مجدداً تشتعل المواجهات المسلحة- غير المتكافئة بالطبع- بين الجيش الهندي ومسلمي إقليم كشمير المطالبين بالاستقلال بعد عودة أعمال العنف بين المسلمين والهندوس المدعومين من حكومة اليمين الهندوسي المتعصب.

وتعد هذه المواجهات الحلقة الأحدث في سلسلة أعمال عنف وقتل استهدفت الأقلية المسلمة في الهند شملت عدداً من الولايات بدوافع مختلفة لكن ما يميز كشمير أنها المنطقة الوحيدة التي تسكنها أغلبية مسلمة ويطالب سكانها بالانفصال وتعد أرضاً حدودية متنازع عليها بين الهند وباكستان.

وأفاد الجيش الهندي بمقتل عدد من جنوده وضباطه، في معارك عنيفة مع مسلحين مسلمين، وأعلن أن قواته حاصرت منطقة في الغابات في سورانكوت الجنوبية بعدما علمت بوجود المسلحين هناك ومع بدء عملية التمشيط فتح المسلحون النار على الجنود فقتلوا عدداً منهم، وتم إرسال قوات عسكرية إلى المنطقة واشتعلت المعارك بين الجانبين.

وتتهم السلطات الهندية جماعة تدعى «جبهة المقاومة» تشكلت عام 2019 بعد إلغاء الحكم الذاتي في كشمير، بأنها مسؤولة عن العنف في الإقليم هي وغيرها من الجماعات المدعومة من باكستان والتي تطالب باستقلال الإقليم.

لكن الرواية الباكستانية اتهمت القوات الهندية بقتل 10 كشميريين «أبرياء» لم يتم تسليم جثثهم إلى عائلاتهم، وقدمت إسلام آباد شكوى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، تتهم نيودلهي بممارسة أعمال تعذيب واسعة النطاق واستخدام الاغتصاب الجنسي كسلاح ضد الأهالي وهدم منازل وممتلكات الكشميريين إضافة إلى آلاف عمليات القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والمقابر الجماعية وقمع المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين ووسائل الإعلام وحظر الإنترنت والاتصالات.

ومع ذيوع أخبار القمع الهندي تصدرت وسوم على غرار «كشمير تُباد» و«أنقذوا كشمير» على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بصور وفيديوهات لأعمال العنف ضد الأقلية المسلمة ضمن حملات إعلامية شعبية دشنها نشطاء حول العالم، أخيراً، على خلفية ازدياد وتيرة الاضطهاد ضد مسلمي الهند، وهو ما حاولت نيودلهي احتواء آثاره لا سيما وأنها تربطها علاقات ومصالح ببلدان عربية وإسلامية عديدة.

جدير بالذكر أنه خلال السنوات الأخيرة اشتعلت المواجهات مراراً بين القوات الهندية التي تسيطر على الإقليم والسكان المطالبين بالاستقلال، لا سيما بعد تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصب زمام الحكم في الهند عام 2014 الذي اتبع سياسة متشددة أدت إلى تفاقم الوضع.

أصل المشكلة

تعود جذور مشكلة إقليم كشمير إلى عام 1947 عندما انفصلت شبه القارة الهندية على أساس ديني إلى دولتين: الهند وباكستان، وتم اقتسام أراضي البلاد وفق ديانة الأغلبية في كل منطقة ووقع النزاع على منطقة كشمير رغم أن سكانها من المسلمين يريدون الانضمام إلى باكستان لكن نيودلهي ضمتها بالقوة وتجاهلت اتفاق التقسيم، ووقعت حرب بين الجيشين الهندي والباكستاني انتهت بوقف إطلاق نار ووقفت القوتان المتحاربتان على خطوط القتال التي تحولت إلى حدود دائمة فيما بعد، وتعهد الهنود بإعطاء الكشميريين حق تقرير المصير.

وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرارين 38 و39 لسنة 1948 اللذين دعيا إلى حل المسألة بالطرق السلمية ثم القرار 47 الذي دعا إلى تنظيم استفتاء لاستطلاع رأي السكان، والقرار 91 لسنة 1951 الذي دعا إلى حسم النزاع عبر التحكيم الدولي، ثم القرارات 122 و 123 و126 وغيرها دون أن يكون لها أي صدى جدي على أرض الواقع بسبب رفض الهند تنفيذ تلك القرارات جميعاً وإصرارها على الإبقاء على احتلال الإقليم بالقوة ورفضت تنظيم أي استفتاء لأنها تعلم نتيجته مسبقاً، وظلت تطلق التعهدات– التي لم تنفذ- بأن تعطي لكشمير حق تقرير مصيرها.

وتطالب أغلبية الكشميريين المسلمين بالانضمام إلى باكستان أو أن يصبحوا دولة مستقلة لكنهم لا يختلفون على ضرورة التخلص من سلطة نيودلهي التي تسومهم سوء العذاب، وفي سبيل هذا الهدف قُتل وهُجر مئات الآلاف من سكان الإقليم في هذا الصراع الطويل.

وبجانب حرب 1947 اندلعت الحرب بين الهند وباكستان في عام 1965 بسبب هذا الإقليم، وكذلك في عام 1999 وقعت مناوشات عسكرية في كشمير كادت تتحول إلى حرب نووية لكنها توقفت بعد تدخل الولايات المتحدة.

نقطة الاشتعال النووي المحتملة

وصلت التوترات الأمنية إلى أقصى درجاتها في عام 2019، حينما قررت حكومة بهاراتيا جاناتا إلغاء الحكم شبه الذاتي للإقليم، ومنذ ذلك الوقت تم فرض تشديدات أمنية صارمة على السكان بشكل لم يسبق له مثيل وأعطت الحكومة الهندوس من جميع أنحاء البلاد حق تملك الأراضي في كشمير، وتسارعت بقوة سياسة توطين الهندوس وتم إصدار أكثر من أربعة ملايين بطاقة إقامة لهم خلال السنتين الأخيرتين فقط وفق تقارير رسمية ضمن خطة ممنهجة للتغيير الديموغرافي.

وأخيراً أدى اشتعال العنف في الإقليم إلى توتر الوضع بين إسلام آباد ونيودلهي، إذ جدد وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي الالتزام بالدعم السياسي والدبلوماسي لأهالي كشمير في كفاحهم لنيل حق تقرير المصير، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف «الانتهاكات الجسيمة» لحقوق الإنسان وإنقاذ سكان كشمير المضطهدين، مبيناً أن «قضية كشمير أصبحت عالمية وليست إقليمية» وأن حلها يجب أن يتم وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

وقالت الخارجية الباكستانية، إن ما فعلته الهند من أكبر حملات القمع على الإطلاق وأدانت بشدة اعتقال أكثر من 1400 شخص من الكشميريين، وإن الاعتقالات التعسفية من قبل قوات الاحتلال الهندي تعد مثالاً على إرهاب الدولة.

وشبه رئيس الوزراء الباكستانى عمران خان، الممارسات الهندية بما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق تشجيع سياسة الاستيطان في كشمير المحتلة، مبيناً أن الإقليم تحول إلى «سجن مفتوح»، متهماً نيودلهي بانتهاك اتفاقية جنيف عبر إنهاء الحكم الذاتي في الإقليم، محذراً من أن قضية كشمير قد تصبح نقطة الاشتعال النووي في العالم في الوقت الحالي لأنه لا يوجد مكان آخر فيه دولتان نوويتان سبق لهما أن خاضتا ثلاث حروب قبل امتلاك الأسلحة النووية سوى الهند وباكستان.