تشهد مدينة القدس أكبر عملية تزوير في التاريخ، إذ تستهدف هذه العملية الوجود الفلسطيني أولا والقضاء على تاريخ القدس وعلى الحضارات التي سبقت للعيش فيها ثانيا.

فقد بدأ تهويد القدس من قبل الصهاينة منذ مطلع القرن التاسع عشر، وما زال مستمرا حتى وقتنا الحاضر، ويعرف التهويد على أنه عمليّة نزع الطابع العربي والإسلاميّ والمسيحيّ عن القدس، وفرض الطابع اليهوديّ عليها. وبمنظوري أنا فمعنى التهويد هو العمل على جعل كل شيء يهودي من أجل طمس الحقائق التاريخية ودحض الرواية العربية الإسلامية والحق الفلسطيني.

ومن الجدير بالذكر أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتسلسلة تتبنى منذ النكسة عام 1967م مخطط لتهويد البشر داخل القدس، وسميّ المخطط باسم سياسة الطرد الهادئ، وبناء أعمدة دولتهم الصهيونية على أنقاض الشعب الفلسطيني، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عامة والقدس خاصة بشتى أساليب الاحتيال والنصب والإرهاب، واحتلال واستيطان الأراضي الفلسطينية المصادرة والقرى الفلسطينية المهجرة، واستيعاب أكبر عدد من المهاجرين اليهود.

والهدف من وراء هذه السياسة هو تدعيم الحكم الإسرائيلي وسيادة بني صهيون على مدينة القدس من خلال حرب سكانية حاسمة لليهود في المدينة في جعل نسبة السكان اليهود في القدس أكثر من 70%، ولكي يتحقق هذا الهدف تعمل سلطات الاحتلال دوما على زيادة أعداد اليهود في القدس المحتلة من ناحية، وعلى دفع الفلسطينيين المقدسيين لمغادرة المدينة من ناحية أخرى.

لم يكتفي الاحتلال بذلك، بل قامت السلطات الإسرائيلية بعدد وافر من إجراءات التهويد للمدينة، فحول الصهاينة جزءا كبيرا من مقبرة القدس إلى حديقة عامة سميت بـحديقة الاستقلال، وفي منتصف عام 2000م قامت شركة الكهرباء الإسرائيلية بأعمال حفريات بالمقبرة وساهموا في تحويل جزء منها إلى موقف سيارات، وتقيم بها أبنية على نسقٍ صهيونية مخالفة للملامح العربية والإسلامية لتشويه صورة المدينة عندما تصبح مبرقعة، وتُقام في المدينة بعض الأعمال التي من أساليبها تغيير مكانة القدس سياسيّا وديموغرافيّا.

والهدف من وراء ذلك هو استكمال تهويد القدس، وتطبيق الرواية الإسرائيلية التي تتحدث عن (أن القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل والتي لها سيادة على المدينة).

ولم يخلُ الأمر من بعض السياسات المستفزة التي اعتمدتها إسرائيل، فقد نفذت سياسة سرقة الآثار وانتسابها لهم، ولم تكتف بتزوير ما ذكر… بل طالت تغيير أسماء معالم في القدس القديمة، ومن الأمثلة على التزوير: طريق سليمان الذي أسمته رحوف هتسنحايتم، باب المغاربة التي أطلقت عليه اسم رحوف بيتي محسي، زاوية أبي مدين الغوث وحولته لاسم عقبة الشاعر يهودا هاليفي… إلخ.

لم ننه حديث التهويد بعد، لقد طالت أيديهم إلى التهويد الديني وطبقته على أرض الواقع، والهدف من ذاك التهويد طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية في القدس من خلال هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وغيرها من رموز الحضارة المقامة في القدس وتقاسمها مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وإقامة هيكل سليمان الذي يتحدثون عنه مكان الأقصى ليكون محل جذب لليهود من شتى أنحاء العالم، فالتوراة المقدسة بالنسبة إلى العقل الصهيوني وسيلة للمآرب السياسية لهم.