اعتاد شاب في منتصف العشرينات على مشاهدة دوري أبطال أوروبا ورؤية الكبار يفوزون دائمًا، الكبار فقط. ولأنه كان متوسط الموهبة ويحلم بأن يمارس اللعبة، ظن أن الفوز أصبح حكرًا على المواهب غير العادية والمرشحين الأقوياء فقط. ثم جاء جوزيه مورينيو ليحمل اللقب مع بورتو ثم إنتر، لا يهم كيف فاز لكنه فعلها وجعل الفوز مسموحًا لغير المرشحين أيضًا.

بالطبع لم يكن مورينيو الأول ولن يكون الأخير لكن عيني صاحبنا وقعت عليه هو، فأصبح رجله الخاص فعلاً كما أطلق مورينيو على نفسه بعد ذلك. الشاب لم ينجح في مسعاه واكتفى بمقعد المتفرج، ومرت السنوات وهو يشاهد نجاحات مورينيو إلى أن تبدل الحال، وصار يشاهد إمبراطورية رجله الخاص آيلة للسقوط.


لعنة الموسم الثالث أم أسطورة الموسم الثاني؟

تلك الإمبراطورية تم بناء معظم أركانها في الموسم الثاني، وهدم جزء لا بأس به منها في الموسم الثالث. الأمر كان صدفة في البداية وبتكراره تحول إلى حقيقة ترسخت في أذهان الجماهير والنقاد. دائمًا ما كان يُعرف مورينيو بتأثيره السريع وسعيه لنيل الألقاب منذ الموسم الأول.

لو مر الموسم الأول مرور الكرام، فإن الموسم الثاني يأتي استثنائيًا –عدا موسمه الثاني مع مانشستر يونايتد– ثم يأتي الموسم الثالث لتتراجع النتائج ويبدأ مورينيو في الصدام مع لاعبيه حتى يرحل ويكرر ذلك في مكان آخر. كما توضح الجداول التالية، فإن معدل النقاط لدى أندية مورينيو ينخفض في الموسم الثالث بشكل واضح، كما أنه الأقل في عدد البطولات.

جوزيه مورينيو
جدول يوضح انخفاض أداء مورينيو في موسمه الثالث مع الفرق التي تولى مسؤوليتها.

يٌرجع البعض سبب ذلك إلى تخطيط مورينيو للنجاح على المدى القريب وليس البعيد؛ سعيًا منه لتحقيق نجاح شخصي حتى لو كان مؤقتًا على حساب التخطيط لمستقبل النادي. الأمر ليس كما يبدو؛فتشيلسي-مورينيو دخل موسم 2005-2004 بجيل شاب قوامه لامبارد، وروبين، وجون تيري، وبيتر تشيك، ودروجبا، وجو كول، وجوديونسون، وجالاس، وريكاردو كارفاليو.

كان أكبرهم يبلغ من العمر 26 عامًا، وكان ماكاليلي هو الاستثناء الوحيد إذ كان في عامه الواحد والثلاثين. وفي ريال مدريد جلب مورينيو كلاً من: أوزيل، ودي ماريا، وخضيرة، وفاران، وكاسيميرو دون الحاجة لذكر المهمشين كخوزيه كاليخون وسيرجيو كاناليس لاعب ريال بيتيس الحالي.

الاتهام بالتخطيط على المدى القصير يصلح فقط لحالة إنتر ميلان؛ إذ تعاقد مورينيو مع ميليتو، وإيتو، ولوسيو، وتياجو موتا، وهؤلاء بالطبع لن نعتبرهم ناشئين، لكنهم حققوا المطلوب، وقدموا رفقة مورينيو أنجح مواسمه على الإطلاق ليرحل بعدها مباشرة دون أن نرى لعنة الموسم الثالث.


مورينيو في مقابل المدارس الأخرى

على المستوى التكتيكي فإن مورينيو ليس بحاجة إلى تعريف. الرجل ليس من المغامرين أصحاب الفكر الهجومي والضغط العالي. هو من أصحاب رد الفعل، التنظيم الدفاعي أولًا ثم بعد ذلك تأتي البقية.

قديمًا لم يكن الدوري الإنجليزي يحتوي على مثل هذا الكم الهائل من المدربين والأفكار. فقط مورينيو رفقة السير أليكس فيرجسون، وأرسين فينجر، إضافةً إلى عدد لا بأس به من رواد الكرة الإنجليزية المتعفنة من أمثال توني بوليس، وسام ألاردايس. أما اليوم فالعدد تضاعف، الأربعة الكبار صاروا ستة.

استقطب البريميرليج كلاً من: جوارديولا، ويورجن كلوب، وماوريسيو بوتشيتينو، وساري، وتقلص عدد المدربين الإنجليز إلى أربعة فقط؛ منهم المدرب الشاب إيدي هاو مدرب بورنموث والذي يمتلك أفكارًا مغايرة عن سابقيه من المدربين الإنجليز.

الدوري الإنجليزي, البريمييرليج, جوزيه مورينيو
4 مدربين فقط يحملون الجنسية البريطانية من أصل 20 مدرب في البريمييرليج.

قبل ذلك كنت ستصطدم بهذه الأفكار والمدارس التدريبية المختلفة مرة أو مرتين في بطولة دوري أبطال أوروبا، وأدوار خروج المغلوب قد تتيح لك فرصة خطف الفوز، لكن الآن الكل يلعب وينافس على نفس البطولات.

ستخسر من برايتون اليوم وبعد أسبوعين سيفوز عليهم السيتي وبعده بعدة أسابيع يفوز عليهم تشيلسي وتبدأ عجلة المقارنة في الدوران، بداية من صافي الإنفاق في سوق الانتقالات حتى نصل إلى تحليل الأداء على أرض الملعب. لو كانت مباراتي ذهاب وإياب فقط في دوري الأبطال، ما كنا وجدنا كل هذا بالطبع.

سأحاول أن أنقل الصورة إليك، بدأ أحد أيام السبت الممتاز على قناة bein sports في نسختها الإنجليزية بمناقشة أزمة اليونايتد سريعًا قبل الخوض في مباريات اليوم، ليقول أحد الضيوف نصًا:

نحن نتوقع من فريق كبير مثلهم أن يهاجم ويضغط من الأمام.

صدقًا لم يكن أحد يجرؤ على قول هذا منذ عشر سنوات، وفي إنجلترا تحديدًا، لكن هذا ما حدث. الكل يلهث وراء الموضة وعليك أن تصير مثلهم وإلا نبذوك. هذه هي المشكلة الأكبر لدى مورينيو. ليس سهلًا أن تقنع شخصًا بتغيير أفكاره التي قادته سابقًا للفوز بالدوري والكأس في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال!

كبرياء مورينيو يصور له أنه سيتخلى عن مبادئه لذلك هو يستميت للدفاع عنها، لكن المطلوب هو أن يطور أفكاره وفقًا للموضة وبشكل تدريجي دون التخلي عن جذوره التي صنعت منه «السبيشال وان».


الرجال أم الأطفال؟

تصريح سابق لجوزيه مورينيو لجريدة فرانس فوتبول.

بدأ مورينيو مؤخرًا في فهم ما يجري حوله. اللاعبون الشباب -على حد وصفه-ليسوا رجالًا بل هم صبية. يضرب مورينيو مثالًا بفرانك لامبارد عندما كان في الثالثة والعشرين والذي كان ناضجًا بما يكفي عكس شبان اليوم. تصرفات الشباب حاليًا ليست كالسابق؛ السوشيال ميديا والإعلانات وقصات الشعر وغيرها من التصرفات التي على الجميع أن يتعامل معها لأنها أصبحت واقعًا.

أدرك مورينيو جزءًا من اللغز لكنه بقي عاجزًا عن حله. كيف يمكن أن يتحول من مشهد بكاء ماتيراتزي عند رحيله من إنترميلانو ومن قبله دروجبا، إلى مشاحنات مع لوك شاو ثم مارسيال ثم بوجبا، ومن قبلهم كاسياس وبيبي؟

عندما رحل مورينيو للمرة الأولى عن تشيلسي تجمع اللاعبون وتوسلوا إلى إدارة النادي من أجل بقاء المدرب. دروجبا كان يبكي وشبّه الأمر بفقدان والده. لكن في المرة الثانية رحل مورينيو بعد خلافاته مع اللاعبين وعلى رأسهم هازارد وكوستا، شتان بين الحدثين.

بالطبع كل خلاف وراءه قصة، قد يكون مورينيو هو الجاني وقد يكون المجني عليه، لكن في كل الأحوال يقع الضرر على مورينيو بصورة أكبر؛ لأنه لم يفهم بعد بقية اللغز. اللاعبون ازداد نفوذهم، لم يعد الوضع كما السابق، أصبحوا لا يخجلون من تصفية خلافهم مع مدربهم على أرض الملعب، حتى ترى منهم تراخيًا شبه متعمد دون أي مراعاة لاسم النادي وجماهيره.

https://twitter.com/DrawtyDevil/status/1034332530458148864

في النهاية، دعنا نعود لتصريح مورينيو نفسه، عليك التكيف مع العالم الجديد. المدرب لم يعد جنرالًا يوجه جنوده، الجنود أصبحوا بحاجة إلى الإقناع، عليك أن تتحلى بروح القيادة على غرار روح القانون، عليك أن تمزج الديكتاتورية بشيء من اللين حتى تستطيع التعامل مع من هم أقل نضجًا.


المشهد الأخير

يجب علي أن أتكيف مع هذا العالم الجديد، وما أصبح عليه اللاعبون الصغار الآن.

تخيل قطارًا يسير بسرعة وإذا استمر في طريقه سيدهس خمسة عمال، وبإمكانك أن تنقذ الخمسة بتحويل مسار القطار إلى مسار آخر. لكن المسار الجديد عليه عامل واحد فقط. هل ستختار أن تضحي بواحد من أجل خمسة؟ هذه هي المشكلة الأخلاقية التي طرحتها الفيلسوفة الإنجليزية «فيليبا فوت» في عام 1967. يجبرك ذلك المشهد التخيلي على التفكير في اختياراتك عندما لا تكون هناك اختيارات جيدة.

المشهد يحدث الآن في مانشستر يونايتد، وقد تكرر سابقًا في تشيلسي ومن قبله ريال مدريد. تكثر صراعات مورينيو ليسير وحيدًا على السكة، وفي السكة الأخرى يتواجد إد وودوارد المدير التنفيذي لمانشستر يونايتد، وبول بوجبا، ووكيله مينو رايولا، وأنطوني مارسيال. النتائج ستسوء والإدارة في موقف حرج، وفي النهاية ستضحي بذلك العامل الذي يقف وحيدًا في طريق القطار. أفادت استطلاعات للرأي بأن 90% من الناس سيختارون التضحية بالواحد من أجل البقية؛ لذلك فالاختيار قد يكون حُسم مسبقًا.

لكننا أمام شخص عنيد كمورينيو، لن يرفع الراية البيضاء بهذه السرعة. سيلعب من أجل زيادة الـ 10% الباقية. في البداية سيهاجم مانشستر سيتي بسبب فيلمهم الوثائقي «All or Nothing»، بذلك سيستميل الجمهور قليلًا. بعد ذلك سيحول كل المؤتمرات الصحفية للدفاع عن تاريخه الطويل المليء بالإنجازات مقارنة بتاريخ المدير التنفيذي مثلًا.

خلاف مع بوجبا؟ يريد الرحيل!

حسنًا، سأجعل هذا اللاعب غير المسئول قائدًا للفريق وسأضعه أمام فوهة المدفع مباشرة، النتائج ستتحسن على المدى البعيد! إذن نحن نسير وفقًا للخطة. مورينيو بدأ في شق الصف، واستمال بالفعل جزءًا من الجمهور.الطائرة تحلق فوق ملعب بيرنلي بلافتة مكتوب عليها «إد وودوارد متخصص بالفشل». مورينيو يعلم أن الجمهور هو العنصر القادر على قلب المعطيات لصالحه وجعل عائلة جلايزر «ملاك النادي» يفكرون قليلًا ويمنحونه فرصة أخيرة.

يقول دييجو ميليتو عن مدربه السابق:

يحتاج مورينيو دائمًا إلى عدو ليكون قادرًا على الهجوم والدفاع عن فريقه.

مورينيو اعتاد على خلق الصراعات لكنه اليوم يصارع نفسه، يصارع عناده، لذلك عليه الحذر لأنه قد يكون صراعه الأخير.