يقاتل الجيش الأوكراني ضد الأرتال العسكرية الروسية معتمدًا على أسلحة متطورة جاءته من الولايات المتحدة وأوروبا. على رأس تلك الأسلحة يتربع صاروخ، ستينجر. إذ إن هولندا أرسلت لأوكرانيا 200 صاروخ ستينجر. كما قررت برلين التخلي عن قرارها بعد تزويد أطراف الصراع بأسلحة فتاكة، وزودت كييف بعدد من صواريخ ستينجر، صواريخ أرض-جو.

يراهن الأوكرانيون على ستينجر لأن له تاريخًا في المعارك مع الروس تحديدًا، وكان الروس هم الطرف الأقوى فيها كذلك، مثل حروب الاتحاد السوفيتي مع المقاتلين الأفغان في ثمانيننات القرن الماضي. وحكى الفيلم الهوليوودي «حرب تشارلي ويلسون» بطولة الممثل الأمريكي توم هانكس، قصة صواريخ ستينجر.

فقد زودت الولايات المتحدة الأفغان بنفس الصاروخ عام 1986. أسهم الصاروخ وقتها في إسقاط 270 مقاتلة سوفيتية. ويذهب بعض المحللين العسكريين إلى أن الانسحاب السوفيتي من أفغانستان كان مدفوعًا بتأثير ذلك السلاح. ستينجر، المعروف رسميًا بـ إف آي إم-92 إي.

 صُنع لأول مرة في الستينيات على يد شركة جنرال داينمكس الأمريكية. بهدف سلاسل الإمداد بالغذاء واللوجستيات. حيث صُمم لتحمله القوات البرية المصاحبة للإمدادات، كي تصيب أي طائرة تقوم بالاستطلاع في الأرجاء، أو تحاول تهديد القوات المتحركة. لكن ظل قيد التطوير حتى عام 1978 حيث تولت شركة رايثون تصنيعه، ومن ثم دخل الخدمة رسميًا عام 1981.

لا أحد آمن في مواجهته

يبلغ طول صاروخ ستينجر الواحد مترًا ونصف المتر، وقطره 70 مللميترًا فقط. وزن الصاروخ قرابة 15 كيلو جرامًا، ويصل مداه إلى 5 كيلو مترات، ويرتفع حتى 4800 في الهواء. وهو من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والرأس المتفجر فيه يبلغ وزنه 3 كيلو جرامات. ومن التعديلات التي جرت عليه مؤخرًا تحوّله من الاعتماد على الأشعة تحت الحمراء في التوجيه، إلى الاعتماد على أشعة ليزر عالية الدقة في التوجيه.

من أبرز مميزات ستينجر أنه لا يحتاج إلى صيانة في أرض المعركة. فالصاروخ يأتي مدمجًا في أنبوب خاص به، وحين يُطلق الصاروخ يُلقى الأنبوب، ويلتقط المقاتل أنبوبًا وصاروخًا جديدين. لهذا نجد أن بعض طائرات الأباتشي التي تشتبك من الجو قد يكون الصاروخ ملحقًا بها بدلًا من الصواريخ المعتادة. الصاروخ يتتبع الحرارة الصادرة من المحرك ويصطدم بأي شيء يطير على ارتفاع أقل من 11 ألف قدم، 3500 متر.

ستينجر يهدد كافة أنواع صواريخ كروز، ويمكنه إصابتها بدقة. كما أنه يشكل خطرًا على كافة أنواع الطائرات السريعة المُحلقة على ارتفاع منخفض. كما تُعتبر كافة المروحيات المقاتلة تحت نطاق تهديده. وفي عام 2019 أجرى الجيش الأمريكي تعديلًا عليه، حيث بإمكانه أن ينفجر بالقرب من الطائرات من دون طيار فيؤدي لإسقاطها، في حال تعذّر عليه أن يصيبها إصابة مباشرة.

تكامل ستينجر وجافلين

قبل بداية الغزو الروسي لأوكرانيا كان الجيش الأوكراني يمتلك صواريخ جافلين، يُقدر عددهم بألف صاروخ. جافلين من الصواريخ المضادة للدبابات والمدرعات. ويصبح مثاليًا إذا نصب الجيش كمينًا في غابة كثيفة مطلة على طريق سريع يستخدمه الجيش الغازي في نقل أرتاله العسكرية، حينها يكون صيد آليات العدو أمرًا سهلًا.

وفي حالة أوكرانيا تتوافر الغابات الكثيفة، لكن المعضلة أن سلاح الجو الروسي متقدم بما يكفي لرصد وتدمير تلك الكمائن. خصوصًا أن كمائن جافلين غالبًا ما تحتاج قوات إضافية، جوية وبرية، لحماية الكمين. وهنا يبرز تكامل ستينجر وجافلين، فصواريخ ستينجر تستطيع ببراعة أن توفر نطاقًا آمنًا للكمائن، وأن تبعد عنهم الهجمات الجوية. وبالفعل بعد وصول ستينجر أصبح الجيش الأوكراني قادرًا على تأمين الوحدات المتمركزة في الغابات، والتصدي للطائرات الروسية.

وتصريحات وزارة الدفاع الأوكرانية، التي قد تبدو مبالغة قليلًا لكنها تصريحات رسمية، تقول، إن جافلين وستينجر نجحا في إلحاق هزيمة بالروس بلغت 27 طائرة حربية، و26 مروحية، و146 دبابة، وكل ذلك في الأيام الأولى للحرب فحسب.

لكن بصفة عامة يمكن لستينجر أن يفعل ذلك. فكونه سلاحًا خفيفًا يُطلق من الكتف، يعني أن الأمر لا يحتاج سوى جندي واحد لتشغيل وإطلاق ستينجز. رغم أنه في العادة تظهر في الصور أو المقاطع المصورة فرق تتكون من فردين لإطلاق الصاروخ، لكن فردًا واحدًا يكفي. كما يُطلق على الصاروخ اسم الباحث السلبي، لأنه عكس باقي الصواريخ لا يصدر موجات لاسلكية، رادارية، لرؤية هدفه. بل يكتفي بالحرارة المنبعثة ويذهب نحوها تلقائيًا ثم ينفجر.

ستينجر يعرف أصدقاءه

صاروخ ستينجر يعمل بالوقود الصلب، ما يوفر له قدرة انطلاق وتشغيل أعلى وأسرع. كما يمكنه المناورة والانفجار على بُعد 6 أمتار من الهدف، ورغم ذلك تستطيع قوته التدميرية إهلاك الهدف. ويمكن لمن يحمله أن يطلقه ويتأكد من أنه سيصيب هدفه، فقط إذا كان الجندي يرى شكل طائرة في الجو. أي أن الطائرة كانت مرتفعة للغاية، لدرجة أن الجندي يستطيع فحسب أن يدرك أنها طائرة من دون أن يرى أبعادها أو أجنحتها متمايزة عن جسدها، ففي تلك المرحلة يمكن لستينجر أن يصيب الطائرة بنجاح.

ودقة إصابته بلغت 93% على المروحيات، و65 على الطائرات المقاتلة. المميز في ستينجر أنه تمت برمجته مسبقًا على أنواع الطائرات التي تُصنف أنها معادية والأخرى التي توصف بالصديقة. ويرفض ستينجر الانطلاق نحو الهدف، إذا كان الهدف مصنفًا في قاعدة بياناته كصديق. لهذا تحرص قرابة 23 دولة على امتلاك صواريخ ستينجز، كما تتولى تركيا وألمانيا مهام تصنيعه لصالح الحكومة الأمريكية.

فستيجنز إذن رغم أنه يكلف الدول مبلغًا كبيرًا، فإنه يمنحها كفاءة تضاهي المدفوع، والأهم أنه يحمي صاروخ جافلين، البالغ ثمن الواحد منه 78 ألف دولار.

جزّار الدبابات

جافلين، المعروف باسم إف جي إم-148، هو الآخر يُعتبر من أكثر الأسلحة دقة وفعالية، ويمكن حمله على الكتف. وهو من بين الأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة أوكرانيا مؤخرًا. وكان وجوده في مطار بوريسيل الدولي في كييف، دليلًا واضحًا على الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا. وعقيدة الأوكران في صواريخ جافلين راسخة لدرجة أن وزير الدفاع الأوكراني صرّح بأن ثقته في قواته المسلحة كثقته في صاروخ جافلين الذي ينطلق من الكتف ليصيب المدرعة من الأعلى.

حصلت أوكرانيا على 300 صاروخ منه قبل الغزو الروسي. وكانت قد اشترت عام 2018 قرابة 210 صواريخ من الولايات المتحدة. جافلين من أغلى المنظومات الدفاعية الأرضية، ويُطلق عليه صائد الدبابات، وفي بعض السرديات، جزّار الدبابات. لهذا تعتبر الولايات المتحدة جافلين جوهرةً من درر إنتاجها العسكري، ولا تمنحه بسهوله لأي دولة. وتُعتبر عملية منح جافلين، أو بيعه، عملية أمنية شديدة التعقيد، ويستلزم موافقة سياسية بأغلبية كبيرة.

 يعمل جافلين بالأشعة تحت الحمراء، وعند إطلاقه يرتفع بقرابة 160 مترًا في الهواء كي يصيب المدرعة أو الدبابة من الأعلى، وهى المنطقة التي تُعتبر أضعف نقطة فيها. ويبلغ مداه 2.5 كيلو متر، ويزن قرابة 23 كيلو جرامًا. ويستطيع اختراق مدرعة بسمك 800 مليميتر. وكونه يستهدف الجزء العلوي من الآلية يجعله قادرًا على إعطابها وإخراجها من المعركة، حتى لو لم يقم بتدميرها بشكل كامل. كلمة جافلين تعني الرمح، وهو رمح في دقة إصابته، والأهم أنه يُعامل في أرض المعركة كالرمح، أطلق وانس.

ما يعني أن الجنود يمكنهم إطلاق الصاروخ على الهدف من دون حاجة إلى تصويب دقيق. والصاروخ يتكفل بإصابة الهدف عبر المستشعرات الحرارية والبصرية الموجودة بداخله. وقد صممته عملاقة الأسلحة الأمريكية لوكهيد مارتن ليساعد الجنود في فترات غياب التركيز أثناء المعركة. ولهذا فجافلين اعتاد الأمريكيون إطلاقه على كل شيء في أرض المعركة، كهوف، وملاجئ، وجنود مشاه، وأي شيء يتحرك، وأفغانستان شهدت كل تلك الاستخدامات.

جافلين يحمي مُطلقه

كذلك فإن جافلين يوفر لحامله حماية كبيرة حتى لو أدى عمله بكفاءة أقل. فيمكن لجافلين أن يُطلق في حالة المواجهة المباشرة من مسافة قريبة مع عدو أو آلية. بالطبع يعيب جافلين مداه الضئيل، فالجيل الأول من صواريخ كورنيت كان مداه يبلغ 5 كيلو مترات، ضعف جافلين.

لكن الهدف من جافلين هو أن يكون سلاح طوارئ، فوزنه الخفيف مقارنة بالكورنيت يجعله الاختيار الأول حين وجود هجوم كثيف وغير متوقع من مجموعة دبابات. خصوصًا أن جافلين يعتمد تقنية الانطلاق الناعم، أي أنه لا يسبب انفجارًا خلفيًا كبيرًا. بعكس الصواريخ الأخرى المضادة للدبابات والتي تحتاج في الغالب لحامل ثلاثي مثبت على الأرض.

الانطلاق الناعم كذلك يحمي مُطلق الصاروخ، فالانفجار الخلفي الناتج عن الإطلاق كان يُستخدم في تحديد موقع مطلق الصاروخ، ومن ثم يمكن للقوات المعادية استهدافه. علاوة على ذلك فإن الانفجار الخلفي كان يجعل من المخاطرة إطلاق الصاروخ من مكان مغلق، مبنى أو كهف مثلًا. لكن مع جافلين تحسنت تلك الاحتمالات.

الروس يحاولون التغلب عليه

لهذا صرحت الإدارة الأمريكية والبنتاجون أكثر من مرة بأن جافلين من شأنه أن يجعل الروس يعيدون التفكير في شأن غزو أوكرانيا. ويستمر الروس في بذل الجهد لمحاولة الهروب من تأثير جافلين. فقد زود الروس دباباتهم بتقنية الدروع المتفجرة التفاعلية. تتميز تلك الدروع بطبقة مزدوجة من ألواح الدروع يمكنها التغلب على الرؤوس الحربية المتفجرة.

كما أضاف الروس أنظمة تقوم بإطلاق قنابل تعتيم أو وهج حين استشعار صاروخ مقبل. تلك القنابل تقوم بإصدار وهج متعدد الأطياف والأقطاب لإخفاء الدبابة عن أنظمة الرصد بالأشعة تحت الحمراء. أو تقوم بتحويل أجهزة رصد الصاروخ لأي مصدر حراري آخر موجود في الأرجاء.

أما الاختيار المباشر وهو إطلاق صاروخ آخر للتصدي لصاروخ جافلين، فهو يعتمد على إطلاق صاروخ عمودي من أعلى الدبابة للتصدي لجافلين، وهو اختيار لا تمتلكه روسيا حاليًا.