تقترب صافرة البداية لكأس العالم 2022 في قطر، وبالطبع كلما اقترب الموعد يزداد الجدل حول المبالغ الطائلة التي تكلفتها تلك الاستضافة، عن قدر هذه الأموال وعن فائدتها المتوقعة.

آخر التقديرات أن مقدار ما أنفق حتى الآن تجاوز 220 مليار دولار. ولكي تدرك أين يقع هذا الرقم من المنطق، فإن كأس العالم الأخيرة في روسيا تكلفت 11.6 مليار دولار، بينما تكلفت البرازيل في 2014 حوالي 8.6 مليار دولار، وتكلفت جنوب أفريقيا 3.6 مليار دولار في عام 2010.

الرقم ضخم بلا شك، حتى وإن كان مشتملًا على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي قامت بها قطر، كالمطارات وخطوط المواصلات، وكذلك بناء مدينة كاملة بكل ما تستلزمه من خدمات.

لكننا سنتخطى كل ذلك ولن نناقش صحة الأرقام أو منطقيتها، لنجيب على سؤال أهم، ماذا تنتظر قطر من استضافة كأس العالم؟ ولماذا أنفقت كل هذه المليارات؟

ريادة عربية

حين تمر على تاريخ المنطقة العربية في السنوات العشر الأخيرة، ستدرك أن كأس العالم كان ضيفًا دائمًا على ساحة الصراعات، حيث كان عنصرًا أساسيًا في الصراع الإماراتي القطري، والذي تطور إلى حد حصار اقتصادي كامل لقطر كاد أن يودي بحلم كأس العالم.

دون مواربة، فإن الإمارات رغبت في تنظيم كأس العالم، وكان فوز ملف قطر كأول دولة عربية سببًا للمشاكل، وإن ظل ذلك خفيًا لفترات فقد خرج للواجهة فترات أخرى، لدرجة أن ضاحي خلفان نائب شرطة دبي صرح به مباشرة إبان الحصار الخليجي.

ولفهم السبب الذي جعل لكأس العالم هذه الأهمية، فإن الصراع على الريادة العربية هو المحرك الأساسي للثنائي في رغبتهما للاستضافة، ترى الإمارات نفسها باعتبارها الدولة العربية الأكبر حاليًا، وبالتالي فإن شرف استضافة أول بطولة كبرى عربيًا لا يجب أن يخطئها.

دفع ذلك الإمارات لتسلك الكثير من الطرق لمنع قطر من استكمال استضافة البطولة، أو إجبارها على الاستضافة المشتركة على أقل تقدير.

أشارت بعض التقارير أنها حاولت بصحبة دول عربية تقديم طلب للفيفا بسحب التنظيم، كما خرجت الكثير من الحملات الإعلامية للتشكيك في قدرة قطر على الوفاء بعهودها.

ولذلك سيكون تنظيم قطر للبطولة نقطة تفوق واضحة لها في هذا الصراع، والذي لم يعد بالحدة ذاتها عقب المصالحة بين البلدين، لكنه ما زال في بال الجميع بالطبع ولن يستطيع الطرفان إنكار ذلك.

الغسيل الرياضي

يمتلك هذا المصطلح سمعة سيئة في عالم الرياضة لكثرة ما صاحبه من جرائم في الآونة الأخيرة، لكنه جزء مهم من الرياضة طوال تاريخها بلا شك، وجزء أساسي من أسباب استضافة الدول لكأس العالم في كل مرة.

تقدم الرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا إمكانية لتلميع الصورة وتقديم اسم الدولة للعالم بصورة مختلفة، بحيث يكون ذلك إعلانًا أمام العالم، وتنوي قطر أن تستغل ذلك لتظهر قوتها الناعمة، ويكون بداية لعصر جديد تلعب فيه الدولة الصغيرة دورًا أكبر على مستوى العالم.

كأس العالم هو البطولة الأهم في تاريخ الرياضة، وسيمهّد لرفع اسم قطر وعلامتها التجارية عالميًا، وذلك من خلال إفساح المجال أمام شريحة عالمية متنوعة من المشجّعين لمشاهدة مزايا الدولة العامة، إلى جانب إفساح المجال أمام تركيز اهتمام وسائل الإعلام على دولة قطر قبل وأثناء وبعد الحدث.

وهو ما سيكون جزءًا من إستراتيجية مستمرة تستعرض فيها قطر قدراتها أمام العالم، تمهيدًا لخطوات مستقبلية أكبر.

انتعاشة اقتصادية

بلا شك، فإن هذا هو الهدف الأول والوعد الأهم الذي تعلنه كل دولة تقرر استضافة كأس العالم، أنه سينعش الاقتصاد وسينتفع الجميع بعوائد ذلك خلال سنوات قليلة.

وتنتظر قطر أن يساهم كأس العالم في دفع اقتصادها عبر أمور عدة. وبعيدًا عن المكاسب القريبة في أثناء البطولة، فإن الرغبة الأهم هي جذب أنظار أصحاب الأموال، وبالتالي تدفق الاستثمارات في مختلف المجالات بعد البطولة.

حيث سيكون كأس العالم فرصة لعرض إمكانيات قطر المادية، وقدراتها الخدمية والتنظيمية، كما سيشاهد الجميع قدرات قطر التكنولوجية التي حاولت إبرازها في كل جوانب البطولة.

 وسيكون إبراز قطر لقوة مستوى البنية التحتية المتمثلة في الطرق والمطارات والمستشفيات مع عرض تسهيلاتها وخدماتها للمستثمرين عوامل جذب مهمة يبحث عنها المستثمرون، وهو ما تطمح إليه قطر كبداية لعهد ما بعد الطاقة، وامتداد لخطة التنمية الشاملة قطر 2030 التي تعمل عليها البلاد.

السياحة

يسكن قطر نحو 3 مليون نسمة. هل تعلم كم يتوقع أن يزور البلاد خلال شهر كأس العالم فقط؟ 1.2 مليون نسمة طبقًا لفاطمة النعيمي المديرة التنفيذية لإدارة الاتصال باللجنة العليا للمشاريع والإرث.

هذا معدل من السياح لم تشهده قطر من قبل، وقد بذلت مجهودًا واسعًا لتتمكن من التعامل مع ذلك العدد، واضطرت لابتكار عدد من الحلول لتوفير أماكن مجهزة تستوعب الأعداد المتوقعة، كان من بينها فنادق عائمة وخيام مجهزة، كما فتحت الباب لاستضافة الضيوف في منازل القطريين أنفسهم.

وتراهن قطر أن تجربة السياح القادمين لمطارات وفنادق وخدمات قطر الفاخرة سيدفعهم لتكرار التجربة، لتضع بذلك قدمها على خارطة السياحة العالمية.

حيث تجمع قطر بين الفنادق الفاخرة والشواطئ وبين التجربة العربية الأصيلة حيث الخيام والصحراء الممتدة، وقد بنت قطر مدنًا كاملة على هيئة خيام ستقدم تجربة مختلفة للزوار، وهو ما قد يُعرف الملايين بالفعل عن وجهة سياحية جديدة لم تكن مشهورة لأغلبهم.

تطمح قطر بذلك لإضافة مورد إضافي متجدد للدخل، ناهيك عن الأموال المتوقعة أثناء تواجد هذا العدد الضخم خلال كأس العالم، والذي يتوقع أن ينعش كل القطاعات الخدمية خلال شهر البطولة.

كوادر المستقبل

يبقى هذا أحد رهانات قطر الأهم، حيث بذلت الدولة مجهودًا واسعًا في تطوير التعليم والبحث العلمي، وكذلك جذب المواهب من جميع أنحاء العالم في شتى المجالات.

سمح ذلك للشباب القطري بالتواجد في بيئات عمل قادرة على تعليمه وتطويره، وخاضوا الكثير من التجارب التي صقلت موهبتهم، كما تقوم بعض المجالات على كوادر قطرية بالكامل، وهو ما ظهر في العديد من الأحداث التي استضافتها الدوحة خلال السنوات الأخيرة.

بذلت قطر في مجال كالتكنولوجيا الكثير من الجهود وتمتلك حاليًا عددًا من المشروعات الكبرى في المجال، مثل مشروع «Project Stadia» المختص بالأمن السيبراني، كما تحتوي واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا على عشرات الشركات الناشئة المؤثرة حول العالم.

سمح ذلك بإعداد جيد للجيل الجديد، وبرزت العديد من المواهب القادرة على تنظيم بطولة مثل كأس العالم، وهم من تعول عليهم قطر كثيرًا لتنفيذ تطلعات الدولة في المستقبل.

وعود نظرية

لا تنتهي الفوائد النظرية المفترضة لقطر عند ذلك الحد، لكن ربما تقدم هذه الإجابات ردًا كافيًا لسؤالنا الأول.

ورغم ذلك، تبقى الكثير من الأسئلة المهمة لا بد أن يسألها الجميع، وهي: هل ستتحقق تلك الآمال بالفعل أم ستكون مجرد وعود وهمية كما حدث في أغلب بطولات كأس العالم؟ والسؤال الثاني: هل استحق الأمر إنفاق رقم يصل إلى 220 مليار دولار؟ لكن هذه قصة أخرى ليوم آخر! إلى اللقاء.