محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2021/5/26
الكاتب
Branko Marcetic

لا يفهم الخطاب الإعلامي الغربي الأمور على نحوٍ صائب، فإسرائيل ليست على شفير التحول إلى دولة فصلٍ عنصري «أبارتيد» –إذْ هي فعلًا كذلك.

على مدار الأسابيع الفائتة، شاهد العالم محاولة إسرائيل طرد عائلاتٍ فلسطينية من القدس الشرقية تتصعد إلى أحد عشر يومًا من قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، مُخلِّفًا 254 من القتلى، بينهم 66 طفلاً. لقد شهدت المذبحة تسويةَ الأبراج السكنية بالأرض على يد إسرائيل، وإفنائها عائلاتٍ فلسطينية بأكملها، واستهدافها وكالات الأنباء الغربية أيضًا.

لوضع هذا العدوان الأخير في سياقه الصحيح، تتحدثُ الجاكوبن إلى ناثان ثرال، أحد محللي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ومؤلف كتاب The Only Language They Understand: Forcing Compromise in Israel and Palestine. يوضِح ثرال كيف أنَّ إحرازَ تقدمٍ نحو تسوية عادلة للصراع معناه التخلي عن عديد الأساطير الحاكمة للمناقشات الغربية حول هذا الموضوع.

مارسيتيك: يبدو كما لو أنَّ بنيامين نتنياهو قد اختار عمدًا لحظةً معينة لإثارة الصراع مع الفلسطينيين. أيُّ الاعتبارات دفعته إلى هذا؟

ثرال: لقد زعمَت الكثير من الصحف الإسرائيلية والدولية أنَّ نتنياهو قد سعى إلى تصعيد التوترات لغرض التفويت على خصومه السياسيين فرصة تشكيلِ حكومةٍ. لكن ما من أساس لهذه الادعاءات ولا معنى لها. أولًا، فالتوقيت غير مؤاتٍ بالمرة. فقد بدأت الاحتجاجات الواسعة في القدس ثم بلغت ذروتها في حرب غزة حين كان نتنياهو مفوضًا بتشكيل حكومة. آنذاك، كان نتنياهو نفسه يغازل حزبًا سياسيًا مكونًا من مواطنين فلسطينيين في إسرائيل. كانت إثارة عدم الثقة عند المواطنين الفلسطينيين لحظتئذٍ ضد مصالحه، إذْ سَتُصعِّب عليه تحقيق أولويته القصوى المتمثلة في تشكيل ائتلافٍ.

ثانيًا، بدأت الاحتجاجات الحاشدة في القدس بسبب قرار إسرائيل بداية شهر رمضان إغلاقَ المنطقة المحيطة بباب العامود، والتي تعد واحدة من الأماكن العامة الرئيسة للفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة. كانت تلك الاحتجاجات قوية بما يكفي لإجبار إسرائيل على الاستسلام بفتح درجات باب العامود أمام الفلسطينيين. لقد فعلت إسرائيل ذلك لوقف الاحتجاجات، لا تأجيجها. مرة أخرى، جرى هذا بينما كان نتنياهو مُكلَّفًا بالتفويض، وكان ذلك قبل أسبوعين من حرب غزة. وبدلًا من صب الزيت على النار، أشرف نتنياهو على استسلامٍ مُذلٍ لا يمكن تبريره إلا بالشعور بأن توسُّع الاحتجاجات أو تحولها يشكل تهديدًا خطيرًا.

ثالثًا، كان المحفز الرئيس الآخر للاحتجاجات في القدس هو سلسلة جلسات استماع في المحكمة بشأن خطة إسرائيل لإخراج الفلسطينيين قسرًا من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس وإحلال اليهود محلهم. كانت هذه الخطة ولا تزال قيد التطوير كجزء من سياسة شاملة أكبر لما تسميه إسرائيل «تهويد» القدس الشرقية، مستخدِمَةً قوانين عنصرية تسمح لليهود، ولكن ليس للفلسطينيين، بالحصول على الممتلكات التي فقدوها في حرب 1948، وهي سياسة معمول بها منذ عقود، في ظل حكومات اليمين واليسار على السواء.

مارسيتيك: لقد رأينا، خلال العقد الماضي، الكثير من الطيف السياسي الإسرائيلي يتبع نتنياهو نحو اليمين. ماذا كان رد القادة السياسيين الآخرين في إسرائيل على هذا الصراع الأخير؟ هل ظهرت أصوات معارضة بارزة؟ وما مدى أهميتها؟

لم يحدد نتنياهو موعد جلسات المحكمة، وبدأت المحكمة نفسها الجلسات قبل حدوث الاحتجاجات الحاشدة في القدس. هنا، مرة أخرى، سعت حكومة نتنياهو إلى العكس مما يُزعم: فقد أُجِّلَت جلسة محكمة الشيخ جراح الحاسمة من تاريخها الملتهب «يوم القدس»، حيث يحتفل الإسرائيليون باحتلالهم المدينةَ القديمة وبقية القدس الشرقية في عام 1967. ومن ثمَّ، وبسبب خطر اندلاع حريق هائل، أعادت إسرائيل للمرة الأولى توجيه مسيرة الاحتقال بعيدًا عن باب العامود والحي الإسلامي في البلدة القديمة، بالرغم من حقيقة أنَّ إسرائيل تعتبر هذه المناطق المحتلة قلب عاصمة البلد المضمومة وذات السيادة.

لا يعني أي من هذا إنكار أنَّ الاضطرابات التي شهدتها الأسابيع العديدة الماضية كانت رد فعل على السياسات الإسرائيلية: سياسات تهويد مناطق فلسطينية في القدس، وإغلاق درج باب العامود، واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الفلسطينيين طوال شهر رمضان، والعدد الهائل من الإصابات في صفوف المصلين في المسجد الأقصى، ورفض التصريح بأنَّ إسرائيل ستسمح للفلسطينيين بالتصويت في القدس، وإصدار قرارٍ –في أقدس ليلة من شهر رمضان– بمنع حافلات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من الوصول إلى المسجد الأقصى، مما يقيد حرية العبادة والتنقل للمواطنين الإسرائيليين. كل هذا ولم نذكر الأسباب الأعمق: استمرار نزع الملكية والاضطهاد العرقي والعقاب الجماعي لمليوني فلسطيني في غزة. هكذا، أدت كل هذه السياسات الإسرائيلية إلى الاضطرابات الأخيرة. لكن هذه السياسات استمرارٌ على النهج ذاته. فهي جزء من الاضطهاد اليومي للفلسطينيين على أساس عرقهم، والذي خَلُصَت الأمم المتحدة فضلًا عن مجموعات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية –من الحق إلى بتسيلم إلى هيومن رايتس ووتش– إلى كونه يطابق التعريف القانوني لجريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية.

باختصار، لم تتولد شروط الانتفاضة الفلسطينية من الظروف الخاصة للمصالح الائتلافية الضيقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي. على العكس، فشروط الانتفاضة الفلسطينية موجودة على الدوام.

ثرال: بالرغم من الضعف المطرد لليسار الصهيوني وتعزيز اليمين الصهيوني، فإنَّ هذه المصطلحات مضللة إلى حد ما عند استخدامها في مطبوعةٍ أمريكية. فاليسار الصهيوني عرقي-قومي وليس تقدميًا بأي معنى للكلمة. إذْ إنَّ «معسكر السلام» الإسرائيلي لا يدعو إسرائيل إلى ضمان المساواة الكاملة لجميع مواطنيها، بل يرى السلام –الذي يُعرَّف على أنَّه انفصال عن الفلسطينيين– كوسيلة للحفاظ على إسرائيل دولةً يهودية إثنوقراطية.

إنَّ تأطير «التحول نحو اليمين في إسرائيل» ليس مضللاً فحسب، بل هو بمثابة تبرئةٍ للسياسة الإسرائيلية. يشبه هذا لوم دونالد ترَمب على العنصرية البنيوية في الولايات المتحدة. وثمَّة اقتباسات ممن يسمى باليسار في إسرائيل تَفوقُ في سوئها أيًا مما قاله نتنياهو.

كما وثَّقتُ في مقالٍ حديث في مجلة New York Review of Books، «يومٌ في حياة عابد سلامة»، فقد قال الزعيم الروحي للصهيونية العمالية، بيرل كاتزنيلسون، «لم يسبق للرجل الأبيض أنْ قام بالاستعمار بهذا الإحساس بالعدالة والتقدم الاجتماعي الذي يملأ اليهودي القادِمِ إلى فلسطين»؛ وبعد ثلاث سنوات من قيام إسرائيل، أشار الأب المؤسس للبلاد، ديفيد بن غوريون، إلى استيلاء الدولة الجديدة على الأراضي الفلسطينية على أنَّه «مشروعُ استعمارٍ يفوق أي مشروعٍ استعماري منذ السبعين سنة الماضية». بعد حرب 1967، أعرب رئيسُ وزراءٍ من اليسار الإسرائيلي عن أمله في أنَّه «بسبب الاختناق والحبس في غزة، فربما سينتقل العرب منها». بينما قال رئيس الوزراء إسحق رابين، بطل «معسكر السلام» الإسرائيلي –الذي تتمثل رؤيته للسلام بالفصل العنصري–، «من الأفضل للعرب ألا يتجولوا هنا».

غير أنَّ وسائل الإعلام بأكملها تتحدث كما لو أنَّ مشكلة الهيمنة العرقية الإسرائيلية على الفلسطينيين بدأت مع ترَمب ونتنياهو، وأنَّه مثلما كان على الأمريكيين التخلص من ترَمب، يتعين على الإسرائيليين التخلص من نتنياهو، ثم سيُحَلُّ كل شيء.

ما بدأت تدركه الآن أعدادٌ متزايدة من التقدميين في الولايات المتحدة هو أنَّ الصراع الذي وُصِفَ خطأً بأنَّه صراعٌ بين الدول هو في الواقع صراعٌ داخل الدولة. لكن لا تزال إدارة بايدن ومعظم أعضاء الكونجرس يصفون بشكل خاطئ الصراع بين إسرائيل وفلسطين بأنَّه في المقام الأول احتلال غزة والقدس الشرقية وبقية الضفة الغربية الذي بدأ في يونيو 1967. فإذا كان محور الصراع هو الاحتلال، عندئذٍ ينبغي لإنهاء الاحتلال إنهاء الصراع. لكن هذا الصراع لم يبدأ مع احتلال عام 1967. بل هو صراع محوره الصهيونية، صراعٌ حول تحويل فلسطين –التي كان 97% منها فلسطينيًا في فجر الصهيونية– إلى أرض إسرائيل، ضد إرادة الأغلبية من السكان الأصليين.

يشوه هذا التأطير المتمحور حول الاحتلال تصور المرء عن الحل الضروري والعادل. الحال أنَّ النزاع الحدودي بين الدول (أو بين دولة ودولة قيد الإنشاء) يجد حلَّه بالفعل عبر تعديلات طفيفة على الحدود. لكن إذا كان هذا الصراع حقًا بين مجموعة مسيطرة، قرابة 7 ملايين يهودي إسرائيلي، وبين مجموعة عديمة الجنسية، ومسيطَر عليها، قرابة 7 ملايين فلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية وملايين آخرين ممنوعين من دخول الأراضي، عندئذٍ لن يكون الحل المناسب هو ترك المجموعة المهيمِنة موحدة في دولة واحدة وتقسيم المجموعة المهيمَن عليها إلى قسمين، أحد قسيمها أقليةٌ مضطهدة في دولة إثنية يهودية والقسم الآخر في دولة زائفة متشرذمة تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الشاملة. (تمتلك السلطة الفلسطينية 165 جزيرة صغيرة ذات حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية، وتشكل هذه الجزر مجتمعة أقل من نصف الضفة الغربية. وتسيطر إسرائيل على كامل الضفة الغربية وتدير أكثر من 60% منها بشكل مباشر. بالمجمل، تشكّل مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أقل من 10% من المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل).

كان أحد أهم التطورات – بالنسبة للإسرائيليين أحد التطورات الصادمة– أثناء حرب غزة هو احتجاج الفلسطينيين في أرجاء فلسطين التاريخية، بما في ذلك داخل إسرائيل قبل عام 1967، مما أظهر للعالم أنَّ الشعب الفلسطيني واحد. هذه الحقيقة البسيطة جدًا تشكل تحديًا كبيرًا لنموذج صنع السلام الحالي للمجتمع الدولي. بل إنَّ المتشككين في هذا النموذج في واشنطن ما زالوا ينتقدون الدعوة إلى حل الدولتين التفاوضي على أسس براجماتية: لقد توسعت المستوطنات أكثر من اللازم؛ وما تبقى للفلسطينيين هو الجبن السويسري؛ وما إلى ذلك وهلم جرا. هذه انتقادات صحيحة. لكن القضية الحقيقية ليست قضية براجماتية، إنما القضية الحقيقية قضية العدالة والأخلاق. فبعد أكثر من سبعة عقود من التشرذم، لا يزال الشعب الفلسطيني واحدًا. لِم لا يتمتعون بالحق نفسه في العيش كشعب واحد مثل اليهود الإسرائيليين؟

مارسيتيك: بدا جو بايدن غير مهتم بالقضية الفلسطينية-الإسرائيلية ودعم الهجوم الإسرائيلي دعمًا راسخًا. يبدو أنَّ دعم إسرائيل جزء لا يتجزأ من مسيرته المهنية الطويلة، لكنه يطرحه كمثال على الدبلوماسية الفعالة وراء الكواليس. ما هو تقييمك لاستجابته للصراع؟

ثرال: لسوء الحظ، إذا تدخلت إدارة بايدن في قضية فلسطين-إسرائيل، فسيكون ذلك لمساندة نظام الفصل العنصري، لا لتفكيكه. لكن الركيزة الأساسية لنظام الفصل العنصري هذا هي السلطة الفلسطينية التي تدير البانتوستانات العرقية في الضفة الغربية. وفي احتجاجات القدس التي سبقت حرب غزة، هتف الآلاف ضد قيادة السلطة الفلسطينية. وبعد حرب غزة، تردَّت مكانتها أكثر. فقد هتف المصلون في خطبة الجمعة الماضية بالمسجد الأقصى «برا! برا! برا!» في وجه المفتي المدعوم من السلطة الفلسطينية.

لا تتمتع السلطة الفلسطينية بأي مصداقية، وهذا هو بالضبط الكيان الذي ستسعى الولايات المتحدة إلى تعزيزه. وهؤلاء هم القادة الذين التقى بهم وزير الخارجية أنطوني بلينكين أثناء زيارته هذا الأسبوع. لم يكن لهذه القيادة أي تأثير على الاحتجاجات في القدس، ولا على الحرب في غزة، ولا على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين تظاهروا بأعداد كبيرة خلال الأسابيع العديدة الماضية.

واقعيًا، لا يمكننا أنْ نأمل من إدارة بايدن التوقف عن دعم الفصل العنصري، والتوقف عن بذل ما في وسعها لإطالة أمده والحفاظ عليه والمساعدة في إنهاءِ أي تحديات تواجهه. لكن يمكننا على الأقل أنْ نأمل في أنْ يكون دورها صغيرًا قدر الإمكان، بحيث لا تُسحَق بسهولة الثورات والتحديات التي تنشأ بشكل طبيعي.

في هذه الأثناء، يحتاج التقدميون في الولايات المتحدة إلى استيعاب استحالة تحدي الفصل العنصري عبر تعزيز الشراكات مع اليسار الإسرائيلي. إذا أردتَ ألّا تكون جزءًا من تبرئة الفصل العنصري، فخطوتك الأولى هي التوقف عن إلقاء اللوم على نتنياهو وترَمب أو اليمين الإسرائيلي والجمهوريين. أما الخطوة التالية فهي الاعتراف بأنَّ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يدعمه كل من بايدن واليسار الإسرائيلي. والخطوة التالية بعد ذلك هي البدء في تقليل تواطئك مع الفصل العنصري، وبالدرجة الأولى أموال الضرائب الخاصة بك.

في عام 2014، عامُ آخرِ حربٍ كبرى على غزة، بدأت مدينة فلينت بولاية ميشيغان، بغية توفير 5 ملايين دولار، في أخذ المياه من مصدر جديد، نهر فلينت، ما تسبب في تفشي داء الفيالقة، تسبب الداء بموت العشرات وارتفاع مستويات الرصاص في دماء أطفال فلينت. في عام تفشي المرض، بلغ نصيب الفرد من الدخل في فلينت 25136 دولارًا. بينما كان في إسرائيل 37679 دولارًا. فلينت هي جزء من منطقة الكونغرس الخامسة في ميشيغان، وتكاد تقارب مساحتها مساحة الضفة الغربية، وقد أنفقت عليها الحكومة الفيدرالية 379 مليون دولار في عام 2014، وهذا أقل مما خصصَته إسرائيل لمشاريع في الأراضي المحتلة الواقعة تحت سيطرتها، وأقل من عُشر ما تقدمه الولايات المتحدة الآن لإسرائيل كمساعدة عسكرية سنويًا. لا ينبغي لدافعي الضرائب الأمريكيين أنْ يمولوا الفصل العنصري في إسرائيل مهما حدث. لكن من المؤكد أنه لا ينبغي لهم تمويله بينما هم أنفسهم يموتون من الإهمال المالي.

مارسيتيك: لنضع الحكومة الأمريكية جانبًا، يبدو أن هذا الصراع الأخير قد حوَّل الرأي في كل من الولايات المتحدة والعالم، لصالح النضال الفلسطيني. ما هو شعورك حيال هذا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما مدى أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟

ثرال: ما من أحدٍ ينكر أنَّ الآراء بصدد إسرائيل تتغير في الولايات المتحدة وبقية العالم. إذْ كان من غير المعقول منذ فترة وجيزة أنْ يقول وزير الخارجية الفرنسي إنَّ الوضع الراهن يؤدي إلى الفصل العنصري، كما فعل يوم الأحد. كذا كان من غير المعقول أنْ يتحدث وزير خارجية لوكسمبورغ عن الفصل العنصري الإسرائيلي، كما فعل قبل عدة أيام. كما كان من غير المعقول أنْ يقال عن إسرائيل «دول الفصل العنصري ليست ديمقراطيات»، على لسان لا أعضاء بارزين في الكونجرس فحسب، بل وبعض السياسيين الأكثر شعبية في أمريكا.

لا ينبغي أنْ تكون هذه التصريحات مثيرة للجدل. فعلى مدى أكثر من 99% من زمن ظهور إسرائيل –طوال الثلاثة وسبعين عامًا منذ عام 1948، باستثناء ستة أشهر–، حجبت إسرائيل الحقوق الأساسية عن غالبية السكان الفلسطينيين الأصليين الخاضعين لسيطرتها، ووضعتهم تحت نوع من الحكم العسكري بينما كان للسكان اليهود الذين يعيشون بجانبهم حقوقًا كاملة. لا يمكن اعتبار مثل هذه الدولة، بأي تعريف معقول لهذا لمصطلح، دولةً ديمقراطية.

منذ عام 1967، قام الادعاء بأنَّ إسرائيل دولة ديمقراطية على ركيزة أساسية واحدة: أنَّ مشروع الدولة الذي امتد لعقود، والمتمثل في قمع ملايين أفراد مجموعة عرقية واحدة أثناء مصادرة أراضيهم، يحدث في مكان ما خارج حدود الدولة. لسنوات، كان معظم العالم، بما في ذلك الليبراليون والتقدميون، يؤمنون بما أسميته «وهم النظامين المنفصلين»: أنَّ هناك إسرائيل جيدة وديمقراطية منفصلة عن الاحتلال المؤقت السيئ في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدلًا من دولة واحدة سيادية –دولة إسرائيل– لا تسيطر فقط على كل الأراضي الواقعة بين النهر والبحر ولكنها تدير بشكل مباشر 90٪ منها. إنَّ الجدل الداخلي الإسرائيلي حول ما إذا كان سيُعلَن رسميًا عن ضم المستوطنات قد أظهر للعالم أنَّ المستوطنات، سواء أُعلِن عنها رسميًا أم لا، قد ضُمَّت بالفعل بحكم الأمر الواقع. إنَّها جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل. ما من نظامِ فصلٍ عنصري منفصل وغير ديمقراطي للمستوطنات والبانتوستانات الفلسطينية. فالفصل العنصري ليس ورمًا إسرائيليًا موضعيًا، إنما ورمٌ خبيثٌ قومي.

يحب الصهاينة الليبراليون الادعاء بأنَّ إسرائيل معرضة لخطر التحول في يوم من الأيام إلى دولة فصل عنصري حالَ لم تَستعِد رشدها وتنهي احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن مجرد احتمال أنَّ الفصل العنصري قد ينتهي في المستقبل لا يعني أنَّها ليست دولة فصلٍ عنصري اليوم. ألئنَّ نظام العبودية الأمريكي قد انتهى في آخر المطاف، يعني أنَّ أمريكا لم تمارسه لعقود؟ هل كانت جنوب إفريقيا في ظل الحزب الوطني معرضة لخطر التحول إلى دولة فصل عنصري إذا لم تنهِ قهرها للسكان غير البيض؟ إذا وصلنا إلى سلامٍ إسرائيلي-فلسطيني غدًا، فسيظل على المؤرخين وصف إسرائيل خلال العقود الماضية بأنَّها دولة فصل عنصري.

وللسبب نفسه، علينا أنْ نسمي نظام الهيمنة باسمه اليوم. وسواءً في مدن إسرائيل قبل عام 67، مثل يافا واللد، أو في أحياء القدس المضمومة مثل سلوان والشيخ جراح، أو في المستوطنات المضمومة بحكم الأمر الواقع في الضفة الغربية، فالعملية واحدة: تستولي المجموعة المسيطرة (اليهود) المدعومة من الدولة على الأرض وتَحِل محل السكان المسيطَر عليهم (الفلسطينيين). هذا ما تدعمه دولارات الضرائب الخاصة بنا منذ عقود.