مؤلفة أمريكية في رصيدها أربعة عشر كتابًا، صدر آخرها قبل شهرين عن دار نشر Bantam Press، وهو بعنوان Princess: Stepping out of the shadows، وهو الجزء الخامس في هذه السلسلة.

بدأت هذه المؤلفة تأليف الكتب عام 1991، وصدر لها أول كتاب في ذلك العام تحت عنوان The rape of Kuwait. لكن كتبها لم تُترجم إلى العربية حتى عام 2010، عندما قررت دار نشر لبنانية، وهي شركة «المطبوعات للتوزيع والنشر»، أن تأخذ على عاتقها هذه المهمة. وبسبب النجاح الذي لاقاه الكتاب المُترجم الأول «سمو الأميرة»، استمرت دار النشر في ترجمة كتاب سنويًا للمؤلفة، حتى بلغ عدد كتبها المترجمة عشرة كتب، كان آخرها كتاب «سمو الأميرة: الأسرار المباحة».

تلك هي «جين ساسون»، والحقيقة أن كتاب «سمو الأميرة» بجزئه الأول، الذي يحكي مذكرات الأميرة سلطانة آل سعود، حفيدة الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، هو كتاب مشوق بالفعل، أو كما يسمى بالإنجليزية Page turner. لكن الكتاب يتركك حائرًا بعد أن تفرغ منه لسببين: أولاً: يمكن لأي قارئ مبتدئ –ناهيك عن المتمرس- أن يفرق بين قصة ترويها سيدة سعودية أو أميرة عن حياتها، وبين قصة يظهر جليًا أنها مروية بعقلية تفكير أمريكية. ثانيًا، أنه يخلو تمامًا من أي ذكر لأي مصدر أو هامش. ليس هناك أي صورة لأي ورقة كتبتها الأميرة بخط يدها، أو ما شابه، وبالتالي ليس هناك أي دليل على أن القصة حقيقة، أي أنها مذكرات فعلاً، أو أنها من خيال المؤلفة.

أصبحت جين ساسون الآن مصدر حيرة لا تخلو من الريبة، وللتخلص من هذا الإشكال توجهنا إلى موقع شركة المطبوعات على الإنترنت للبحث عن معلومات عن هذه المؤلفة، حيث نقرأ التعريف التالي والذي نقتبس جزءًا منه:

كاتبة ومحاضِرة أمريكية ذات شهرة عالمية، تهتم بشكل رئيسي بالمرأة في الشرق الأوسط، احتلت صدارة أفضل الكتب مبيعًا في العالم، كما نالت جوائز عالمية مرموقة.

لكن بالعودة إلى موقع الكاتبة الرسمي، لا نجد ذِكرًا لأي جوائز، لا مرموقة ولا غير مرموقة.

تزداد الحيرة، ويشك القارئ في تقييمه للكتاب، فيتوجه إلى موقع Goodreads، ملتقى القراء. ورغم أن التقييم العام للكتاب مرتفع نسبيًا، إلا أننا وباستخدام فلتر النجمة الواحدة نجد أن عدد القراء الذي منحوا الكتاب تقييمًا منخفضًا وصل إلى 407 قراء، وهو عدد ليس بالقليل. هؤلاء القراء كتبوا مراجعات سلبية عن الكتاب، ووجهوا لجين ساسون اتهامات تراوحت بين الكذب والخيال وافتعال الدراما السخيفة.

وعليه نقرر البحث عن اسم Jean Sasson باللغة الإنجليزية، عندها نتفاجأ بمعلومات مفادها أن الكاتبة قد رُفعت عليها قضية انتحال وسرقة عمل أدبي، أو ما يعرف بالإنجليزية باسم Plagiarism، حتى أن صاحبة القضية أنشأت مدونة كاملة خصيصًا لتشرح هذا الأمر. بمزيد من البحث، عثرنا على تقرير كان قد نشره موقع واشنطن ريبورتر. التقرير الصحفي على درجة عالية من المهنية، وهو يشرح بالتفصيل ملابسات قضية السرقة الأدبية التي رُفعت على جين ساسون وناشريها آنذاك William Morrow & Company and Doubleday بما لا يتسع المقام لترجمته، ويمكن الاطلاع عليه لمن أراد.

هنا قررنا العودة إلى الموقع الرسمي للكاتبة مرة أخرى علّنا نجد ما يزيل الريبة، فنجدها تذكر أنها ظهرت في برامج شهيرة مثل برنامج Politically incorrect، الذي كان يقدمه الممثل والإعلامي بيل مار على قناة abc، وكان ظهورها في عام 2001، كما ظهرت أيضًا في إحدى حلقات برنامج أوبرا. وبالبحث عبر اليوتيوب، تأكدنا من صحة ذلك.

وبالاطلاع على عناوين كتب جين ساسون نجدها مثيرة للاهتمام، فهناك عناوين تتحدث عن قصص نساء أفغانيات، عراقيات، كرديات، وغيرهن من نساء الشرق الأوسط. وبالبحث عبر اليوتيوب أيضًا، وجدنا مقابلة لجين ساسون، تذكر فيها أنها تلقت رسالة إلكترونية من عمر بن لادن، ووالدته نجوى الغانم، الزوجة السابقة لأسامة بن لادن، وفيها يطلبان مساعدتها لكتابة قصتهما إلى العالم. وفعلاً خرج الكتاب إلى النور بعنوان Growing Bin Laden، وتُرجم إلى العربية تحت عنوان «إنه ابن لادن». وبمزيد من البحث عبر يوتيوب، نجد فيديو لعمر بن لادن يؤكد فيه صحة هذا الكلام.

رغم ذلك، فقد أجرت مجلة Rolling Stone الأمريكية الشهرية، مقابلة مع عمر بن لادن عام 2010، وفيها ذكر أنه ليس كل ما ورد في الكتاب صحيح، وأن المؤلفة لم تكن أمينة تمامًا وقامت بفبركة بعض القصص. بعض القراء على موقع Goodreads أيضًا عبّروا عن امتعاضهم من بعض التناقضات في الكتاب، وعن عدم تصديقهم لما ورد فيه.

هنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي: من هو ناشر جين ساسون الأجنبي؟ فالمعروف أن دور النشر الغربية لا تتهاون في هذه الأمور، نظرًا لكون حقوق المؤلفين محفوظة، والدعاوى التي تُرفع في المحاكم تُلزم بتعويضات حقيقية، وقد تُكلّف دار النشر سمعتها. وعند البحث نتفاجأ من جديد أن كتب جين ساسون صادرة عن أشهر دور النشر الأجنبية، منها على سبيل المثال Penguin. رغم ذلك، تبقى المعضلة الرئيسية قائمة في جميع كتب جين ساسون دون استثناء: ليس هناك أي دليل، أي مصدر، على أن ما يُروى هو قصص حقيقية لأناس حقيقيين، وليس من خيال المؤلفة.

لكننا هنا سنكتفي بجملة واحدة وردت في تقرير واشنطن ريبورتر السابق الذكر، على لسان إحدى صديقات ساسون، ربما تُلخّص ما توصلنا إليه بعد كل هذا البحث، حيث قالت:

إن كتب جين هي مزج بين الحقيقة والخيال، فهي تعرف ما يريد الناس سماعه.

وعليه نتساءل هنا: على أي أساس يُفتح المجال لكل من يشاء أن يروي من قصص، ويقدمها على أنها كتب مذكرات حقيقية وNon-fiction، ويضيف إليها من خياله ما يشاء، دون أن يُلزِم نفسه بتقديم أي دليل للقارئ؟ فيما لا يجد العديد من الباحثين وأصحاب القصص الحقيقية ناشرًا لأن أسماءهم غير معروفة؟ هل يترك الناشر –عربيًا كان أم غربيًا- للقارئ وحده مهمة التأكد من صحة ما يقرأ؟ أليس المفترض أن هناك علاقة ثقة بين القارئ والناشر؟

يبدو أن القارئ وحده هو المسئول عن اختيار ما يشتريه من الكتب، وهو المسئول بعد ذلك عن تصديق محتوى هذه الكتب من عدمه، ولن يكفيه –للأسف- أن يثق باسم ناشر معين، فالناشرون على ما يبدو حسموا موقفهم: النشر لمن يبيع! والقانون لا يحمي المغفلين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.