محتوى مترجم
المصدر
MEE
التاريخ
2019/11/24
الكاتب
ريتشارد سيلفرشتاين

عام 2008، أثناء إصدار باراك أوباما دعوته التاريخية للبيت الأبيض، أسست مجموعة من الصهاينة الليبراليين المحبَطين من القبضة الخانقة للآيباك على الخطاب المرتبط بإسرائيل، لوبي بديلاً في الولايات المتحدة الأمريكية. 

كان من بين المؤسسين دانييل ليفي، الذي كان والده وزيرًا عماليًا كبيرًا في المملكة المتحدة، وجيرمي بن عامي الذي كان والده عضوًا بارزًا في منظمة إرجون اليهودية في الفترة ما قبل تأسيس الدولة. وسعوا لإنشاء منظمة «مؤيد لإسرائيل، مؤيد للسلام»، تضغط استنادًا إلى القيم الديمقراطية الليبرالية التي يتبناها إعلان استقلال إسرائيل، كما خططوا لجمع الملايين لدعم مرشحي الكونجرس المستعدين لسحق الآيباك ومعارضة الاحتلال. 

«العمل قيد التنفيذ»

يوم الإعلان عنها، كتبتُ في صحيفة الجارديان: «حضرتُ فورًا.. وأثلج صدري جهد منظمة جي ستريت. حاولت أن أكون واقعيًا بعد أن شعرت بالإحباط من جراء جهود مماثلة سابقة، لا زلتُ غير مقتنع تمامًا بأنها ستنجح، لكنها مبادرة شجاعة وطموحة ومدروسة وقابلة للتنفيذ. كان للعديد من الجهود السياسية الأخرى الحمقاء في الماضي واحدة أو اثنتين من تلك الصفات، لكن القليل منهم كانت لديه كل هذه الميزات، فكانت الظروف مواتية لصالح جي ستريت». 

في العام التالي، حضرتُ مؤتمرها الأول ونظمتُ لجنة شبه رسمية من المدونين الإسرائيليين الفلسطينيين التقدميين. بقيتُ متفائلًا بحذر، وكتبت في تدوينة: «لم يعد الآيباك مسيطرًا بالكامل على الخطاب، ولم تعد الحكومة الإسرائيلية تمتلك القيادة اليهودية الأمريكية بأكملها… كان ثمة تنوع أكبر في الخطاب في الـ 18 شهرًا الماضية، منذ انطلاقة منظمة جي ستريت عمّا كان في العقد الماضي… لكنني لا أريد الإفراط في رسم صورة وردية. لا تزال منظمة جي ستريت عملًا قيد التنفيذ». 

في الأسبوع الماضي، عقدت منظمة جي ستريت مؤتمرها الوطني لعام 2019، والذي كان إنجازًا آخر لجماعة اللوبي، حيث تزينت منصتها بالعديد من مرشحي الرئاسة الديمقراطيين، الذين قدموا رؤاهم لسياسة أمريكية جديدة تجاه إسرائيل. خطف المرشح بيرني ساندرز الأضواء، ببيان جديد مفاده أن بعض المساعدات الأمريكية السنوية البالغة حوالي 4 مليار دولار لإسرائيل، يجب الاستفادة منها لدعم مليوني فلسطيني تحت الحصار في غزة.

كرست وسائل الإعلام الأمريكية الكثير من صفحاتها لهذا التقدم، حتى صحيفة نيويورك تايمز المعروفة بصهيونيتها الليبرالية الحذرة، نشرت قصة كبرى للانقسامات المفترضة في الدروع المؤيدة لإسرائيل، التي تمثلها ملاحظات ساندرز.

صنّفت مجلة 972 مارياف زونسزين كأكثر الشخصيات واقعية، ومشيت بحذر على هذا الخط الحرج دون تجاوزه. 

النهج التدريجي 

بالنظر إلى التغطية المذهلة، يجدر تقديم تقييم أكثر أهمية لجي ستريت و«الإجماع» الصهيوني الليبرالي بين المجتمع اليهودي الأمريكي الرئيسي. في غضون عام أو عامين من تأسيسها، اتخذتُ رأيًا متشككًا حول جي ستريت، بأنها تؤيد الغزو الإسرائيلي لغزة، إذ هاجمت التحقيقات الدولية حول جرائم الحرب الإسرائيلية مثل تقرير جولدستون، ورفضت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) وحماس، وحثت إدارة أوباما على رفض قرار للأمم المتحدة يطالب بإيقاف المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. في تلك المرحلة، انضممتُ إلى النقاد الآخرين في تسمية المنظمة بـ «AIPAC Lite – النسخة المخففة من آيباك» و «يهود من أجل أوباما».

تمنيتُ أن تصبح جي ستريت موطنًا للأفكار الجديدة حول المأزق الإسرائيلي الفلسطيني. بدلًا من ذلك، أصبحت وسيلة لتمويل المرشحين الذين يدفعون صخرة سيزيف الشاقة[1]، بينما يهتز الجبل الذي يكافحون من أجله. تبنت المنظمة نهجًا تدريجيًا، يرى كثير من نقادها أنه ضعيف جدًا ومتأخر جدًا

دعم جي ستريت المستمر لحل الدولتين في وجه الرفض الإسرائيلي، جعلها بعيدة بشكل متزايد عن الواقع. فهي تسمح لليهود الليبراليين الأمريكيين وجناح أوباما وكلينتون وبايدن في الحزب الديمقراطي، بطمأنة ضميرهم بأنهم «يفعلون الصواب»، بينما هم لا يفعلون شيئًا. يحوم هذا النهج على هامش المشكلة، في حين أن اليمين المتطرف المهيمن في إسرائيل تخلص بمنهجية منذ أكثر من نصف قرن من الأساس الديمقراطي للدولة. 

الفشل الآخر لجي ستريت تمثل في رفضها الاعتراف بالدور الحاسم الذي يجب على الفلسطينيين لعبه في أي حل للنزاع، فهم عديمو المنفعة. 

معاناتهم منذ النكبة عام 1948، ووجودهم كأقلية ذات قيمة داخل النظام السياسي الإسرائيلي، إما أن يتم تجاهلهم أو رفضهم. هذا تملق مدفوع الأجر، لكن دعم إسرائيل كدولة يهودية تتمتع فيها الأغلبية اليهودية بحقوق إضافية، هو خطأ قاتل. 

استبعاد وجهات النظر غير الصهيونية

عرض المؤتمر الوطني بعض المتحدثين الفلسطينيين، الذين ينتمون أساسًا إلى السلطة الفلسطينية وتيارات معتدلة للسياسة الفلسطينية، وجهود التعايش الإسرائيلي الفلسطيني (أي التطبيع). من بينهم مفاوض السلام الفلسطيني القديم صائب عريقات، وأيمن عودة زعيم الجناح المعتدل في القائمة المشتركة، والمثير للدهشة؛ عيسى عمرو من «شباب ضد المستوطنات». 

سبق بيان فلسطيني هام المؤتمر، قال إن المشاركة في المؤتمر ألغت مصالح الفلسطينيين: «هذه رسالة مفتوحة من الفلسطينيين في الولايات المتحدة، الذين تحركهم قيم المساواة والحرية والعدالة للجميع، والذين تتأصل مطالبهم بحرية الفلسطينيين في قيمهم». 

«لا تتماشى مواقف جي ستريت مع هذه القيم… فهي تتجاهل أصواتنا… وتدفع بدلًا منها أجندتها في الأوساط الليبرالية والتقدمية، بطرق ضارة لنصرتنا لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان». 

قال البيان إن العديد من الفلسطينيين الذين دُعوا للظهور في المؤتمر «لا يمثلون المجموعة الكاملة للفلسطينيين المختارين لتحقيق الحرية والعدالة لشعبنا»، و«دعم جي ستريت لا يمثل رؤية تقدمية للفلسطينيين والإسرائيليين». 

كانت رؤيتي الأصلية لجي ستريت أنها ستكون بمثابة خيمة كبيرة تضم مجموعة واسعة من الآراء التقدمية حول إسرائيل وفلسطين، لكنني علمت عاجلًا أن هذا ليس هو الحال. منذ البداية، استبعدت المنظمة الآراء غير الصهيونية التي تمثلها منظمة تقدمية كبرى وهي «الصوت اليهودي من أجل السلام». 

الاختبار الأيديولوجي الحاسم 

شوه بن عامي سمعتهم في المجتمع اليهودي لصالحه. لدى سؤاله في مقال نشرته صحيفة نيو ريبابليك حول ازدهار الجماعات النشطة إلى يسار جي ستريت، وكيف يمكن أن تسهم في الضغط على جي ستريت خلال النقاش، قال بن عامي إن العكس هو الصحيح: «التنصل من الصهيونية وجهة نظر أحادية، وأصواتهم إلى حدٍ كبير فردية. وعلى ذكر ذلك، فهم صاخبون للغاية، ولديهم أبواق تضعف حجم خطابهم الحقيقي». 

في الواقع، تضم منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام 18 ألف عضو و112 ألف متابع على تويتر، وبلغت ميزانيتها لعام 2019 3.2 مليون دولار

من حيث نشاطها ورؤيتها التقدمية، تأخذ «الصوت اليهودي من أجل السلام» والمجموعات المشابهة في التفكير حصة جي ستريت، ليس لضم المجموعات الموجهة نحو الشباب مثل If Not Now [2]، التي أسسها أعضاء سابقون في الجامعة، وجي ستريت يو [3] التي تشعر أنها مقيدة بسبب القيود الأيديولوجية، لها 52 ألف متابع على تويتر

من الواضح أن الآراء الأكثر صراحة حول «الصوت اليهودي من أجل السلام» وحركة «If Not Now» يتردد صداها بين كتل كبيرة من المجتمع اليهودي الأمريكي، ويبدو تهميش دورهم جزءًا من تكوين جي ستريت، ويشير إلى اختبار أيديولوجي حاسم للمشروعية. هذه هي نفس الانتقادات التي وجهها الليبراليون اليهود للإجماع العام السائد منذ عقود. 

  1.  خدع الأمير الإغريقي سيزيف إله الموت، فغضب كبير الآلهة زيوس، وعاقبه بأن جعله يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، وكلما وصل إلى قمة الجبل تدحرجت الصخرة إلى الوادي، فعاد يرفعها، وهكذا إلى الأبد، حتى أصبح رمزًا للعذاب الأبدي. 
  2. مجموعة ناشطين يهود تقدميين يعارضون الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. 
  3. الذراع الشبابي لمنظمة J street.