تبدأ القصة في مدينة برمنجهام؛ قلب إنجلترا الصناعي القديم. هناك في أكاديمية برمنجهام سيتي يسير طفل لم يكمل عامه الثاني عشر بعد يدعي جود بيلينجهام بمحاذاة مدرب الأكاديمية ليطلب منه أن يرتدي القميص رقم عشرة المميز، إلا أن مدربه يختار له قميصًا برقم آخر؛ الرقم 22.

يشعر الطفل بقليل من الارتباك، ربما كل تلك الإشادات التي يتلقاها على الدوام لا تؤهله بعد لارتداء القميص عشرة لكن السيد مايك دودز ينهي هذا الارتباك على الفور بإشادة جديدة؛ أنت يا جود تستحق ارتداء الرقم 4 والرقم 8 والرقم 10 لأنك تجيد كل هذه الأدوار، لذا اخترت لك القميص 22، فهو مجموع تلك الأرقام فوق القمصان التي تستحقها جميعًا.

تبدو بداية لطيفة لقصة لاعب يقدم حاليًا مستويات مبهرة وانطلاقة مميزة مع نادٍ عملاق مثل ريال مدريد، لكن من يصدق أن أحدهم قد يراهن على طفل في عامه الثاني عشر، تبدو القصة أقرب لتلك القصص التي لا تظهر إلا بعد نجاح اللاعب وتنسج حوله هالة الأساطير الذين كانوا جميعًا لا ينامون إلا وفي أحضانهم الكرة.

لكن ماذا لو أخبرتك أن بعد أربعة أعوام فقط سيراهن نادي برمنجهام نفسه على أنه قدم لكرة القدم لاعبًا لن يتكرر، فيقوم بتعليق ارتداء القميص 22 في النادي للأبد، وفي نفس العام يراهن نادي بروسيا دورتموند أن جود سيرتدي قميص انجلترا قبل انقضاء عامين فقط، ثم يراهن ساوثجيت أن جود هو القطعة الأهم في منتخب الأسود الثلاثة، ثم يأتي الدور على رجل الرهانات الأهم فلورنتينو بيريز ليجعل جود ثاني أغلى لاعب إنجليزي حينذاك. لكن الأهم ماذا لو قلت لك أن كل تلك الرهانات نجحت بشكل أفضل مما توقع الجميع.

تبدو القصة قابلة للتصديق الآن إذًا، دعنا الآن نعود للطفل جود بيلينجهام الذي تبدأ قصته قبل الثانية عشرة بل قبل أن يفهم ما هي كرة القدم.

بيلينجهام رهان برمنجهام الأهم

تقدر عدد الأهداف التي سجلها السيد مارك بيلينجهام والد جود أكثر من 700 هدف في مسيرته في دوري الهواة. هذا لا يعني أن مارك كان لاعب كرة قدم بل هو رقيب في شرطة وست ميدلاندز لكن على الجانب الآخر هذا يعني ببساطة أن جود كان يعرف عن كرة القدم الكثير في سن صغيرة.

كنت أشاهده وهو يلعب طوال الوقت؛ ومن هنا بدأت أشعر بهذا الحب لكرة القدم. يمكنك أن ترى من خلال الطريقة التي ألعب بها أنني أعرف عن كرة القدم منذ صغري. أعتقد أن ذلك يأتي من مشاهدة والدي وهو يلعب على الرغم من أنه لم يتدخل مطلقًا!
جود بيلينجهام متحدثًا عن والده

التحق بيلينجهام بأكاديمية مدينته في السابعة، وتدرج في مختلف المراحل السنية للفريق لكن المشكلة أن نادي برمنجهام نفسه كان يترنح وسط ضباب من الملكية الغامضة وعدم اليقين المالي، فمنذ هبوط النادي من الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2011 نادرًا ما اقترب من العودة. إلا أنه رغم كل ذلك تسربت أخبار وجود لاعب استثنائي صغير السن للعديد من الأندية.

ربما هذا ما دفع بيب كلوتيه مدرب الفريق أن يدفع بهذا اللاعب وهو في السادسة عشرة فقط إلى أرض الملعب؛ ليصبح أصغر لاعب يشارك رسميًا عبر تاريخ النادي، والأكثر إثارة أن اللاعب صغير السن أثبت جودته منذ اللحظة الأولى.

يرى مايك دودز مدرب أكاديمية برمنجهام أن العامل الأهم الذي امتلكه جود هو قدرته الفائقة على تلقي المعلومات ورغبته في بذل مزيد من الجهد للتطور، بينما عبر كلوتيه عن الأمر بأن عالم كرة القدم لا يخلق بطبيعة الحال أشخاصًا يستجيبون للانتقادات حتى عندما تكون بناءة، لكن يبدو أن بيلينجهام قد أدرك مبكرًا جدًا قيمة النصائح التدريبية.

لقد كان جود لاعب كرة قدم جيدًا وصاحب شخصية ناضجة للغاية رغم سنه الصغير، وربما هذا ما جعله يختار خطوته الثانية بشكل مثالي حيث النادي الأهم في صناعة اللاعبين الشباب على الإطلاق، بروسيا دورتموند.

بيلينجهام وبروسيا: الرهان المتبادل

شارك بيلينجهام رفقة فريق طفولته وبدأ الجميع في التخطيط للظفر بهذه الجوهرة. كان أقرب الخيارات وأكثر الأندية حرصًا على إتمام التعاقد مع جود هو مانشستر، لدرجة أنه تمت الاستعانة بالسير أليكس فيرجسون الذي قام باصطحاب اللاعب في جولة حول مرافق التدريب بالنادي ولكن جود كان يحتاج حديثًا من نوع آخر تمامًا.

على حد تعبير بيلينجهام؛ قطع دورتموند له وعدًا بسيطًا بما فيه الكفاية لكي يوقع معهم على الفور. كان الوعد كالتالي إذا أتيت إلى هنا، فسوف نقوم بتطويرك، وستحصل على وقت للعب وستكون لاعبًا دوليًا في غضون عامين.

تلقى جود أول استدعاء دولي له بعد أربعة أشهر فقط، لكن لم يكن هذا هو الرهان فحسب بل التطور الذي أضافه بروسيا للاعب كان الرهان الأهم. يعتقد جود نفسه أن الطريقة التي يدمج بها نادي بروسيا اللاعبين الشباب في تشكيلة الفريق الأول لا يضاهيها أي نادٍ آخر في العالم.

يعبر بيلينجهام عن ذلك بأن هناك شخصًا متاحًا دومًا لكل لاعب، وبخاصة «أوتو أدو» الذي يعمل مع اللاعبين الشباب. على الجانب الآخر يعتقد أدو أن الفضل الأول في تطور هذا اللاعب كان بسبب نشأته الجيدة ورغبته الشخصية في التطور أكثر من أي لاعب آخر.

إنه قوي جدًا من الناحية العقلية، يمتلك نضجًا حقيقيًا في الطريقة التي يتعامل بها مع المواقف. إنه واثق بشكل لا يصدق، مما يساعده على الأداء على أعلى مستوى وتجاهل الأخطاء.
أوتو أدو المدرب المساعد السابق لبروسيا دورتموند

هذا أثر على الجانب الفني أيضًا، حيث أجرى تيرزيتش -مدرب الفريق وقت وصول جود- وموظفوه جلسات تحليل فيديو متكررة مع أفراد الفريق، وقد تأثروا بشدة بمدى سرعة تعلم بيلينجهام من أخطائه والتقاطها، وكان التعقيب واضحًا؛ إنه يتعلم في مباراة واحدة بقدر ما يتعلمه الآخرون في ستة أشهر.

كان الرهان متبادلًا بين الطرفين، تطور جود كثيرًا واستفاد دورتموند من لاعب أصبح أهم لاعبي الفريق خلال وقت قصير، حتى أنه لم يمر سوى عامين وقد ارتدى بيلينجهام شارة الكابتن ضد كولونيا، وهو ما جعله أصغر قائد في الدوري الألماني على الإطلاق، بعمر 19 عامًا.

في المساحات الكبيرة يمكن أن يكون مثل ستيفن جيرارد، يقود الكرة، ويتحرك ذهابًا وإيابًا في الملعب ولكن في المساحات الصغيرة يمكن أن يكون مثل زيدان.
رينيه ماريتش المدرب المساعد السابق لفريق دورتموند

رهان مدريد: رهان بيريز الأهم

كالعادة، ربما صرخ بيريز في مدريد هذا هو ذوقي بمجرد أن نجح رهان دورتموند على بيلينجهام. فالسيد بيريز هو رجل الرهانات الناجحة لأنه ببساطة يتخير الرهانات المضمونة تمامًا، وفي الحقيقة لا يوجد لاعب في العشرين أكثر ضمانة من جود بيلينجهام.

السبب ببساطة أنه لا يوجد لاعب خط وسط في العالم يحتل مرتبة أعلى من 15.3 تمريرة تقدمية من لكل 100 لمسة والتي حققها جود. يسلط هذا الضوء على عدد المرات التي يتطلع فيها إلى دفع الكرة إلى الأمام. وفي الوقت نفسه، فإن معدل التدخل والاعتراض الذي يتمتع به بيلينجهام يضعه ضمن أفضل 10% من أقرانه مما يسلط الضوء على معدل عمله الدفاعي.

هذا إضافة إلى مساهمة هجومية تبلغ 0.38 هدف متوقع في كل مباراة (xG) بالإضافة إلى زيادة معدل التمريرات الحاسمة المتوقعة (xA) والتي تجعله من أفضل 10% من لاعبي خط الوسط في جميع أنحاء أوروبا. كل هذه السمات تمكنك من تفهم لماذا جود هو رهان بيريز الأهم خلال هذا الموسم.

بصرف النظر عن موهبته التي لا يمكن إنكارها، فإن فكرة قدرته على لعب مباريات كثيرة لا يمكن تجاهلها خاصة في مثل هذا المركز الذي يتطلب جهدًا بدنيًا في خط الوسط والأهم بجوار لاعبين مثل كروس ومودريتش.

انطلق جود بالفعل وخلال مباريات قليلة أدركت جماهير ريال مدريد أنه اللاعب الأهم في الفريق هذا الموسم. الآن يبدأ رهان جديد على رجل قرر ارتداء القميص رقم 5 لأنه قميص زيدان؛ الوحيد الذي يستحق أن يكون قميصه أهم من القميص رقم 10. وليكن الرهان الآن أن الوحيد الذي يستحق قميص زيدان الآن هو جود بيلينجهام.