الصراع على الجغرافيا والديموغرافيا هو لُب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكل تغيّر في الحالة الديموغرافية يؤدي إلى تغيّر في مختلف المحاور، مثل اختلاف في علاقات القوة وفي السيطرة على الموارد وتوزيعها بين الطرفين. لهذا لا نجد أي تسوية تُطرح بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلا والعامل الديموغرافي، عدد السكان وتوزيعهم وانتشارهم، يكون حاضرًا بقوة في المفاوضات وفي بنود اتفاقات التسوية. ولذلك أيضًا نجد السياسات الإسرائيلية راغبةً في الحفاظ على أغلبية صهيونيّة في كل المناطق التي تسيطر عليها.

الديموغرافيا ابتداءً، هي الخليط بين كلمتي ديمو، السكان أو الشعب، وغرافيا، التسجيل والبحث، أي أنها تسجيل ما يتعلق بالشعب مثل معدل الخصوبة والجنس المنتشر والتوزيع الجغرافي وموازين الهجرة والصفات والسمات الاجتماعية المميّزة لفئة معينة من السكان. وبناءً على تلك الدراسات تتخذ الدول قرارات تهدف للحفاظ على ديموغرافيا معينة، مثل الدول التي تعاني من انخفاض نسبة المواليد، نجدها تشجع الأسر على إنجاب المزيد من الأطفال، وهكذا.

وفي حالة إسرائيل نجدها تعاني حالةً من الهلع بسبب زيادة العرب، لهذا تتكفل وسائل الإعلام الإسرائيلية بتخويف شعبها من تلك الزيادة. والدعوة إلى توافد المزيد من المهاجرين اليهود لتوطينهم في أماكن متفرقة من فلسطين، لتنجح إسرائيل مع مرور الوقت في صهر يهوديّ الشتات في الدولة الجديدة، ثم تمضي صهيّنة وعَبرنة وتهويد المكان والزمان والإنسان.

أما في القدس في الديموغرافيا اختلفت بعد عام 1948 عما كانت قبله، فانخفضت نسبتهم في العديد من المناطق بنسبة 1.5 بين أعوام 1948 و1967. وأسهم في ذلك تبني إسرائيل سياسة واضحة بمنع عودة المُهجرّين أو اللاجئين الفلسطينين لمنازلهم ومناطقهم التي خرجوا منها، لكن اعتمادًا على التكاثر الطبيعي فحسب ظلت نسبة الفلسطينين في المناطق المنكوبة معقولةً، بل وتزداد أحيانًا، بنسبة ضئيلة.

مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّنا
عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها

فمثلًا كان عدد سكان القدس عام 2016 هو 332 ألف شخص، وهي زيادة قدرها 385% عن عددهم عام 1967. بينما زاد عدد الإسرائيليين في نفس الفترة بنسبة 178% فقط. لهذا أدركت إسرائيل أن السبيل الوحيد للحفاظ على ديموغرافيا يهودية هو فرض وجود اليهود بالقوة على أحياء وأقسام إدارية معينة تختارها إسرائيل بعناية.

ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ

أما في عام 2020 فسكان القدس بلغ ضعف عدد سكان تل أبيب، فبلغ عددهم 919 ألف نسمة، 62% منهم يهود، و38% فقط هم العرب. كما أن القدس هي أكبر مدينة في إسرائيل بها سكان يهود، فضلًا أن بها وحدها ربع اليهود الأرثوذكس المتطرفين قرابة 225 ألفًا، كما أنها وحدها تحوي 20% من السكان العرب الموجودين في فلسطين.

لكن سياسات القوة أدت بشكل عكسي إلى خلق جماعات فلسطينية غاضبة خارجة عن السيطرة الإسرائيلية وساعية للانتقام مما حدث لها، ما جعل السكان اليهود يخافون من السكن في العديد من المناطق التي تم إجبار أهلها على الخروج. لذا نجد تقرير مجموعة الأزمات الدولية يتحدث أن سياسات إسرائيل الحالية سوف تؤدي بحلول عام 2045 إلى جعل القدس مدينة بأقلية يهودية.

لذا تدرس إسرائيل تحويل القرى الفلسطينية الواقعة شرق الجدار العازل إلى وحدات إدارية إسرائيلية غير متصلة، فتحتفظ بها إسرائيل وفي الوقت نفسه لا تضطر لوضع عامة اليهود فيها. مع تبني سياسة جديدة تقوم بتسجيل جميع أراضي القدس الشرقية في سجل الأراضي الإسرائيلية، ثم دفع مدارسها لتعليم المنهج العبري، وخصصت إسرائيل لتلك الخطوة 530 مليون دولار أمريكي، لتهويد كافة المناحي التعليمية في القدس الشرقية، على أن تُحرم تلك المناطق من التنمية ويكون الإهمال هو العامل الغالب فيها حتى يهجرها أهلها.

عَبرنة التعليم من أبرز خطط الجانب الإسرائيلي لتغيير ديموغرافية البلاد، لأن نظام التعليم الفلسطيني في العام الدراسي 2018- 2019  كان به 287 ألف طالب في القدس. أما التعليم العبري، فكان فيه 176 ألف طالب فقط، 110 آلاف طالب منهم في التعليم الأرثوذكسي المتطرف، و67 ألفًا في التعليم العام العلماني. أما التعليم العالي فقد درس 37 ألف طالب في مؤسسات التعليم العالي في القدس، ما يماثل 16% من كافة الطلبة في إسرائيل.

فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ

لم ينج من حملات التهويد حتى الآن إلا سماء القدس، أما الأرض فيتم تغيير هوّيتها بخطى ثابتة. ولم يتبق من شرق القدس المحتلة سوى أقل من 10%، هي التي ما زال الاحتلال يحاول تهويد أرضها وتهجير سكانها. متبعًا في ذلك ما اتبعه مع غيرها من المناطق من سياسة ترانسفير للتهجير وتغيير أسماء الشوارع وهدم المنازل وسحب الهوّيات، دون اكتراث بالقرارات الدولية التي تقف صامتةً أمام تلك الخطوات.

فالمدينةُ دهرُها دهرانِ

القدس تقع على سلسلة من الجبال تميل من الغرب إلى الشرق، وترتفع قرابة 1100 متر فوق سطح البحر الميت. وتبعد عن البحر الأحمر قرابة 250 كيلو متراً، وعن البحر الأبيض المتوسط 54 كيلو مترًا تقريبًا. القدس في القلب من فلسطين، فتبعد عن عكّا 150 كيلو مترًا، وعن نابلس 50 كيلو مترًا، وعن غزة 94 كيلو مترًا.

قبل أن يوجد مصطلح القدس الشرقية والغربية، كانت فقط القدس. لكن بعد نكبة 1948 تم تقسيم القدس لشرقية وغربية، الشرقي تقطنه الغالبية المسلمة، ويخضع للعرب باستثناء منطقة جبل المشارف الذي يحوي الجامعة العبرية، وهي أول جامعة إسرائيلية.

متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً
فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها

القدس الشرقية هي الأراضي الواقعة في الجانب الشرقي من القدس، كانت تحت الحكم الأردني منذ عام 1948 وحتى احتلال إسرائيل لها عام 1967. وتحملها أربعة جبال: الموريا، وصهيون، وأكرا، وبزيتا.  وفي أراضي القدس الشرقية توجد أبرز ثلاثة أماكن مقدسة: الحرم المقدسي الشريف يوجد في جنوب شرقي المدينة فوق جبال الموريا، وحائط البراق، وكنيسة القيامة.

 والقدس الشرقية، التي تبلغ مساحتها 70 كيلو مترًا مربعًا، هي المنطقة الموعودة لتكون عاصمةً للدولة الفلسطينيّة في السيناريو القائل بحلّ الدولتين. كما أن القدس الشرقيّة يمكن القول بأنها القدس القديمة مضافًا إليها مجموعة الأحياء التي نشأت خارج السور الذي أنشأه سليمان القانوني عام 1542 ميلادية، وهي الأحياء التي تريد إسرائيل تهويدها، مؤخرًا، مثل حي الشيخ جراح، وحي باب الساهرة، وحي وادي الجوز.

يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟
أَجُنِنْتْ؟

أما القدس الغربية فأغلبيتها عبرية، وتخضع لإسرائيل باعتراف دولي، واعتبرتها إسرائيل عاصمة لها. وهي ما تُسمى أحيانًا القدس الجديدة، إذ نشأت بإشراف الانتداب البريطاني على فلسطين كي تحتوي الهجرات اليهودية المتتالية على فلسطين، وبلغت مساحتها قرابة 20 ضعف مساحة القدس القديمة/ الشرقية.

ويفضل الإسرائيليون استخدام مصطلح القدس الموحدة  للدلالة على الاثنين، وأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل. ثم يستخدم الإسرائيلون مصطلحًا آخر هو القدس الكبرى أو القدس الموسعّة ويحاولون بتلك الكلمة صناعة مدينة جديدة بهوية مختلفة الأغلبية فيها كاسحة لليهود، والأقلية للعرب. ومشروع القدس الموسعّة يحدث بتطويق الأحياء العربية بمستوطنات إسرائيلية.

لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ
في القدسِ من في القدسِ لكنْ
لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت.