هذا القرار تم اتخاذه بناء على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، ونظرا للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي.

جاءت هذه الكلمات الصادمة في بيان لوزارة الخارجية المغربية، العام الماضي، اعتذرت فيه عن استضافة بلادها للقمة العربية الـ27، وتنازلت عن دورها لموريتانيا، التي عللت استضافتها بالرغبة في الحفاظ على ديمومة الانعقاد.

وعلى الرغم من تباين الموقفين، تتنازعنا نحن العرب القاطنين – قدرًا – لهذا القطر من فضاء العالم الواسع عدة أسئلة، حول الأسباب الوجودية لهذا الكيان الجامع لـ 22 دولة عربية، أفريقية وآسيوية، في خضم حالة الإحباط المخيمة على الأجواء العربية، وفقدان الثقة في الحكومات القومية، وفضلًا عن ذلك، في المؤسسات الجامعة.


مؤسسة بلا مواقف

http://gty.im/483019608

إن كان من وصف معبر عن حال الجامعة العربية، فهي أنها وعلى مدى تاريخها الممتد منذ العام 1945 لم تتخذ مواقف جمعية جديرة بحل أزمات العالم العربي المتراكمة؛ البعض أرجع ذلك لظروف النشأة، والبعض الآخر أرجعه لعوامل بنوية في اللوائح المنظمة لاتخاذ القرار داخل الجامعة، وهو ما سنأتي عليه بشيء من التفصيل غير الممل قدر الإمكان، فيكفي القارئ العربي ملل الحكاية، وهو يعلم النهاية، ويعايشها.

أنطوني إيدن؛ الأب الروحي – كما ينبغي أن يلقب – لفكرة الجامعة العربية، وزير الخارجية البريطاني، وقف في خطاب له مايو/آيار 1941 ليسرد لنا – نحن العرب – أن «العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية -يقصد الأولى- ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجةً من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن.

وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية للروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضًا، وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة».

ليكرر إيدن ذات النداء بعدها بعامين، وتحديدًا في فبراير/شباط 1943، أمام مجلس العموم البريطاني، مؤكدًا أن بلاده «تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب، ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية». ليتبنى بعد ذلك رئيس الوزراء المصري، مصطفى النحاس باشا، فكرة الجامعة العربية، وتخرج نواتها الأولى للنور 22 مارس/آذار 1945.

ولأن إيدن لم يكن أبدًا محبًا للعرب، وللمنطقة، وحتى أن حكومته تحمست كثيرًا للمشاركة في العدوان الثلاثي على مصر، مع كل من إسرائيل وفرنسا عام 1956، فإن إصراره على فكرة الجامعة العربية لم يمكن ليؤخذ بأي حال كدعم للمنطقة العربية ووحدتها، و ترجح بعض المصادر التاريخية أن إيدن كان يرغب من وراء دعمه الوحدة العربية في تعميق الفصل بين الإسلام والعروبة، لتقويض أي مساعٍ لإقامة الخلافة مرةً أخرى بعد الحرب العالمية الأولى.

وبمطالعة الظرف الدولي حينها، ومع اشتداد الضغط النازي والفاشي على الدول الأوروبية أثناء الحرب العالمية الثانية رأت كل من بريطانيا وفرنسا ألا تحدث مزيدًا من الاضطرابات داخل مستعمراتها في البلاد العربية، فوعدت قادة تلك الدول بالاستقلال عقب انتهاء الحرب، وأعربت عن تشجيعها لأي اتجاه نحو الوحدة العربية كما جاء على لسان وزير خارجيتها أنطوني إيدن عام 1941.

بكثير من المرونة، وفي ظل رغبة عربية حقيقية، كان يمكن للأشقاء العرب تجاوز ظروف النشأة ليطوروا مظلّتهم العربية الجامعة إلى دور أكثر نفعية، لكنه طبقًا لما نصت عليه المادة الـ 7 من ميثاق الجامعة، فإن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزمًا لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن قبله فقط، وهنا تُقدم المصالح القومية على المصلحة العربية فوق الوطنية، لتتحول إلى نادٍ للتشاور، لا أكثر.


عندما كفر العرب بأنفسهم

لعقود ظل الصراع العربي الإسرائيلي ميدانًا للنقاشات داخل الجامعة، ومعروفةٌ هي الأزمة الشهيرة التي على إثرها نُقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، في أعقاب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل 1979، ومع ذلك لم يكن من الجامعة سوى القليل والقليل جدًا للقضية الفلسطينية، كاعترافها في العام 1964 بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا عن الشعب الفلسطيني.

ثم في قمة الدار البيضاء 1973، بعد الحرب مع إسرائيل، أقرت الجامعة منظمة التحرير ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وتبني ذلك الموقع دوليًا، وفي الأمم المتحدة. لتحصل بعدها المنظمة على العضوية الكاملة، وليس فقط مجرد التمثيل، عام 1976.

في العام 1979 كانت الجامعة مع حدث جسيم، إذ انعقدت في تونس بدعوة من الرئيس بورقيبة لتدين اتفاقية كامب ديفيد، معتبرةً الصراع العربي الإسرائيل صراعًا طويل الأمد، وتم نقل المقر الدائم لدى الجامعة من القاهرة إلى تونس. وعلقت القاهرة عضويتها لـ 10 سنوات (1979 – 1989)، وهو الموقف العربي الذي لم يطل أمده، إذ اعترفت الدول العربية، في قمة فاس/المغرب 1982 ضمنيًا بوجود إسرائيل.

وصدر عن المؤتمر بيان ختامي تضمن مجموعة من القرارات، أهمها إقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل، وأهم ما تضمنه انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وإزالة المستعمرات الإسرائيلية في هذه الأراضي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب في العودة.

لنأتي للقمة العربية الأكثر أهمية؛ قمة بيروت 2002، والتي تقدمت فيها المملكة العربية السعودية بمشروع تطبيع كامل مع إسرائيل، مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وعلى هذا كان العجز العربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية دليل فشل على فعالية الجامعة، وعدم جدواها.

ومع تراكم المشكلات ظهرت الجامعة العربية وكأنها نادٍ اجتماعي، يلتقي فيه زعماء الدول والشعوب، للتأكيد على صفو العلاقات بينهم، وضرورة التعاون، وإزالة الخلفات الشخصية أحيانًا بين زعماء المنطقة الواحدة.


أبوالغيط: سياسي مبارك الأكثر دناءة

http://gty.im/84122170

لقطة درامية، دبرها القدر عام 2008، لتكون عنوانًا للرجل الجالس على منصة الأمانة العامة للجامعة، التقط فيها أبو الغيط يد تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، وهي تتعثر، بعد لقاء ثنائي جمعهما في العاصمة المصرية، القاهرة، أعلنت ليفني خلاله شن حرب على قطاع غزة، ليخرج الرجل بعدها وفي أوج الحرب على القطاع المحاصر، ويصرح بأن «مصر هتكسر رجل أي حد يعبر الحدود مع غزة»، معلنًا ثنائية الحرب على القطاع، ليشن بعدها حربًا على الأنفاق الواصلة بين القطاع وسيناء.

اقرأ أيضًا:أبو الغيط أمينًا عامًا للجامعة العربية: الدبلوماسية المباركية تعود في ثوب جديد

لتُفشل مصر بعدها محاولة لعقد قمة عربية استثنائية في الدوحة، فقط لأن الداعي لها كانت دولة قطر، في مفارقة مفتقرة كل الافتقار لمعايير الدبلوماسية.


قمة بلا قيمة وحضور بلا غاية

إن كان من وصف معبر عن حال الجامعة العربية فهي أنها وعلى مدى تاريخها الممتد منذ 1945م لم تتخذ مواقف جمعية جديرة بحل أزمات العالم العربي المتراكمة

تنعقد غدًا القمة الدورية لهذا العام للجامعة العربية، وبعيدًا عما نظنه من جدوى مثل هذا اللقاء، فإن الحالة العربية جديرة بكثير من التأمل، في ظل المتغيرات اليومية على الساحة الدولية.

لا يخفى على الكثيرين ما تبذله الإدارة الأمريكية الجديدة من محاولات للصلح بين الفرقاء العرب، وأبرزها ما تم على استحياء بين النظام المصري والسعودي، وعادت على إثره شحنات البترول السعودية لمصر.

اقرأ أيضًا:بترول أرامكو يعود إلى القاهرة: فيما ذهب وكيف عاد؟

ولأن القمة هذه المرة تقام على أرض المملكة الأردنية، حيث نظامها ضمن النظم الأكثر موالاة للإدارة الأمريكية، وكان الملك عبدالله الثاني أول زعيم عربي يلتقي ترامب بعد تنصيبه رئيسًا، فإننا معنيون في كثير من الطرح بالرغبات الأمريكية لهذا القطر من العالم؛ العداء لإيران، السعي لتقويض نفوذها الإقليمي، والمنطقة الآمنة في سوريا، ومحاربة داعش.

وهذه الأجندة الأمريكية تلقى الكثير من الترويج لدى الزعماء العرب، الخليجيون بقيادة السعودية مهتمون بتقويض مساعي إيران، والنظام المصري مهتم بمحاربة الإرهاب الذي أرهقه في سيناء، وكذلك النظام في الأردن متخوفٌ من ارتداد الإرهاب إلى صدره، بعدما بدا وكأنه يفقد نفوذه في العراق وبدرجة أقل في سوريا، ويتعامل الخليجيون هذه المرة بجدية أكثر من السابق مع إدارة البيت الأبيض، لأنها تبدو وخلافًا لسابقتها، عازمة على التدخل المباشر والفعلي في الشرق الأوسط.

وعليه؛ يمكن للقمة أن تتبنى بشكل مباشر الهجوم على إيران والتصعد معها، ومحاولة الاستقواء بالولايات المتحدة أمامها، وكذلك، وكرغبة الإدارة الأمريكية، يبدو أن القضية الفلسطينية ستشهد مسارات مختلفة أقل جدية.