أحداث عاصفة تمر بها دولة الاحتلال، داخليًا وخارجيًا، مع عودة بنيامين نتنياهو إلى سُدة الحكم في إسرائيل. وصل نتنياهو هذه المرة إلى ذروة تطرفه بتشكيله الحكومة الأكثر يمنية وتطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال. لا تكتفي الحكومة الجديدة بصهيونيتها المتطرفة التي ترفض القبول بأي حقوق للشعب الفلسطيني، بل يدفعها ميلها الشعبوي إلى تأجيج صراع مع أجهزة ومؤسسات الدولة بهدف إضعافها لصالح فرض هيمنة صاعدة لقوى الصهيونية الدينية وأقصى اليمين، سواء في القضاء أو التعليم أو حتى المؤسسات الأمنية.

في هذا الإطار، يتفجر الوضع داخل الجيش الإسرائيلي نفسه الذي عانى من مشكلات داخلية مؤخرًا من بينها شكاوى التحرش الجنسي ضد مجندات الجيش، وانتحار بعض المجندين. فقد اتجه مجندون إلى إعلان عدم الرغبة في استكمال الخدمة داخل صفوف الجيش بسبب الحكومة الحالية.

«هذا الجيش لم يعد جيشيًا»

نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية شهادة رائد احتياط (أ) حول الجيش الإسرائيلي، حيث أبدى الرائد احتياط «أ» تشاؤمًا كبيرًا من الوضع الذي سيصل إليه الجيش تحت قيادة الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، فقد وصف الرائد نتنياهو بأنه فاسد جراء ثبوت اتهامه بالتورط في قضايا فساد.

هاجم الرائد احتياط «أ» من انتخبوا حزب الليكود الحاكم، وشدد على أن رغبتهم هي محق وسحق الأقليات التي تعيش في دولة الاحتلال، مؤكدًا أنه غير مستعد للخدمة في الجيش في ظل وجود هذه الحكومة. وبحسب الصحيفة، فقد طلب الرائد إيقاف خدمته في الجيش على الفور، بل دعا زملاءه وكل أفراد دولة الاحتلال للتظاهر ضد حكومة نتنياهو، مؤكدًا أنه لن يكشف عن شخصيته خوفًا من اغتياله أو تعقب أسرته أو وصفه بأنه خائن للجيش والدولة.

واختتم كلامه بقوله:

لدي مخاوف لأن الوضع الحالي ضبابي وظلامي ومخيف، فهذه ليست إسرائيل التي أعرفها، وهذه ليست حكومتي، كما أن هذا لم يعد جيشيًا.

التحرش والاغتصاب

بحسب تقرير نشرته هيئة البث الإسرائيلية «مكان» في يوليو/تموز الماضي عن التحرش الجنسي داخل الجيش الإسرائيلي، فقد تفاقمت حالات التحرش والاغتصاب داخل الجيش، وازدادت حالات الإبلاغ عن تعرض المجندات للاغتصاب مؤخرًا، وبحسب التقرير فقد شهد عام 2020 تسجيل 22 حالة، بينما في عام 2021 تم الإبلاغ عن 46 حالة.

وفيما يتعلق بالتحرش، سجلت التقارير الإبلاغ عن 719 حالة في 2020، وفي عام 2021، 851 حالة، وفي عام 2022 تلقى الجيش 542 طلبًا للتعامل مع حالات نفسية تعرضت لحوادث مماثلة.

وبحسب التقرير، فإن جيش الاحتلال يشجع الجميع على الإبلاغ عن حالات التحرش والاغتصاب، وإجمالًا سجل الجيش في عام 2022، 1567 بين تحرش واغتصاب، وتشير تقارير أخرى إلى أن البعض يقدم على تصوير المجندات سرًا ويتم ابتزازهن ومساومتهن حتى يتم التحرش أو الاغتصاب، وكلها قضايا تهدد الجيش الإسرائيلي.

الانتحار يهدد الجميع

نشر مركز غايا الإسرائيلي المتخصص في الدعم العقلي والعاطفي دراسة بعنوان «التهديد بالانتحار في الجيش»، تناول فكرة الانتحار داخل جيش الاحتلال كإحدى المشاكل الرئيسة التي تهدد الجيش.

بداية، أشارت الدراسة إلى أنه رغم أهمية الخدمة في الجيش لكنها تنطوي على مخاطر بالنسبة للشاب المنضم للجيش، مبينًا أن الانتحار يحصد أرواحًا كثيرة كل عام، وكشف أن الانتحار قضية معقدة وحساسة وهناك مشاحنات في الرأي العام الإسرائيلي بسببها، وتساءلت الدراسة حول آليات تعامل الجيش نفسه مع موضوع انتحار الجنود، وشددت على أن قادة الجيش عليهم فهم لماذا يُقدم المنتحرون على إنهاء حياتهم أثناء الخدمة في الجيش.

وكشفت الدراسة عدم وجود أرقام دقيقة تبين عدد المنتحرين بسبب تحفظ الجيش على مثل هذه البيانات ونشرها، خوفًا من الإضرار بالروح الوطنية في دولة الاحتلال بحسب الدراسة، لكن التقديرات تشير إلى أن 35 شخصًا يقومون بالانتحار كل عام داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر بحسب الدراسة مثير للقلق ويجب أخذه على محمل الجد.

كشفت الدراسة إلى أن من ضمن الأسباب التي تقود الجنود للانتحار هي الإصابة بأمراض شديدة أثناء الخدمة، أو الوضع المالي المتأزم، أو الطلاق وفقدان الزوجة، أو الشعور بحالات اكتئاب حاد، أو شعور بالقلق، كذلك صعوبة التكيف في الخدمة، أو الصدمة مما يراه الجنود. وبحسب الدراسة، فإن الشهور الستة الأولى أو الأخيرة في الخدمة هي أكثر فترات التعرض للانتحار.

ووجهت الدراسة بضرورة دراسة أسباب الانتحار السابقة، وكذلك قراءة رسائل المنتحرين قبل وفاتهم، وبعدها يتم تقديم العلاج النفسي للجميع حتى لا تتفاقم الظاهرة التي تهدد الجيش الإسرائيلي، واختتمت الدراسة بأن البعض يساوم الجيش حتى يتم استبعادهم من الخدمة، لذا هناك صعوبة في تحديد الحالات الحقيقية من المزيفة.

التخلي عن الجيش

الأزمات المتعاقبة داخل الجيش الإسرائيلي، جعلت منه عُرضة للانتقاد، ومع تولي الحكومة اليمينية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، زاد الوضع سوءًا، وأعلن وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعالون، أن عددًا من ضباط الجيش تخلوا عن رتبهم العسكرية احتجاجًا على سياسة الحكومة الحالية، وشدد يعالون في مقابلة صحفية على أن إسرائيل تشهد حالة من العصيان المدني، وأن ضباطًا تركوا الخدمة في الجيش بسبب سياسة الحكومة الحالية.

وفي سياق متصل، وفي ما يتعلق بالعصيان المدني وتدخل بعض رموز الجيش في قيادته، دعا نائب رئيس الأركان السابق، يائير جولان، للبدء في عصيان مدني لمنع حكومة نتنياهو من تطبيق خطة وزير العدل والقضاء، ياريف ليفين، التي تهدف لتقويض سلطات المحكمة العليا، والتدخل في شؤون القضاء مما يهدد ما يعرف بالديمقراطية الإسرائيلية المزعومة.