مرت العلاقات الأردنية الإسرائيلية بكثير من المراحل، لكن اتسمت بمرحلتين أساسيتين، بين وئام وتقارب، وشد وجذب، ويحظى الأردن بدور فريد ومهم داخل الأراضي الفلسطينية، بحكم الوصاية الهاشمية على الأراضي المقدسة، حيث مر قرابة عام على مبايعة الفلسطينيين للحسين بن علي في وصاية على الأماكن المقدسة، التي حظيت باعتراف دولي واسع، حتى دولة الاحتلال نفسها لم تنكر هذا الدور الأردني الفريد في اتفاق السلام الموقع بين تل أبيب وعمان في المادة التاسعة من اتفاق التطبيع المعروف باتفاق وادي عربة الموقع في 1994.

مع صعود اليمين الإسرائيلي للحكم وتحديدًا مع أول حكومة لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، عام 1996، زادت الأحلام الصهيونية الاستيطانية التي تصطدم بالحقوق الشرعية التاريخية للشعب الفلسطيني، كما أن محاولات التهويد الزماني والمكاني للأماكن المقدسة في القدس كانت نقطة فارقة في العلاقات الأردنية- الإسرائيلية، ومع عودة نتنياهو للحكم مجددًا بحكومة هي الأكثر تشددًا في تاريخ دولة الاحتلال، برز الصدام بين المملكة الهاشمية الأردنية ودولة الاحتلال بسبب عدم التزام الأخيرة بأي اتفاقات أو معاهدات، وقبيل وإبان تولي هذه الحكومة مقاليد الأمور، شهد الإعلام الإسرائيلي زخمًا في تحليل العلاقات الأردنية الإسرائيلية، لكن سادت نغمة في المقالات التحليلية الإسرائيلية تزعم وجود مخاوف أردنية من عودة نتنياهو للحكم، فهل هناك مخاوف أردنية بالفعل من حكومة نتنياهو؟ وما نقاط الصدام التاريخية بين الملك عبدالله الثاني ونتنياهو نفسه؟ وهل يكون الأردن حجر عثرة في سبيل تحقيق الأحلام الصهيونية بتهويد المسجد الأقصى والأماكن المقدسة؟ ما يهمنا هنا هو البحث عن كيفية التفكير الإسرائيلي في تلك العلاقات، أو بمعنى أوضح، البحث في طبيعة العلاقات بين تل أبيب وعمان لكن بعيون إسرائيلية.

شبح نتنياهو يقلق الأردن

قبيل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لولايته السادسة الحالية، أجرى الملك عبدالله الثاني، لقاءً على شبكة سي إن إن، قال فيه إنه مستعد للصراع إذا تغير وضع الأماكن المقدسة في القدس، وأبدى قلقه من سعي الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية في إسرائيل من سعيها لتغيير الوضع الراهن أو محاولة المساس بالوصاية الهاشمية على القدس، وشدد على أنه في حالة رغبة أي طرف في الدخول في صراع فإن الأردن مستعد لذلك، وعبر عن قلقه بسب إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة بسبب العنف الإسرائيلي.

ويعود القلق الأردني من الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة نتنياهو بسبب عداء الأخير للأردن والملك عبدالله، وهناك مواقف كثيرة سابقة تدلل على ذلك، بل إن عددًا من المحللين الإسرائيليين كتب عن الموقف الشخصي لنتنياهو من الملك عبدالله، ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بعث برسالة نشرها موقع «نيوز وان» الإسرائيلي مفادها أنه لا ينوي تغيير الوضع الراهن في القدس، وهو ما أكده الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، في لقاء له بشرم الشيخ مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بأن الوضع في الأماكن المقدسة لن يتغير، لكن ما حدث بعد تولي الحكومة مقاليد الحكم عكس ذلك، بعد اقتحام وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير ساحات المسجد الأقصى المبارك رفقة قوات الشرطة وهو ما أحدث قلق إقليمي ودولي، وفيما يتعلق بالعداء الشخصي لنتنياهو ضد الملك عبدالله الثاني، هناك عديد من التحليلات في وسائل الإعلام الإسرائيلية.

فالكاتب الإسرائيلي ومحلل الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، تحدث عن مواقف سابقة تدلل على عداء نتنياهو للملك عبدالله، منها رفضه تزويد الأردن بثمانية ملايين متر مكعب من المياه الإسرائيلية كحصة زائدة طلبها الأردن، وحينما أغلق نتنياهو المجال الجوي الإسرائيلي بعدما رفض الأردن أن تحط طائرة نتنياهو رحالها في أراضيه حينما كانت متوجهة إلى دولة الإمارات، ورغم التوصل لتفاهم حول هاتين الأزمتين لكن ظلت العلاقة متوترة، ويرى هرئيل أن نتنياهو لا يقدر العلاقات الاستراتيجية مع الأردن الذي يحمي الحدود الإسرائيلية من ناحية أراضيهم بالتالي يمنع تسلل الإرهابيين والأسلحة داخل الأراضي المحتلة.

مخاوف أردنية

شرح الكاتب الإسرائيلي، شاحر كليمان، في صحيفة «يسرائيل هيوم» بعض المخاوف الأردنية من عودة نتنياهو، ويرى كليمان أن الملك عبدالله كان لا يرغب في عودة نتنياهو، كذلك يخشى عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ويرى أن سياسة الاثنين تؤدي لمزيد من العنف داخل القدس، بسبب السماح لليهود باقتحامات متواصلة للمسجد، الصورة السابقة كتب عنها أيضًا، المحلل الإسرائيلي، فينحاس عنبري، في موقع «زمان» الإسرائيلي، حينما تحدث عن عودة نتنياهو وعلاقته بالأردن في مقالة له، وأكد أن هناك مخاوف من أن نتنياهو يسعى للإطاحة بالملك عبدالله الثاني من الحكم، من خلال تهجير الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية، وطردهم من الضفة الغربية، وهو ما يزيد الضغط على النظام الأردني، بشكل عام نصف سكان الأردن من أصول فلسطينية، فضلًا عن وجود أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني في الأراضي الأردنية، لتصبح أكثر الدول العربية استقبالًا للشعب الأردني بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وشدد عاموس هرئيل في مقالته على أن علاقة نتنياهو مع الملك عبدالله موضع شك منذ سنوات كثيرة، ويرى نتنياهو بحسب مصادر مقربة منه أن الأردن في حاجة إلى إسرائيل أكثر من احتياجهم إلى الأردن، ودائمًا يحاول المقربون من نتنياهو السخرية من الملك عبدالله وتقديم الأردن كدولة ضعيفة وهو ما يزيد الطين بلة في علاقة نتنياهو مع الملك عبدالله.

شهدت الرواية الإسرائيلية في مختلف تناولها الترديد بأن الأردن أضعف من إسرائيل، وكذلك بلورت عدد من المقالات صورة المخاوف الأردنية من الحكومة الحالية، من بينها ما كتبه يوسي بيلين، بعد لقاء أخير جمع نتنياهو والملك عبدالله في الشهر الماضي، كانون الثاني/ يناير، وجاءت مقالته بعنوان العلاقات مع الأردن تشبه تانغو القنافذ، أكد فيها أن الأردن يخشى الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو، وهناك قلق لدى الملك عبدالله الثاني من عودة نتنياهو، خصوصًا الطموحات الإسرائيلية الرامية لترحيل عدد كبير من سكان الضفة الغربية للشرقية، ونصح بيلين الحكومة الإسرائيلية بضرورة الحفاظ على العلاقات الأمنية والاستراتيجية مع الأردن لأنه ينعكس على أمن إسرائيل.

وتحدث الكاتب الإسرائيلي، مايكل هراري، في موقع «زمان» الإسرائيلي عن القلاقل المثارة بين الأردن وإسرائيل في ضوء تولي حكومة انبثقت من رحم الصهيونية الدينية وتهدد الوضع الراهن في القدس، وجاءت المقالة بعنوان هل هناك ما يدعو للقلق بشأن العلاقات بين الأردن وإسرائيل، قال هراري شهدت العلاقة بين إسرائيل والأردن اضطرابات كبيرة في السنوات الأخيرة. كان الشعور في عمان تجاه نتنياهو في ذلك الوقت معقدًا ومشحونًا»، وكشف أن المخاوف الأردنية تدور حول محورين رئيسين، الأول عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكشف أن القلق الأردني يتركز حول احتمال تدهور العملية السياسية بين الجانبين، وأن عمان تشعر بالضعف الشديد على الأرض، وعدم القدرة على إحداث تغيير في مسار العملية السياسية ما قد يسبب انفجارًا في الأوضاع ويزيدها سوءًا، والمحور الثاني هو الوضع في القدس، وهنا يقول الكاتب: تآكل دور الأردن تجاه الفلسطينيين، واشتد الخوف من التنافس مع الدول العربية التي اكتسبت أرضًا في القدس في السنوات الأخيرة، يعني طبعًا السعودية «وشدد على المخاوف الأردنية من تعاظم دور السعودية واحتمال إعطائها دورًا أكبر في القدس ما قد ينعكس على الدور الأردني والوصاية الهاشمية».

يرى الملك عبدالله الثاني أن أي اتفاق سلام لن يمر سوى من خلال القدس، لكن التوترات في المناطق المقدسة والتصعيد الإسرائيلي جعل الصراع بين عمان وتل أبيب «صراع مفتوح» على حد وصف الكاتب الإسرائيلي، دورين لايزر، في مقالة بعنوان العلاقات الإسرائيلية الأردنية: هل نواجه صراعًا.

كابوس الملك وطموحات الصهيونية

يرى عدد من المحللين الإسرائيلين أن عودة نتنياهو بحكومة يمينية متطرفة أشبه بالكابوس للملك الأردني، وهو ما عبرت عنه مقالة إسرائيلية للكاتب، إيتمار ايشنر، حيث سطر مقالة بعنوان كابوس عبدالله يتحقق: القلق الأردني من الحكومة الجديدة، وفي هذا يقول إيشنر: الأردن هو الأكثر خوفًا من أي دولة أخرى من عودة نتنياهو للحكم، وفي أي حديث مع أي مسؤول أردني من الصعب بمكان ألا تشعر بعدم وجود قلق لديهم من عودة نتنياهو، ودعم عاموس هرئيل عن تدهور العلاقات مع الأردن بعد عودة نتنياهو للحكم، وشدد هرئيل على أن عمان لن تتخلى عن القدس، وكذلك فإن نتنياهو لن يتخلى عن النظر للأردن على أنها نسخة من الصراع الفلسطيني، في إشارة للصراع مع الأردن الذي يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الأحلام الصهيونية وأبرزها التهويد الزماني والمكاني للأماكن المقدسة في القدس.

وتناول الكاتب الإسرائيلي، رونين إسحاق، المخاوف الأردنية كذلك، ويرى في مقالة بعنوان العلاقات بين الأردن وإسرائيل في مسار تصادمي، ويرى أن السبب في ذلك هو خوف الأردن من المساعي الإسرائيلية للتقارب مع السعودية على حساب الدور الأردني في القدس والوصاية الهاشمية.

ومن المتوقع حدوث أزمة دبلوماسية بين الأردن وإسرائيل بسبب القدس، وهو ما أكده موقع «المونيتور»، ما قد يجعل العلاقات بين الجانبين على حافة الهاوية كما قال الكاتب الأردني، نضال منصور، شدد فيه على أن انتهاكات إسرائيل لن تنتهي بالتالي فالعلاقات مهددة بالانهيار مع الأردن، ويرى موقع «واشنطن فري بيكون» في تقرير له أن السلام بين عمان وتل أبيب ينهار وهو تطور يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي الهش، وفي المقالة يرى جوناثان شانزر، أحد أفراد مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: «منذ عام 2020، إن لم يكن قبل ذلك الحين، أصبح السلام الأردني الإسرائيلي باردًا بلا ريب، بينما كانت العلاقة تنهار خلف الكواليس لبعض الوقت، بدأ الأردن أيضًا في حرب علنية مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، من خلال رفض التوقيع على اتفاقيات إبراهيم للسلام، ومهاجمة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو، والتهديد بإلغاء السلام بالكامل».

بشكل عام وجود حكومة إسرائيلية ذات توجه يميني متطرف تسعى لتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة سيكون نقطة الصدام الأولى بين الأردن وإسرائيل، لذا يرى الأردن أن تعيين، شخص متطرف مثل إيتمار بن غفير في منصب وزير الأمن كان تحديًا كبيرًا للأردن، وهو ما أكده، يوني بن مناحم في مقالة له، بسبب أن بن غفير له مواقف عدوانية تجاه الأقصى والأردن على حد سواء، فهو الشخص الذي طالب مرارًا بمنع تصدير المياه للأردن، وهو أيضًا من يدعو لتغيير الوضع الراهن في القدس بشتى الطرق، وطالب أيضًا بطرد السفير الأردني العام الماضي، والصورة الضبابية السابقة دفعت أحد الضباط الإسرائيليين لطرح تساؤل في مقالة له بعنوان «هل تستطيع الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على السلام مع الأردن»، وشدد على أن تفاقم الوضع سيؤدي إلى احتجاجات شعبية في الأردن نفسه ستضغط على الملك عبدالله وهو ما قد ينذر بوجود مطالبات أردنية بإلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل بسبب الإخلال ببنوده.