لا أفهم لماذا يلعب أتلتيكو مدريد بتلك الطريقة رغم امتلاكهم الجودة المناسبة لتقديم كرة قدم جيدة، عوضًا عن ذلك هم يكتفون بالاعتماد على الهجمات المرتدة. أتقبل ذلك بالطبع، لكن ليس اليوم. أعترف أنني خاسر سيئ حقًّا، خاصة بعد هذا المجهود الذي بذله لاعبو فريقي.
كلوب متحدثًا عقب الهزيمة أمام أتلتيكو مدريد

يبدو هذا التصريح الذي أطلقه «يورجن كلوب» عقب هزيمة فريقه أمام كتيبة «سيموني» وفقدان فرصة الاحتفاظ بلقب دوري أبطال أوروبا تصريحًا دراميًّا للغاية عبر خلاله المدرب أن فريقه أتقن فنون كرة القدم، لكن المنافس اكتفى بإفساد العرض فقط ومحاولة الفوز بشكل قبيح رغم قدرته على اللعب بشكل أفضل.

تناول الكثيرون هذا التصريح بالإعجاب، مؤكدين صحة موقف الرجل، بينما أبقوا دييجو سيميوني في إطار الرجل الشرير الذي يسرق الفوز ويقتل المتعة ويقفز فرحًا بانتصاره فوق أشلاء الأخيار. لكن الحقيقة أن هذا التصريح تحديدًا يتناقض مع موقف كلوب نفسه السابق فيما يتعلق بفلسفة الفوز في كرة القدم. بل إن أصدق ما حمله هذا التصريح في الواقع هو أن كلوب خاسر سيئ بالفعل، وهو التعبير الذي يطلق على هؤلاء الذين لا يتقبلون الهزيمة ويلجئون للمبررات غير الواقعية دائمًا.

نحن هنا لسنا بصدد التقليل من أحد أهم مدربي كرة القدم في العصر الحالي . لكننا ببساطة نحاول توضيح الجانب الآخر من شخصية كلوب، الجانب الذي لا يظهر إلا في حالات الخسارة. لكن من قال إن هذا الجانب هو جانب سيئ؟ هو جانب متناقض بالطبع، لكن ربما هو جزء من عبقرية الرجل. دعنا نتناول الأمر بقليل من التفصيل.

ليفربول يركن الحافلة

خلال فترة تولي «جوزيه مورينيو» القيادة الفنية لفريق مانشستر يونايتد، عانى مشجعو الفريق من طريقة مورينيو الدفاعية، خاصة أمام الستة الكبار. وأرادوا دومًا تقديم كرة قدم مثل تلك التي يقدمها كلوب رفقة ليفربول أو بيب رفقة السيتيزينز. لكن كلوب كان له رأي مخالف تمامًا حول فلسفة الفوز وطريقة اللعب، وهو ما عبر عنه قبل مباراته أمام اليونايتد خلال موسم 2017/2018 من خلال التصريح التالي.

الأمر كله يتعلق بالفوز. هناك طرق مختلفة للفوز بمباريات كرة القدم. إنها ليست معركة أنظمة أو فلسفات، فقط فريقان جيدان يواجهان بعضهما البعض. عندما يهاجم يونايتد، آمل أن يشارك لاعبو فريقي بالكامل في الدفاع. إذا قال أحدهم إن فريق ليفربول يركن الحافلة، فسأجيب: حسنًا نحن نركن الحافلة. ليس لديَّ مشكلة في ذلك.
يورجن كلوب في تصريحات قبل مباراته أمام مانشستر مورينيو

يبدو هذا التصريح على درجة كبيرة من التناقض مع التصريح الذي أطلقه كلوب عقب خسارته أمام أتلتيكو مدريد. حسنًا ما هو الفارق الجوهري بين كلوب الذي يدافع عن طريقة مورينيو التي تعتمد على الدفاع المبالغ  والتي تسمى بـ «ركن الحافلة» وكلوب الذي يستغرب لماذا يلجأ فريق أتليتكو للدفاع والاعتماد على الهجمات المرتدة رغم أن الأخير يكفيه التعادل فقط لإقصاء حامل لقب دوري أبطال أوروبا ومواصلة السير نحو اللقب.

الفارق الجوهري هنا أن التصريح الدبلوماسي لكلوب حول طريقة لعب مورينيو كان قبل مباراتهما معًا، وليس بعدها. تلك المباراة التي انتهت بفوز مانشستر في سيناريو مماثل لفوز أتليتكو رفقة سيميوني. حتى إن مورينيو خرج بعد المباراة ليؤكد «حتى إذا اعتقد الناس أننا لا نستحق الفوز، فذلك لا يهمني. أنا عائد للمنزل الآن وفي جعبتي ثلاث نقاط».

حسنًا يبدو هنا أن كلوب يتحول إلى شخص آخر عقب الهزيمة إلى الحد الذي يجعله يتحدث بأمور ربما ليست في إطار قناعاته. دعنا ننتقل الآن لعدة تصريحات توضح أكثر الجانب الآخر من شخصية كلوب.

الخاسر السيئ

الرياح كانت غريبة حقًّا ويصعب التعامل معها.
كلوب متحدثًا عقب الهزيمة أمام ساوثهامبتون

هكذا قرر كلوب أن يوضح للجميع أن الرياح هي السبب الرئيسي لخسارة فريقه أمام ساوثهامبتون في نصف نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية بهدف دون مقابل عام 2017. على الرغم أن تلك الرياح لا تلعب ضد فريق ليفربول تحديدًا، كما أنه خسر في مجموع المبارتين ضد نفس الفريق بنتيجة هدفين دون مقابل. وهو الأمر الذي تكرر أما فريق إيفرتون فيما بعد.

الوقت الإضافي الفعلي للشوط الأول كان يجب أن يكون عشر دقائق. بينما احتسب الحكم أربع دقائق فقط. لقد سمعت أن التلفاز هو من قرر أن الوقت يجب ألا يزيد عن أربع دقائق فقط. هذا غير مقبول، لا يمكنك تقليص وقت المباراة لأن هناك شيئًا آخر للبث.
كلوب متحدثًا عقب الهزيمة أمام ويست بروميتش

هكذا قرر كلوب عقب هزيمته أمام فريق ويست بروميتش في مباراة ضمن منافسات كأس الاتحاد الإنجليزي في يناير 2018 أن يتهم الحكم بعدم احتساب الوقت الضائع بطريقة سليمة؛ لأن القنوات التليفزيونية ترتبط بجدول محدد للبرامج الرياضية، ولا يمكن تمديد وقت المباراة لعشر دقائق إضافية. بينما في الحقيقة أن تلك المباراة تعرضت للتوقف في أكثر من مرة لتطبيق تقنية الفار.

لقد كانت مباراة صعبة، خاصة بعد أن أصبح الملعب جافًّا للغاية.
كلوب متحدثًا عقب التعادل أمام ويست بروميتش

تلك المرة لم يجد كلوب سوى أرضية الملعب لتكون السبب الأساسي في تعادله أمام فريق ويست بروميتش بهدفين وفقدانه نقطتين في مشوار الدوري بموسم 2017/2018 مؤكدًا أن فريق ويست بروميتش تعمد عدم ري أرضية الملعب خلال شوطي المباراة مما جعل الأمر صعبًا للغاية على لاعبيه.

الكرة لا تتحرك جيدًا فوق أرض الملعب.
كلوب متحدثًا عقب التعادل أمام ليستر سيتي

يعود هذا التصريح لدوري 2018/2019، حين تعادل فريق ليفربول مع ليستر سيتي بهدف لكل منهما، في أجواء باردة للغاية وسط تساقط طفيف للثلج. وهو المبرر الذي لجأ له كلوب، موضحًا للجميع أن السبب الرئيسي في التعادل هو المناخ السيئ، حيث إن الكرة لا تتحرك بشكل سليم فوق أرضية الملعب مما جعل الأمر صعبًا على لاعبيه الذين يميلون للاستحواذ على الكرة.

حسنًا يبدو الأمر واضحًا الآن، يورجن كلوب في حالة الخسارة تظهر شخصيته الأخرى تمامًا ليبدو أمام الجميع خاسرًا سيئًا للغاية لا يقبل الهزيمة ويبحث عن أي مبرر واهٍ يجنبه الاعتراف بالتقصير. لكن ماذا لو كان كلوب يقصد الظهور بهذا الشكل؟

الممثل العبقري

دعنا نفكر معًا، متى كانت آخر مرة قرر كلوب فيها لوم أحد لاعبيه بسبب الخسارة؟ في الحقيقة هذا لم يحدث يومًا، فقد رفض كلوب لوم حارسه الاحتياطي «أدريان» بعد الخطأ الفاضح الذي كلف الفريق نصف الخسارة أمام أتليتكو مدريد.

المثير هنا أن هذا ليس الخطأ الأول من «أدريان»، فقد ودع الفريق بطولة كأس الاتحاد، بعد فشل الحارس الإسباني في التعامل مع تسديدة ويليان السهلة. خرج كلوب حينئذ ليؤكد أن الكرة الجديدة التي تُلعب بها مباريات الكأس صعبت المهمة على حارسه. مثلما رفض أيضًا أن يلوم مدافعه «ديان لوفرين» عقب الخسارة بثلاثية أمام واتفورد وضياع حلم الدوري الذهبي.

هكذا يؤمن كلوب، في حالة الخسارة لا يمكنك بأي حال أن تلوم أحد اللاعبين. لكن على الجانب الآخر، هو يعرف جيدًا الأخطاء التي وقع فيها اللاعبون أو الأدوار التي لم تنفذ بشكل صحيح؟ والشاهد هنا هو قدرة فريقه على تلافي الأخطاء على مدى المواسم تدريجيًّا، بجانب تطوير قدرات لاعبيه بشكل واضح، وليس الاتكال على تلك المبررات الواهية.

وبالتالي يمكننا القول إنه يقرر طواعيةً تحمل الضغط الجماهيري، والانتقادات الصحفية بتصريحات الخاسر السيئ، في سبيل الحفاظ على علاقته بلاعبيه وإزاحة الضغط عن كاهلهم، في انتظار أن يردوا له الجميل داخل الملعب، في قادم المواعيد.

إنه يملك التوازن المثالي بين معرفة متى يضع ذراعه حول الكتف ومتى يحفز اللاعبين. إنه صادق للغاية مع اللاعبين. إنه يمثل طاقة كبيرة بالنسبة لنا عندما لا نكون في حالتنا.
ميلنر قائد فريق ليفربول متحدثًا عن يورجن كلوب

تؤكد تصريحات لاعبي ليفربول دومًا قوة علاقتهم بمدربهم، وهو ما قد يدعم الرأي الأخير حول تصريحات كلوب. في الأخير، تستطيع أن تصنف كلوب كخاسر سيئ، وتستطيع أيضًا تصنيفه كممثل عبقري يتعمد إطلاق تلك التصريحات، لكن مهما كان اقتناعك، فذلك لن ينقص من نجاحات المدرب الألماني شيئًا.