شهدت الفترة الماضية صعود نجم جميلة علم الهدى، زوجة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حتى أقلقت قوتها المتنامية كبار الشخصيات السياسية، وعلى رأسهم المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي ذكرت تقارير إعلامية أنه أرسل إلى زوجها يحثه على عدم السماح لها بالتدخل في عمل الحكومة، ولا يبدو أن هذه الوصية أخذت طريقها إلى التنفيذ حتى الآن.

ومع أن دفاعها القوي والمتواصل عن النظام يلقى ترحيبًا وإشادة من مسئولين كبار في الدولة مثل وزير الخارجية، لكن تحركاتها الواضحة لكسب النفوذ الشخصي داخل مؤسسة الحكم تثير القلق والتوجس، وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكنت من بناء شبكة نفوذ داخل الحكومة وشاركت في صنع قرارات مهمة، واستغلت منصبها العائلي لاكتساب نفوذ سياسي.

ولدت جميلة علم الهدى عام 1965 لعائلة دينية معروفة بكونها محافظة للغاية في مدينة مشهد شمال شرق إيران، وهي ابنة أحمد علم الهدى، إمام صلاة الجمعة في مشهد وممثل المرشد الأعلى هناك، والحائز على لقب «آية الله».

في عام 1983، تزوجت من رئيسي في الثامنة عشرة من عمرها، وأنجبت له ابنتان، وأكملت دراستها بعد زواجها حتى حصلت على درجة البكالوريوس في النسا والتوليد، ثم استكملت دراساتها العليا حتى نالت الدكتوراه في الفلسفة التربوية الإسلامية من جامعة تربية مدرس، وتولت مسئولية لجنة التعليم بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية، وأصبحت من أعضاء هيئة تدريس جامعة شهيد بهشتي، كما أسست وترأست معهد دراسات العلوم والتكنولوجيا بجامعة شهيد بهشتي، ولها عدة مؤلفات تدور غالبًا حول مواضيع تربوية، مثل «الفلسفة التربوية لحركة الإمام الخميني» و«النظرية الإسلامية للتنمية البشرية».

وكانت المرة الأولى التي تحدث فيها رئيسي علنًا عن زوجته في مقطع فيديو لحملته الانتخابية الرئاسية عام 2017، إذ ضرب بها المثل في الاجتهاد في التعليم ونيل أعلى المراتب، لكن مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه وهي تقدم ورقة بحثية في منتدى رودس عام 2015، جلب لها انتقادات واسعة بسبب ضعف لغتها الإنجليزية، وجعل البعض يشكك في مصداقية مؤهلاتها الأكاديمية المعلنة.

وخلال الأشهر الأخيرة لمع نجمها بشدة خاصة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة بعد الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة الكردية، مهسا أميني، في سبتمبر/أيلول 2022، ومنذ ذلك الوقت حاولت جميلة تجميل صورة بلادها في ملفي المرأة وحقوق الإنسان، وصارت تعقد وتحضر اللقاءات مع السيدات في أنحاء العالم، وكثرت تصريحاتها وحواراتها الإعلامية، ففي يناير/كانون الثاني، نظمت لقاءً بعنوان «مؤتمر النساء المؤثرات»، حضرته بعض زوجات رؤساء الحكومات حول العالم.

وفي أواخر أبريل/نيسان اهتمت وسائل الإعلام بنشر صور اللقاء الذي جمعها بشاناز إبراهيم عقيلة الرئيس العراقي، في طهران، لمناقشة قضايا المرأة ووضعها في البلدين، وفي مايو/أيار الماضي خلال زيارة زوجها لإندونيسيا، زارت جامعة بارامادينا في جاكرتا والتقت بنائبة رئيس الجامعة، وألقت محاضرة في احتفال شهد توزيع كتب شيعية مترجمة للغة الإندونيسية، وخلال زيارة زوجها إلى نيكاراجوا في يونيو/حزيران الماضي تم تكريمها من قبل عميدة جامعة نيكاراجوا الوطنية، ومنحها لقب «الزائرة الفخرية» خلال جولة استمرت خمسة أيام في دول أمريكا اللاتينية، صاحبتها تغطية إعلامية واسعة النطاق.

تقليد جديد

يعتبر صعود نفوذ زوجة الزعيم أمرًا غير معروف في إيران، فالمعتاد ألا تشارك في الحياة العامة إلا بشكل رمزي أو هامشي على أحسن الأحوال، فزوجة روح الله الخميني مؤسس الجمهورية، خديجة ثقفي، التي كانت تلقب بـ «أم الثورة الإسلامية»، لم يكن لها أي دور فعلي في أي شيء تقريبًا، وزوجة المرشد الحالي، علي خامنئي، خوجاستي، لا يتوفر عنها كثير من المعلومات، وزهرة صادقي، زوجة الرئيس محمد خاتمي، لم يكن لها أي نشاط سياسي.

لكن في حملة 2009 الرئاسية كان السياسي الإصلاحي مير حسين موسوي أول مرشح رئاسي يقوم بحملته الانتخابية مع زوجته، زهرة رهنورد، الأستاذة بكلية الفنون الجميلة، وظهر الزوجان أمام المصورين ممسكين بأيدي بعضهما البعض، مما استدعى استعانة خصمه، الرئيس محمود أحمدي نجاد، في حملته الانتخابية بزوجته، عزام السادات فرحي، خريجة جامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا، كما رافقته في بعض رحلاته المحلية والدولية، لكن مع انتخاب الرئيس السابق حسن روحاني، كانت زوجته وابنة عمه، صاحبة عربي، أقل زوجات الرؤساء شهرة، رغم توجه زوجها المنفتح نسبيًّا لكنها عاشت في الظل طوال سنوات عهده الثماني (2013: 2021) وتجنبت أضواء الإعلام تمامًا.

سيدة إيران القوية

بجانب الظهور الإعلامي المتزايد لجميلة علم الهدى، فإن الأخطر هو نفوذها السياسي الذي وصل لدرجة تدخلها في اختيار الوزراء واقتراحها لبعض الأسماء رغم افتقارها للخبرة التي تؤهلها لهذا الدور، إذ عُرف عنها أنها تستطيع بسهولة إقناع زوجها برأيها، ويمكن إرجاع نيلها هذه المكانة إلى شخصية زوجها التي تفتقر إلى الكاريزما؛ فما أهله لتولي الرئاسة هي ثقة المرشد الأعلى به وطاعته العمياء له، وتمت هندسة الانتخابات على هذا الأساس، واستبعد مجلس صيانة الدستور منافسي رئيسي الكبار من الترشح للانتخابات، لذلك كانت النتيجة معروفة سلفًا وشهدت أقل إقبال على التصويت في تاريخ الجمهورية.

وعلى عكس رئيسي الذي عُرف عنه تحفظه في حديثه، عُرفت زوجته بتصريحاتها غير الدبلوماسية؛ مثل وصفها للعرب بأنهم «أعداء تاريخيين .. لم يتمكنوا من تغيير أي شيء .. لا تاريخنا، ولا لغتنا، ولا ثقافتنا، ولا عاداتنا».

وكان توقيت التصريح صادمًا لأنه جاء في يونيو/حزيران الماضي بعد استعادة طهران العلاقات مع الرياض، وفي مرحلة تحاول فيها بلادها تخفيف التوترات مع الدول العربية كي تأخذ بالدبلوماسية ما لم تأخذه بالحرب، لكن قرينة الرئيس لم تعر هذه الحسابات أي اهتمام خلال حديثها هذا، فضلًا عن تجاهلها الانتساب المفترض لزوجها والمرشد الأعلى ووالدها أيضًا إلى قبيلة بني هاشم العربية، واعتمارهم عمائم سوداء لإظهار هذا الانتساب السلالي، أي إنها من المفترض أن تعتز بنسبها العربي الذي منح أسرتها مكانة روحية بين الناس وليس العكس!

وقبل ذلك أجرت مقابلة مع موقع سماك نيوز، الداعم لحملة زوجها الانتخابية، لكن إدارة الحملة حذفت المقابلة بسرعة من الموقع، إذ تحدثت عن رد فعل أسرتها بعد إعلان زوجها ترشحه للرئاسة، قائلة إن أبناءها بدأوا في البكاء، وأنها فقدت الوعي ونُقلت إلى المستشفى.

ولا تخفي جميلة إعجابها بزوجات الرؤساء في الولايات المتحدة، ورغبتها في الاقتداء بميشيل، زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، إذ أعربت عن رغبتها في كتابة مذكراتها مثلها.

ومع إطلاق لقب «السيدة الأولى» عليها، حاول وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، لملمة الأمور تجنبًا لاستفزاز أسرة المرشد، وذكر أنها قالت إن «السيدة الأولى الحقيقية» هي زوجة المرشد.

الصهر القوي

يتمتع والد جميلة، أحمد علم الهدى، بعضوية مجلس الخبراء، الهيئة المكلفة بتعيين المرشد الأعلى، ويُطلق عليه لقب «دوق مشهد» من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية بعد تعيينه عام 2005 ممثلًا للمرشد الأعلى وإمام الجمعة في المدينة المقدسة في المذهب الشيعي، والتي تضم حوزة خراسان، كما تمتع أيضًا بعضوية المجلس الأعلى بها، ويُشتهر بانتقاده الصريح للإصلاحيين والليبراليين، ودفاعه الحماسي عن الحكومة والجمهورية الدينية، ومع ازدياد وتيرة تصريحاته الاستفزازية والمتشددة، سرت تكهنات بأن هناك اتجاهًا لإقالته لتهدئة الشارع بسبب لغته التحريضية المستفزة خلال أزمة الحجاب الإجباري.

ونفوذ علم الهدى يتجاوز مناصبه؛ فخلال عهد الرئيس الإصلاحي، حسن روحاني، تحدى أحمد علم الهدى سلطة الحكومة علنًا، وأمر الشرطة مرارًا وتكرارًا بوقف الحفلات الموسيقية على الرغم من حصولها على تراخيص رسمية، ومع تولي زوج ابنته منصب الرئاسة بعد فوزه في انتخابات صيف 2021، بدا وكأن الحكومة تتصرف وفقًا لآراء علم الهدى، حيث لم تعد ترد تقارير عن حفلات موسيقية في مشهد، حيث يبدو أن الرئيس الإيراني يهتدي ليس بآراء زوجته فقط، بل بوالدها أيضًا.