فليستمر الرب في إنارة طريقك يا بنيَّ!
رونالدينيو (2 مارس 2023)

تخفى من أجل ألا يعرف من يختبرونه أنه نجل رونالدينيو. لا يشبه أباه في أي شيء إلا في شكل الوجه، لكن في كرة القدم لا توجد تشابهات كثيرة، أهلًا بك في قصة جديدة داخل هذا المنزل الذي لم يعرف إلا السحر.

حين وقع جواو مينديش لصالح برشلونة بشكل رسمي، تباينت ردود الأفعال بين متوقع لإكمال مسيرة البرازيلي المذهلة مع البلوجرانا، وبين رافض تمامًا أن يقارن هذا الفتى بأبيه صاحب الإرث العملاق داخل البيت الكتالوني.

لكن دون مبالغات وتوقعات كبيرة، دعونا نستعرض قصة هذا الفتى الجديرة حقًّا بالذكر. جواو مينديش هو الابن الوحيد لرونالدينيو، أنجبه من زواجه بالراقصة الاستعراضية جاناينا مينديش التي تزوجها في 2005 وانفصلا بعد عامين.

حظيت مينديش بحضانة جواو، لتتم تربيته في منزلها ولكن مع وجود اعتيادي للوالد «رونالدينيو» استطاع أن يكسب منه نثرة من نثرات سحر كرة القدم.

جواو ولد في إسبانيا في فترة رونالدينيو مع برشلونة، ولذلك فهو يحمل جواز السفر الإسباني ويستطيع تمثيل منتخب إسبانيا، تمامًا كما يستطيع أن يمثل البرازيل.

بداية «مدفوعة الأجر» وإخفاء هوية

مسيرة جواو مينديش (الملقب باسم والدته) مع كرة القدم بدأت بعمر العاشرة، ولكن كل شيء عن تلك المسيرة يخبرك أن الفتى لا يملك موهبة فذة، حتى لو استطاع يومًا ما التطور وخصوصًا بعد الوصول إلى فريق برشلونة «ب». ولكن مسيرته ليست كمسيرة أبيه، الذي كان بعمر الثالثة عشرة قد أبهر البرازيل كلها بتسجيل 23 هدفًا في مباراة واحدة.

في نفس العمر كان جواو يتلقى التجربة الأولى «غير المدفوعة من قبله» في مسيرته. وهل كان يدفع المال من أجل لعب كرة القدم قبل ذلك التوقيت. الإجابة هي: نعم!

والدة جواو كانت هي المتحكمة في كل شيء يخص مسيرته الكروية، وكان تدخل رونالدينيو لا يكاد يذكر، لذلك فجواو لم يعش كثيرًا في طفولته ومراهقته مع والده، الذي كان يتلقى أخبار نجله في الملاعب كما يتلقاها الجماهير الاعتياديون في بعض الأوقات.

التحق بأكاديمية فلامنجو بسن العاشرة، بنظام مدفوع الأجر من أجل التدريب، وحينها لم يكن هناك مانع في أن يعرف المدربون واللاعبون أنه نجل رونالدينيو، مر بتجربة شبيهة في ناديي فاسكو دا جاما وبوافيشتا، قبل أن تبدأ مسيرته بشكل فعلي في 2018.

كان ذلك هو العام الذي عقد فيه كروزيرو اختبارات موسعة لضم الناشئين إلى فئاته السنية الأدنى، أصر جواو على الذهاب متنكرًا في البداية، وأخفى عن الجميع بنوته للنجم البرازيلي.

فعل ذلك بسبب أنه «يريد أن يمر بتجربته الخاصة» وبالفعل نجح في ذلك، وتلقى أول عقد احترافي له في فريق تحت 14 عامًا بكروزيرو، وبدأ مسيرته.

4 أعوام في كروزيرو كانت كافية ليظهر نفسه بشكل جيد، وكانت كافية أيضًا ليبدأ وكلاؤه في عرضه على أندية أوروبا من أجل أخذ مكان أكثر قربًا من مسيرة أبيه.

برشلونة: لا، لابورتا: نعم!

عُرض على برشلونة، النادي الذي نثر فيه والده أعلى مستويات أسطورته، خاض فترة معايشة طويلة لم ينل خلالها رضا كبيرًا بين المدربين في الفريق، ولكن الرئيس جوان لابورتا أصر على الحصول على خدماته تزامنًا مع مكانة رونالدينيو في النادي كأسطورة سابق وسفير حالي للنادي الكتالوني.

انتهى المطاف بجواو في فريق «برشلونة أتليتك» أو برشلونة «ب»، وهو ما يُحدث عادة خلطًا بينه وبين أكاديمية ناشئي برشلونة «لا ماسيا».

برشلونة «ب» هو الفريق الرديف للنادي، والذي يشارك في دوري الدرجة الثالثة، وعادة ما يستخدمه النادي في تأهيل اللاعبين حديثي القدوم إلى الفريق الأول، وكذلك صقل مواهب أكاديمية «لا ماسيا» وإكسابهم دقائق لعب قوية أكثر.

لكن فريق برشلونة «ب» ليس بالضرورة أن يكون امتدادًا لمواهب «لا ماسيا» ونجل رونالدينيو لم ينضم إلى «لا ماسيا» بالأساس، بل إنه ذهب إلى مسار فريق «برشلونة ب» مباشرة والغاية الكبرى هي تسويقه في أوروبا لأن هذا ما يحدث عادة مع الشباب من هذا النوع الذين يريد برشلونة التكسب منهم ماديًّا فيبرم عقودًا معهم في فريق «ب».

ناشئ «لا ماسيا» أي الذي يجلبه برشلونة مباشرة إلى الأكاديمية ويدفع مقابلًا ماديًّا به هو لاعب واعد يملك الحمض النووي لبرشلونة، وفي بعض الأحيان تتم استشارة مدربي الفريق الأول خصوصًا الكتلان منهم في بعض استقدامات الأكاديمية، تمامًا كما يحدث مع تشافي الآن في بعض الأسماء.

هذا لا ينفي أن «لا ماسيا» لم تعد بذات البريق الذي كانت عليه في الماضي، ببساطة لأن الفريق الأول بات ينظر إليه الناشئ بعين فاحصة قبل أي خطوة، لذلك فناشئ واعد بحجم تشافي سيمونز قرر قبل سنوات أن يترك برشلونة ونجوميته وما كان معدًّا له، إلى حيث سيتقاضى أضعاف أضعاف راتبه في الفريق الأول لبرشلونة لو أكمل مساره، فاختار باريس سان جيرمان.

على المستوى المادي والفني لم تعد «لا ماسيا» الاختيار الأول للناشئين الأكثر موهبة في العالم أيضًا، وباتت في بعض فئاتها الصغرى، لا تعتمد على سياسة الكشف عن المواهب في شوارع برشلونة كما تم الكشف عن تشافي وإنييستا وفابريجاس وبويول وبيكيه وجوارديولا وآخرين، وإنما باتت تحسن مواردها بتدريب بعض اللاعبين بمقابل مادي، وإن كانت لا تزال محافظة على مستوى معين من الصرامة في البرنامج التعليمي والكروي الذي تعده لـ 60 ناشئًا من حول العالم كل عام، لكن لم تعد الخيار الأول لناشئي أوروبا الأفضل كما الماضي.

ليته كان بالتبني!

جواو لم يأخذ من والده الكثير من المهارات، وإن كان يملك الحد الأدنى منها كبرازيلي وكنجل رونالدينيو الذي سيعيبه ألا يكون موهوبًا ولو بحد أدنى، ولكن حتى تمركزه في الملعب مختلف عما اعتاد عليه والده.

أطول من والده بنحو ٧ سنتيمترات، أعسر القدم، مركزه الأصلي هو رأس الحربة، ويستطيع القيام بدور صانع الألعاب المحوري، سرعة متوسطة، مهارات لا تتجاوز الجيدة بالكرة، يمكننا أن نرى نسخة أقل موهبة بكثير من رونالدينيو، أو ربما ظلم لأننا نقارنه مباشرة به بينما هو لاعب أكثر من جيد، لكن من يدري؟ ربما يتطور ليتجاوز مسيرة أبيه – الذي قصَّر في حق نفسه رقميًّا – وهذا ما اتفق عليه العالم بشأنه.

إذا أخضعنا مستوى موهبة جواو لنظرية أنه ربي مع أمه ولم يستطع أن يلتقط الكثير من سحر أبيه، فيمكننا أن نجد دليلًا عليها، يظهر بوضوح في ابن آخر لرونالدينيو ولكن بـ «التبني» يمكنك أن ترى فيه جينات النجم البرازيلي السابق حقًّا، وإن لم يمتلكها وراثيًّا.

هذا الفتى يدعى كيليان رواس، لقد أبرم عقدًا مع فريق الشباب «ب» بعد فترة وجيزة من إتمام عقد جواو مينديش مع النادي الكتالوني.

يلعب كيليان بشكل متطرف على الرواق كـ «أبيه الروحي» كما يحب هو أن يطلق عليه، لديه بعض من عبق رونالدينيو وسحره الآسر، يقول إنه يقضي الصيف بالكامل مع رونالدينيو على الشاطئ، وإنه يقول له دائمًا أن يتحلى بالشجاعة في الميدان، تخيل صيفًا كاملًا مع رونالدينيو وبينكما كرة، سيكفيك كثيرًا أن تدرك إلى أي مستوى من الموهبة يمكن أن تصل.

لا تنخدعوا فقط بجينات المهارة البسيطة التي قد تطرأ لدى هذا أو ذاك، الجرعة المركزة كانت لدى «رونالدو جاوتشو دي أسيس موريرا» الشهير بـ «رونالدينيو» ثم أغلق السحر بابه، وترك نثرات بسيطة يمكننا أن نتعقب آثارها، لكن خليفة بشكل كامل لذلك السحر، هذا ما لا نظن حدوثه قريبًا.