عند الحديث عن تربية طفل مسؤول؛ أول ما يتبادر إلى ذهن الغالبية أن الطفل المسؤول هو من يُربى ليشب ملتزمًا بالقواعد العامة، قليل الأخطاء، لا يجلب المشاكل وإن فعل يتحمل النتيجة، منظمًا مهذبًا وفيًا بالتزاماته، يمكن الاعتماد عليه، ولكن غالبًا ما يتم الخلط بين الطاعة والمسؤولية وتتحول محاولات التهذيب والدعم إلى صراعات سلطة، فعلى الرغم من أن الأهداف نبيلة، ولكن في وقت الخلاف يظهر وجه آخر.

يحب الآباء أن يطاعوا من أبنائهم، ولا يتحملون التشكيك في سلطتهم، ولهذا يتم دفع الأطفال دفعًا غاصبًا ليمثلوا هذا النموذج المسؤول المثالي عن طريق عدة وسائل يعتقدون خطأ أنها وسائل تربوية مثل تحديد جداول بالمهام المنزلية عليهم أن يلتزموا بها وقوانين للعقاب والثواب على أفعالهم، إما عن طريق العقاب اللحظي أو باستخدام اللوحات المسماة بلوحات التعزيز التي يوضع فيها وجه مبتسم لكل فعل جيد ووجه عابس لكل فعل سيئ، وفي النهاية يثاب الطفل أو يعاقب تبعًا للكفة الراجحة. فهل ينجحون؟

ستجد من يستخدم هذه الوسائل يطلب من طفله في عمر الرابعة أن يرتب غرفته ويستمر على نفس الطلب حتى عمر العشرين وأكثر، فهذه الوسائل وغيرها قد تبدو للوهلة الأولى سريعة المفعول لتربية طفل مسؤول – بالصورة المرجوة – ونتيجة لاستخدامها قد يستجيب الطفل بالفعل لتنفيذ ما يطلب منه في بداية الأمر، ولكن هذه الوسائل ليست فقط لا يستمر أثرها الواهي المؤقت لمدة طويلة، ولكنها أيضًا لها آثار سلبية لاحقًا على المدى الطويل فهي لا تزرع في الطفل المسؤولية بحق، قدر ما تجعله طفلاً مروضًا، فإن غاب مدربه ومراقبه خاب.

كل منا يتمنى لو أن يعيش في عالم كل أفراده مسؤولين، يمكن للأمر أن يبدأ من عندك بتنشئة طفلك كفرد مسؤول، فكيف يمكنك أن تفعل هذا؟


1. ركز على قدرة طفلك، وليس على المهمة التي تريده القيام بها

عندما تكرر مطالبك بالمهام التي تريد أن يفعلها طفلك فإن هذا يرسل إشارة له بأنه ليس قادرًا على اتخاذ قرار بتحمل مسؤوليته، وتتحول تلقائيًا هذه المسؤولية إلى عبء في نفسه، وكلما مر الزمن فإن التكرار لن يجعله يفعلها من نفسه لاحقًا، ولكن على العكس تمامًا لأنه أصبح مؤمنًا بأنه يحتاج لمحفز يدفعه مضطرًا للقيام بالمهمة ليس من أجل إتمامها ولكن من أجل الخلاص منها، لا يوجد طفل لم يسكب يومًا ماء أو حليبًا أو عصيرًا على الأرض يمكنك أن تطلب منه عشرات المرات أن يصحح خطأه ويمسحه، ويمكنك أيضًا أن تأتي بمنشفتين مبتسمًا ليختار واحدة له وواحدة لك، فأنت الآن في صفه.


2. كن صبورًا ولا تمل فتفعلها بنفسك

دائمًا الحل الأسرع والأسهل أن نقوم بالأمر بأنفسنا، مقاومة رغبة التدخل هذه ليست بالأمر الهين، ولكنها أمر ضروري فاسمح لطفلك بعمل بعض الأشياء بطريقته الخاصة، فإن فشل في مهمته وانتابه الإحباط فلا داعي لإنقاذه فهذا يعني له أنه غير قادر، إنه يحتاج منك فقط دعمك وتفهمك لمشاعره والقليل من المساعدة على قدر الحاجة إن طلبها، لا تنس أن هدفك ليس المهام نفسها فهي ممكن أن توكل لأي شخص ليقوم بها بدلًا منا، ولكن الهدف هو تعلم تحمل المسؤولية.


3. خذ خطوة للخلف ليتحمل الطفل نتائج اختياراته

إن من خير ما يزرع المسؤولية في النفوس العواقب الطبيعية، عندما يرفض طفلك ارتداء معطفه في الجو البارد لن يعلمه مسؤولية قراره إجبارك له، ولكن ما سيعلمه هو شعوره بالبرد كنتيجة طبيعية، في هذه الحالة قاوم استخدام جملة «لقد قلت لك» فإذا استخدمت اللوم فإنك تحول العواقب لعقاب، وجودك فقط إلى جانبه مستعد للتدخل وقت الضرورة يكفي.


4. اسأل بدلًا من أن تأمر أو تلوم

«اخلع حذاءك، غير ملابسك، اغسل أسنانك، لماذا لم تذهب إلى سريرك بعد؟» بدلًا من هذه السلسلة من الأوامر اسأل طفلك – إن احتجت لهذا – «هل تحتاج مساعدة في فك الأزرار؟ ما الخطوة التالية لتستعد للنوم؟» اتخاذ الطفل القرار بنفسه عند الرد على الأسئلة التي تهدف لحل المشكلة يجعله يبقي تركيزه على قائمة المهام نفسها بدلًا من التركيز على التنصل من الأوامر، غير أن اللوم يجعل الأمور أسوأ لأنه يجعل الإنسان أميل للدفاع عن نفسه بدلًا من تنفيذ المهمة بل وإن زاد اللوم على الحد ينتقل لمرحلة الهجوم.


5. تجنب الوقوع في فخ النبوءة ذاتية التحقق

عندما يخطئ طفلك وتبادره بقول: «أنت غير مسؤول»؛ فأنت تتسبب في غرس عدم المسؤولية فيه بالفعل. الأطفال يصدقون ما يقال عنهم ممن يثقون فيهم، عوضًا عن هذا ركز على المهارات التي يملكها بالفعل لتساعده في تحمل المسؤولية، فإن كان ينسى كل يوم أدواته المدرسية ولكنه ماهر في الرسم، شجعه على رسم لوحة تضم كل ما يحتاج لإعداده قبل النزول ويعلقها في مكان واضح له ليستعين بها.


6. عزز عقلية النمو لطفلك

هذا يعني حسن استغلال وتحويل الأخطاء التي لا بد أنها ستحدث حتمًا كفرصة لتعلم شيء جديد بدلًا من التركيز على الخطأ نفسه، أيضًا تقدير الجهد المبذول مهما كانت النتيجة يحسن الأداء ويعزز الثقة بالنفس والمثابرة.


7. اعط طفلك فرصة العمل بأجر

العالم الحقيقي الذي نعد أطفالنا له لا يتكسب فيه أحد دون عمل جاد، الطفل في كنف والديه يولد فيجد نفسه مسؤولًا منهم، ولكن هذا لا يجب أن يستمر للأبد، وأيضًا لا يجب أن يحدث هذا فجأة عندما يبلغ الطفل سنًا محددة دون إعداد مسبق، عمل الأطفال ليس بالضرورة أن يكون مجهدًا وشاقًا، قد يكون هذا العمل غسل السيارة أو بيع مأكولات خفيفة لأصدقائه أو مجالسة أطفال الحي عندما يبلغ عمرًا مناسبًا، لا يوجد إعداد أو تعلم دون تجربة وفشل ومحاولات لتخطي الفشل.

مزيد من الأفكار حول إدارة الأطفال للأموال؛ اقرأ أيضًا:كيف تعلم طفلك إدارة أمواله؟


8. الجداول والتقويمات للمساعدة لا للمحاسبة

في هذا الزمان كل شيء يحتاج إلى السرعة، ومع الضغط التنافسي الشديد الواقع على الأطفال بالفعل لا يجب أن نزيد عليهم هذا بعبء جديد وهو المحاسبة بالجداول كما لو أنها من ضمن الفروض التي وجب فعلها، المفترض أن تكون هذه إحدى وسائل المساعدة عند الحاجة إليها، إن كتابة الجداول ليست أكثر من مهارة تكتسب بشكل تلقائي خلال الحياة اليومية مثل كتابة قوائم المشتريات، أو جداول المهام المنزلية، ولا مانع أبدًا من تطبيق هذه المهارة بوسائل أكثر حداثة مثل الأجهزة الذكية أو الخرائط الذهنية.


9. لا تعارض بين المسؤولية والمتعة

عندما يتشارك جميع المعنيين بمسؤولية ما في تقسيم الأدوار بالاتفاق فإنهم يكونون أكثر ميلًا لتنفيذها بأريحية، وأيضًا عند إضافة بعض المتعة عند تنفيذ تلك المسؤوليات كدمج الألعاب والخيال أو استخدام الموسيقى والإيقاع فهذا يساعد على قطع شوط طويل في حل مشكلة التسويف والتهرب من المسؤولية. لا تنس مراعاة السن المناسبة لكل فرد وقدراته ومهاراته وأنتم توزعون الأدوار.


10. كن مثالًا جيدًا

عندما توعد طفلك وتخلف وعودك معه ستنشئ طفلًا لا يلتزم بكلمته، عندما تتنصل من مهامك المنزلية بحجج واهية ستنشئ طفلًا لا يعتمد عليه ولا يفي بالتزاماته، عندما تغض بصرك عن احتياجات من حولك ستنشئ طفلًا غير مبال إلا بذاته، إنها مسؤولية عظيمة أن تنشئ طفلًا مسؤولًا ولكنها ممكنة إذا هذبت نفسك وعلمتها المسؤولية وأنت تعلمها لطفلك!

عندما يرمي رامي السهام سهمه فإنه لا يصوبه مباشرة على الهدف في خط مستقيم، ولكنه يرفع قوسه للأعلى بزاوية ثم يطلقه، هذا يجعل السهم يتباطأ في رحلة صعوده حتى يتوقف ويصل لسرعة صفر، ثم تزيد سرعته مرة أخرى حتى تصل سرعته لأقصى حد لها عند الاصطدام بهدفه. كذلك تنشئة طفل مسؤول لا تتحقق بدفع الأطفال دفعًا للاستقلال بشكل مباشر بالأوامر والعقاب، ولكنها عملية تحتاج للتأني والحكمة والتوجيه السليم لإصابة الهدف بقوة.

لقد أصبح من المعتاد أن ترى شبابًا تخطوا عامهم العشرين بل وأحيانًا الثلاثين وما زالوا يطالبون والديهم بحمل مسؤوليتهم كاملة! إن إعطاء الأطفال حق المسؤولية عن أفعالهم وممتلكاتهم يساعدهم على مغالبة الاستحقاق المفرط هذا في مجتمعاتنا اليوم، ولا يمكن بأي حال تعلم المسؤولية دون قدر كاف من الحرية، مع هذه الحرية هناك قدر آخر، ولكنه قدر من الألم يشعر به الآباء عندما يقررون أخذ خطوة للوراء وهم يستطيعون إنقاذ أطفالهم بسهولة، ولكن هذا الألم ضريبة تنشئة طفل مسؤول، أليس هذا ما نتمناه لهم.