هبط كاكا في مطار ميلان، كان يرتدي نظارات طالب مدرسة، شعره كان مُسرّحًا بشكلٍ جيد، وجهه كان نظيفًا ووردي الخدين كطالب متفوق مستقيم. كل ما كان ينقصه كتاب وصندوق وجبة. يا إلهي، ماذا فعلنا؟ هو ليس مستعدًا للعب كرة قدم احترافية كبيرة. مرحبًا في برنامج تبادل الطلبةالدولي. الآن لنرى إذا كنت تعرف حتى كيف تراوغ أو تسدد؟

أنشيلوتي في كتابه مُتحدثًا عن أول مرة يرى فيها كاكا في تمرين الميلان.

«ريكاردو إيزيكسون دوس سانتوس لييتي» أو «كاكا» كما يعرفُه العالم وكما ناداه أخوه الأصغر الذي كان لا يستطيع نطق كلمة ريكاردو وكان التلعثم يُنتج كلمة كاكا لتُصبح بعد ذلك إحدى أشهر الكلمات في عالم الكُرة. كاكا الذي وعلى عكس بقية لاعبي كُرة القدم في البرازيل كان مولودًا لأسرة من مستوى اجتماعي جيد. أب مُهندس مدني ولذلك لم يتفوه كاكا يومًا بتصريح مارسيلو الشهير بأنه لو لم يكن لاعبًا للكُرة لأصبح مُدمنًا للمخدرات أو يصبح بالفعل عضوًا في عصابة كأدريانو.

كاكا أحد أبرز لاعبي الكُرة وآخر من حمل الجائزة الفردية الأغلى في العالم قبل حقبة رونالدو وميسي اعتزل رسميًا ليُتيح لنا الفُرصة لتذكر سحر كدنا أن ننساه ونرجو أن يتكرر حتى لو لم يكن في القريب.


الله والحظ

جاء لي رونالدو واستقبلني،وعرض عليّ مجلة إباحية، وقال لي إما أن تكون معي وتستمتع بحياتك أو تتواجد مع كاكا الذي كان يحمل الإنجيل وأشياءً من الكنيسة

«باتو» يقص ذكرياته في أول مرة له بغرفة تغيير ملابس ميلان الإيطالي.

في عُمر الثامنة عشرة، ونحن هُنا بصدد الحديث عن مُراهق برازيلي، أي أننا بصدد التفكير بكل الأشياء السيئة التي قد يفعلها شاب في الحياة، ارتطمت رأس كاكا في أحد جوانب حمام السباحة ليلقى إصابة خطيرة بكسر في أحد فقرات عموده الفقري ليُصرح أحد الأطباء أنه سيكون عنده صعوبة بالمشي بعد ذلك. كلمات قد تُحطم مسيرته كلاعب ولكن بعد أسابيع يلعب كاكا مُباراته الأولى مع فريق ساوباولو الأول ليقول: «الجميع كانوا يتكلمون عن الحظ الجيد وأنا كُنت أتحدث عن الله».

كاثوليكي مُتدين للغاية بشهادة كُل من عرفوه وحتى بتصرفاته هو شخصيًا فليس هُناك أشهر من احتفاله عند تسجيله الأهداف بالإشارة للسماء و القميص الشهير الذي يحمل عبارة «أنا أنتمي للمسيح» الذي كان يُشهره بعد الفوز بالألقاب.

في حياتي، وقيمي ومقارنة بباقي المُجتمع حتى في كرة القدم أنا مُحافظ للغاية.
كاكا عن مُعتقداته.

كاكا لا يشرب الخمر ولا يُحب العلاقات المُتعددة مع النساء حتى أنه لم يُمارس الجنس قبل الزواج على حد تعبيره، كاكا هو الشاب الذي يطمح كل أب أن يكون ابنه مثله، كاكا هو البرازيلي الذي لا يُشبه البرازيليين.


لاعب من كوكب آخر

كاكا، الميلان، ساوباولو، كارلو أشيلوتي
اللاعب البرازيلي ريكاردو كاكا مع نادي ميلان الإيطالي.

بدأ كاكا مسيرته في البرازيل في وقت مُضطرب نوعًا ما في بلاد السامبا فيما يتعلق بكُرة القدم، سكولاري يُراهن على عدم ضم روماريو وضم رونالدو المُصاب مُنذ ما يُقارب عامين ويضُم شابًا موهوبًا ليدعم قائمته المُسافرة لليابان وكوريا. توهج كاكا مع ساوباولو جعل كشافو الميلان يسعون لضمه دون أن يرى أنشيلوتي ولو فيديو واحدًا له.

من كتاب كارلو أنشيلوتي عن كاكا.

الكُل يعرف عدد أهدافه والحاسم منها ولكن هذا ليس بالشيء الأكثر أهمية، المُهم والذي لم نجد له تفسيرًا مُنذ غياب كاكا عن الساحة حتى الآن وما تذكرناه بفقدانه رسميًا عند اعتزاله هو أسلوب لعبه الفريد والذي رُبما انتهى من اللُعبة تمامًا. صانع الألعاب القادر على شغل مركز المُهاجم المُتأخر والجناح، المُهاجم الذي لا تعرف من أين سيأتي ولكنك تعرف أين سيذهب ولا تستطيع إيقافه.

المُميز في ريكاردو أنه كان يسير بُسرعة كبيرة جدًا بالكُرة رغم أنه لم يكن من ذويها بدونها، الكُرة تحت قدميه كانت تُروض بسلاسة لم تُعهد من قبله. جاء للميلان لتعويض الرائع روي كوستا ففاق كُل التوقعات، قوة انفجارية بالكرة لا تُضاهى كما وصفه أنشيلوتي أنه يفضل الجري بالكُرة نحو المرمى وليس عرضيًا.

كُرة القدم تغيرت كثيرًا وصناعة اللعب لم تعد كما كانت من هذا المركز، أين توتي وديلبييرو وزيدان وكوستا وغيرهم؟ رُبما كاكا كان آخر نسل العُظماء في هذا المركز ليتحول السحر على الجناح أو في صناعة اللعب من الوسط المتأخر، على كُل فهدف كاكا في مسرح الأحلام عندما جعل هيئة إيفرا وهاينز غير جيدة على الإطلاق هي أصدق تعبير على كُل شيء لا نستطيع التعبير عنه في موهبة كاكا الخُرافية.

أبدًا لن يلمس الكُرة لمسة زائدة أو غير مهمة

أنشيلوتي عن كاكا .


الرُقي

في النهاية، وفي يومٍ جميل، ظهر كاكا للتمرين. أول شيءٍ أردت فعله هو سؤاله: «هل أخبرت والديك أنك لن تذهب إلى المدرسة اليوم؟». رجال الأمن في ميلانو كان لديهم سبب جيد لسؤاله عن رخصة قيادته قبل السماح له بالدخول. ولكن ما حدث بعد ذلك غريبًا. كان لا يزال مترنحاً من عناء السفر ثم نزل إلى الملعب وسمعت جوقة وأبواقا من النعيم. لقد كان عبقريًا مُرسلًا من النعيم حقًا. لذا شكرًا يا رب شكرًا . بمجرد أن استلم الكرة بين قدميه، كان غير طبيعي. توقفت عن الكلام لأنه لم تكن هناك كلمات تعبّر عمّا كنت أشعر به. لم يكن هناك كلمات في قاموسي لما كنت أراه. أمر فاخر وراق حقًا.أحب كاكا. أحبه حقاً. كثيراً. يخلع نظارته، يضع الشورت، ويصبح شيئًا لم أكن أتوقعه أبدًا لاعبا عالميا.
كاكا، ريال مدريد، إيمانويل أديبايور
البرازيلي ريكاردو كاكا في ريال مدريد الإسباني.

لم يكُن كاكا مُجرد لاعب أنيق داخل الملعب فحسب بل كان مُهذبًا للغاية في تعاملاته خارج الملعب، تفكيره أيضًا كان عكس مُعظم أبناء جيله خصوصًا من البرازيليين فعند تقديم السيتي عرضًا له في 2009 لم يذهب وقرر الذهاب لريال مدريد ومن سوء حظنا قبل حظه هي إصابته التي قطعت شراكة كانت ستكون مُرعبة مع رونالدو وقتها، وصرح لاحقًا بأن الانتقال من ميلان كان يجب أن يكون لناد صاحب عراقة وليس لناد صاحب مشروع جديد.

فضل البرازيلي الرُقي على الأموال رغم أنه لو فعل العكس لن يُلام، كذلك تصريحه أن علاقته لم تكُن سيئة بمورينيو رغم إجلاسه احتياطيًا 3 سنوات وإقراره أن إصاباته كانت السبب أكثر من أي شيء آخر. تركنا كاكا الآن دون من يُشبهه في الملعب أو خارجه، تركنا نواسي أنفسنا بمُشاهدة سحر مازال يُنثر حتى الآن.