تخيل أن حلم طفولتك قد تحقق وأصبحت لاعب كرة قدم مشهور في أحد أهم الدوريات الأوروبية.تفوز بثلاثة ألقاب كاملة للدوري الألماني، وثلاثة ألقاب لكأس الدولة ذاتها. تقرر الرحيل بعد ذلك وخوض تجربة أكثر صعوبة ومشقة في أحد أهم أندية لندن، تفوز معهم بلقب الدوري الإنجليزي وثلاثة ألقاب لكأس الاتحاد الإنجليزي.

حسنًا، أنت لم تشارك كضيف شرف أو من على دكة البدلاء. ففي أغلب هذه البطولات كنت أحد أهم العناصر المؤثرة في فريقك، ومع ذلك لم تلازمك الجوائز الفردية بشكل ملحوظ. الحقيقة أنها لم تلازمك من الأساس،فصفحتك على موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم خالية تمامًا في الخانة المخصصة للجوائز الفردية.

الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن أغلب جماهير كرة القدم تصفك بأنك اللاعب الأكثر نحسًا في العصر الحديث لكرة القدم! هذا تحديدًا ما حدث مع الألماني مايكل بالاك منذ بداية مسيرته وحتى اعتزاله لكرة القدم في نهاية عام 2013! فلنحاول سويًا استكشاف تلك الادعاءات من خلال مسيرة متوسط الميدان المنحوس كما تصفه الصحافة الألمانية.


بداية العقدة

في موسم 1999/2000 قرر نادي بايرن ليفركوزن شراء متوسط الميدان الواعد مايكل بالاك من فريق كايزرسلاوتن مقابل 4 ملايين يورو. قدّم ليفركوزن موسمًا رائعًا وأيقن الكثيرون أنه على أعتاب تحقيق أول لقب للبوندزليجا في تاريخه. زاد اليقين بالوصول إلى المباراة النهائية في الموسم أمام فريق «أنترهاخينغ»، أحد فرق منتصف الجدول حينها، والفارق بينه وبين ملاحقه بايرن ميونخ ثلاث نقاط كاملة. التعادل يكفي ليفركوزن لنيل اللقب الأغلى للمدينة.

لكن ما حدث أن في تلك المباراة أحرز بالاك هدفًا بالخطأ في مرماه في شوط المباراة الأول، ليخسر ليفركوزن المباراة بهدفين دون مقابل، ويفوز بايرن ميونخ على الجانب الآخر ويحقق اللقب. أطلقت الصحافة الإنجليزية حينها لقب «Never-kusen» على فريق ليفركوزن.

في الموسم التالي، حدث سيناريو مشابه، حيث خسر ليفركوزن اللقب لصالح بوروسيا دورتموند بفارق نقطة واحدة فقط! لكن سوء الحظ لم يكتفِ بذلك. ففي نفس الموسم خسر ليفركوزن نهائي دوري الأبطال أمام ريال مدريد بهدف زيدان الشهر، و خسر لقب كأس ألمانيا لصالح فريق شالكة.

بالتأكيد شعر بالاك نهاية هذا الموسم أن ثمة شيئًا غريبًا في الأمر، ولكنه لم يملك من أمره إلا أن يكمل المشوار ويلعب التصفيات ليصل مع منتخب بلاده إلى كأس العالم بكوريا واليابان على أمل أن ينتهي هذا المسلسل الغريب من سوء التوفيق.


لا جديد مع المنتخب

في مونديال 2002 قدم المانشافت مستويات رائعة تحت قيادة رودي فولر حتى استطاعوا الوصول إلى المباراة النهائية أمام البرازيل، ولكنهم حضروا إلى ملعب «يوكوهاما الدولي» بدون بالاك، فقد حصل على إنذاره الثاني بشكل غريب في مباراة نصف النهائي أمام منتخب كوريا الجنوبية. أما عن إنذاره الأول فكان أمام منتخب الباراجواي وبشكل أكثر غرابة.

غاب بالاك وخسرت ألمانيا أمام راقصي السامبا بهدفي رونالدو الشهيرين. وحين أراد بالاك التعويض في نسخة 2006 التي أُقيمت في بلاده، خسر منتخب الماكينات في نصف النهائي أمام أبناء «مارشيلو ليبي» بهدفي فابيو جروسو وديل بييرو.

لا بأس، لننتظر يورو 2008 في النمسا وسويسرا، ومن بعدها مونديال 2010 في الماما أفريكا على أمل تحقيق بطولة أولى لمايكل مع منتخب بلاده. لكن المفاجأة غير السارة كانت خسارة المنشافت للنهائي أمام عيني بالاك في الملعب لصالح منتخب إسبانيا بهدف فيرناندو توريس الذي سبق فيه فيليب لام ليحرز الكرة في شباك ليمان.

أما عن مونديال 2010 فقد غاب عنه بالاك بسبب الإصابة في نهائي كأس إنجلترا قبل ضربة البداية للمونديال بأقل من شهر. تدخل عنيف من الغاني كيفين برينس بواتينج قضى على الأمل الأخير لبالاك لتحقيق بطولة قارية كبيرة مع منتخب بلاده.


ماذا عن إقامته في لندن؟

في عام 2006 رحل مايكل بالاك إلى العاصمة الإنجليزية لندن ليلعب مع البلوز تحت قيادة جوزيه مورينيو. في موسمه الأول خسر لقب الدوري لصالح مانشستر يونايتد، وفي موسمه الثاني خسر ثلاثة ألقاب لصالح فريق واحد؛ مانشستر يونايتد. لقب الدوري الإنجليزي وكأس المحترفين ولقب دوري أبطال أوروبا في نهائي موسكو الشهير.

في تلك الفترة بدأت الصحف تتناقل الأخبار الساخرة من حظ بالاك العاثر. من هنا بدأ ربط النحس باسم مايكل بالاك، فالبداية دائمًا ما تجدها لدى الصحافة الإنجليزية.

هكذا صرح مايكل بالاك لصحيفة التليجراف بعد انتهاء مباراة تشيلسي مع مانشستر يونايتد في موسم 2009/2010. في تلك المباراة ضرب بالاك إيفرا بمرفقه على مقربة من الحكم ولكنه لم يره، وبعدها بعشر دقائق في التحام خفيف أعطى الحكم «كريس فوي» بطاقة صفراء غير مستحقة. يبدو أن بالاك تعامل مع الأمل بروح باردة ودون غضب أو توتر، كعادة الألمان.


هل بالاك منحوس بالفعل؟

لقد كنت محظوظًا للغاية بعدم رؤية الحكم لي وإعطائه إنذار بعضها لباتريس إيفرا. يبدو أنني نقلت له جزءًا من النحس الملاصق لي.

السؤال الآن الذي أترك لك إجابته: هل ترى بالاك منحوسًا بالفعل؟ قبل أن تجيب دعني أخبرك أنني قد تعمدت -كغيري من الصحفيين- أن أسرد لك خسارات بالاك واحدة تلو الأخرى في عدد قليل من السطور. بمعنى أنني لم أخبرك أن بالاك قد قضى 4 مواسم مع بايرن ميونيخ قبل أن ينتقل إلى تشيلسي أحرز خلالها 3 ألقاب للدوري الألماني ومثلهم في كأس ألمانيا.

كذلك لم أخبرك أنه أحرز الدوري مع تشيلسي الإنجليزي في موسمه الأول كأس الرابطة المحترفة وكأس الاتحاد الإنجليزي.وأحرز بعد ذلك معهم لقب البريمييرليج في موسم 2009/2010، ولقبين آخرين لكأس الاتحاد الإنجليزي في عامي 2009 و2010.

الشاهد في الأمر أنك قد تكون غيّرت رأيك الآن ولا ترى بالاك الآن منحوسًا بينما كان الأمر من صناعة الصحافة. فالبشر دائمًا يميلون إلى إضفاء شيء من الإثارة لصناعة الأسطورة الخاصة بهم.

هل تتذكر مباراة ألمانيا والمكسيك في مونديال روسيا 2018؟ بعد هدف المكسيك بعدة دقائق خرجت أنباء عن حدوث هزة أرضية في المكسيك. وبالطبع كانت فرصة ذهبية للصحافة المكسيكية في صنع خبر تراجيدي عن حدوث زلزال بسبب قفز الجماهير كرد فعل جنوني بعد هدف منتخب بلادهم في مرمى نوير.

لكن الحقيقة أن الزلزال كانت له أسباب أخرى أوضحتها الهيئة المكسيكية لعلوم الجيولوجيا لصحيفتي الواشنطن بوست و الإندبندنت بعد ذلك، ولكن هيهات! لن تصدق الجماهير أي شيء بعد ذلك. فالحكاية كانت جميلة بما يكفي للإصرار عليها وتكذيب أي شيء سواها، حتى وإن كنت على يقين بأنها لم تكن صحيحة.

الآن عليك أن تخبرني، هل ترى مايكل بالاك منحوسًا أم لا؟