والمقاومة في قطاع غزة، لأن سيناريو تكوين حكومة يمينية بامتياز يجب أن يسبقه حالة من الخوف والهلع لتوحيد أقطاب اليمين على قلب رجل واحد من أجل المواجهة بحجة أن دولة إسرائيل تتعرض لخطر البقاء والوجود.