هل تقلصت مساحة الكرة الأرضية أم أن اللاجئين حقيقةً هم أكثر من قدرة الكوكب على الاستيعاب؟

سواء كان هذا أو ذاك فإن اللاجئين اليمنيين قد أدركوا حقيقة أنهم غير مرحبٍ بهم في العديد من الدول، لذا اختار اليمنيون وجهة غير تقليدية يلجئون إليها، جزيرة جيجو في جنوب كوريا الجنوبية.

الجزيرة ذات الـ 600 ألف نسمة لم تعتد رؤية اللاجئين، بل روادها سائحون يرغبون في الغطس بين شعبها المرجانية أو يمارسون رياضة الجولف التي اشتهرت بها الجزيرة، لكن إشاعة سرت وسط مجموعة من اليمنيين أن جيجو لا تطلب الحصول على تأشيرة دخول مسبقة «فيزا»، كما أنها لا تحتاج إلى الكثير من الأوراق الأخرى التي يطلبها العديد من الدول من الزائرين عامةً ومن المواطنين الذين تأكل الحرب بلادهم خاصةً.

نجح بعض اليمنيين في دخولها في العامين السابقين، لكن هذا العام حدث أن استحدثت ماليزيا رحلةً منخفضة التكلفة ومباشرة من عاصمتها كوالامبور إلى جزيرة جيجو الكورية. وبما أن ماليزيا تمنح اليمنيين النازحين إليها تأشيرةً فور وصولهم، فقد بات الأمر مغريًا لليمنيين أكثر من السابق. خاصةً أن البعض منهم كانت خطته أن يتخذ جيجو معبرًا للعاصمة الجنوبية سيول، ومنها يمكنه الحصول على اللجوء الرسمي.

اقرأ أيضًا:جرائم حرب سعودية في اليمن: القصة كاملة


لا أحد يريدنا

سابقًا تركت السلطات الكورية المواطنين اليمنيين يتدبرون أمرهم كيفما استطاعوا. بعضهم أقام في فنادق رخيصة، وآخرون فضلوا التخييم في الشوارع. لكن في الشهور الأولى من 2018 أدرك المسئولون الكوريون أن شيئًا خاطئًا يحدث، ولحين اكتشاف ما يحدث قامت السلطات بمنع اليمنيين من مغادرة الجزيرة. وفي 1 يونيو/حزيران 2018 أصدرت السلطات قرارها باستثناء اليمنيين من عدم اشتراط تأشيرة الدخول «فيزا». هذا الاستثناء نال مسبقًا لاجئي سوريا، ونيجيريا، وإيران.

هذا القرار وضع اليمنيين في مصيدة لم يكونوا يتوقعونها، فلا سبيل للتقدم نحو العاصمة الكورية، ولا مال للعودة إلى ماليزيا، وقطعًا ليس هناك رغبة في العودة إلى اليمن. ومع كل هذا لا مال لديهم يكفي للإقامة في الجزيرة السياحية بعد أن أنفقوا أكثر من 2000 دولار للوصول إليها، بما يعادل نصف مليون ريال يمني وما يعتبر راتبًا لعمل عشرين شهرًا. وفي هذه الأثناء فإنهم يعتمدون على وجبات الطعام التي تجود بها المطاعم حينًا، أو يقدمها لهم المتطوعون أحيانًا.

ليس مُرحب بنا في أي مكان. أمريكا لا تريدنا، أوروبا لا تريدنا، السعودية لا تريدنا. حين سمعنا بجيجو قلنا لأنفسنا لعلها المكان الذي سينقذنا.
أحمد عبده- مهاجر يمني

الموقف الشعبي من أهل الجزيرة مختلف عن الموقف الرسمي للدولة، إذ رأوا في البداية إمكانية استغلالهم بدلًا من منعهم، فعرض أهل الجزيرة وظائف على اليمنيين اعتاد سكان الجزيرة على الترفع عنها، مثل صيد الأسماك ورعاية المزارع السمكية، كما يعمل آخرون في مطابخ الفنادق. وبدأ الصليب الأحمر الكوري في إجراء فحوصات طبية لهم إذا أرادت الدولة أن تمنحهم حق اللجوء، إذ وعدت الدولة بوضعهم في اعتبارها.


لا مزيد من اللاجئين

كوريا الجنوبية ليست بلدًا محبًا للاجئين. فعلى مدى ثلاثة عقود ماضية شهد فيها العالم حروبًا في شتى بقاعه لم تفتح كوريا بابها إلا لعدد ضئيل للغاية، كما لم تفتح بابها لأي لاجئ من جارتها الشمالية. على سبيل المثال لا الحصر، في العام الماضي قبلت كوريا 91 طلبًا للجوء فقط من أصل 6015 طلبًا، من بين المقبولين أحد عشر يمنيًا فقط من أصل ما يزيد عن 500 دخلوا إلى كوريا عبر جزيرة جيجو. أما إجمالًا فقد تقدم لطلب اللجوء منذ عام 1994 حتى 2018 ما عدده 40 ألفًا و740 شخصًا لم يُقبل منهم سوى 839 فقط.

حتى سكان الجزيرة تبنوا موقفًا مزدوجًا. بينما يعمل اليمنيون على صيد السمك وغسل الأطباق، تظاهر السكان لمطالبة الحكومة بإيقاف تدفق اللاجئين، كما طالبوا الدولة بوضع تأشيرة الدخول كشرط للوصول إلى الجزيرة، كي لا تكون جيجو هى البوابة غير الشرعية للدخول إلى كوريا. كما زاد الاحتقان إلى حد خروج المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الكورية الجنوبية ليعلن أن دوريات الشرطة في جيجو سترفع جاهزيتها إلى الدرجة القصوى لتجنب أي شجارات أو تداخلات غير ضرورية.

اقرأ أيضًا: معركة الحديدة: الحرب على موانئ اليمن قد تحرق الخليج

بجانب المظاهرات قاد بعض السكان حملةً إلكترونيةً جمعت أكثر من 540 ألف توقيع تطالب بإيقاف اللاجئين. التوقيعات جُمعت على عريضةٍ تم إنشاؤها على الموقع الرسمي للرئاسة الجنوبية، ما يعني أنه وفقًا للمتعارف عليه فإن على الحكومة الكورية أن ترد في غضون 30 يومًا على هذه المطالب. الرد سيكون رسميًا ومن جهةٍ معتمدة، غير أنه لن يكون ذا سلطة قانونية. ورغم انتفاء أهميته القانونية فإنه سيمثل الاتجاه الذي ستسلكه الدولة في تلبية المطلب الجمهوري. هذا الاتجاه يميل بقوة لحظر دخول المزيد من اللاجئين، ما لم يشمل ترحيل الموجودين بالفعل. وهو ما ليس غريبًا على كوريا الجنوبية، إذ قامت في 5 يناير/ كانون الثاني 2013 بتسليم تسعة فتيان شماليين لمّا يبلغ أكبرهم الثامنة عشرة من عمره لجئوا إليها عدة مرات، مع علمها المسبق أن مصيرهم سيكون بين المؤبد مع الأشغال الشاقة أو الإعدام.


ليست الأولى

من قبل كوريا الجنوبية كان السودان. السودان اعتاد السماح لليمنيين بالدخول دون تأشيرة، لكن في ديسمبر/كانون الأول 2017 أُلغي القرار، وصارت التأشيرة إلزامية. الدفع السوداني كان أن الأوضاع غير مستقرة وعلى السودان أن يحمي أراضيه. ثم واجه اليمنيون رفضًا صريحًا من الدقائق الأولى كما حدث في السويد،إذ رفضت استقبال اليمنيين. ما دفع الجالية اليمنية هناك إلى التظاهر أمام مصلحة الهجرة هناك لكن دون فائدة.

أما حين حالفهم الحظ بدولة قبلت لجوءهم فكانت جيبوتي. جيبوتي استقبلت 1500 لاجئ في مخيم مركزي. يقاسون حرارةً تصل إلى 40 درجة نهارًا بعد مجازفتهم بعبور مضيق باب المندب الذي كلفهم كل مدخراتهم. مجازفةٌ انتهت بالعيش وسط الأفاعي السامة، وبلا طعام لأيام، ودون أي خدمات إنسانية.

قد لا يلتفت الإعلام العربي لقصة كهذه، كما قد يسخر منها القارئ العربي، إذ إن 500 هو رقم أصغر بكثير من مئات آلاف المشردين. رغم أن طبيعة البشر جُبلت على أن ترفض قهر الواحد كما ترفض قهر الألف، وأن تتحرك لمعاناة الفرد كما تتحرك لمعاناة المليون. ليس ذلك لقسوةٍ في طباع العرب، لكن لعقيدة علمتهم إياها الحروب المتتابعة والقمع المستمر.

فإذا كان لا بد من القمع، فقمع شخص أهون من قمع عشرة، وإذا كانت المعاناة حتمية، فمعاناة 500 فرد أقل أهمية من معاناة 500 ألف. وفي حالة اليمنيين خاصةً، فإن الرقم قد يختلف نقصًا وزيادةً، لكن المهم هو أن دولةً جديدةً قد ردت أبوابها في وجوههم، فمن تكون الدولة القادمة التي ستلفظهم؟