صعدت روح الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إلى بارئها في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد إضراب عصيب استمر 86 يومًا في الأسر، حيث خاض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام رفضًا لاعتقاله الإداري (دون محاكمة) بتهمة «التحريض على الإرهاب والانتماء لتنظيم محظور». وما إن عثر عليه سجانوه فاقدًا للوعي في محبسه حتى نقلوه إلى مستشفى أساف هروفيه القريب ليجدوه وقد فارق الحياة.

تحفل مسيرة الشيخ خضر عدنان بالمواقف النضالية التي تكشف عن شدة عزيمته، فقد ولد ونشأ في بلدة عرابة بمحافظة جنين بالضفة الغربية، وقضى سنوات عمره موزعة ما بين النضال داخل الأسر وخارجه. فقد تعرض للاعتقال مرارًا كثيرة ربما زادت على اثنتي عشر مرة، تباينت في مددها وظروفها وأسبابها، لكنها كلها لم تثنه عن مسيرته بل زادته تصميمًا وعنادًا.

خلال دراسته بجامعة بيرزيت في مدينة رام الله، التي حصل منها على بكالوريوس الرياضيات الاقتصادية، انضم إلى حركة الجهاد الإسلامي، وحينها بدأت قدماه تعرفان طريق الاعتقال لاتهامه بالتحريض على رشق رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان بالحجارة خلال زيارته للجامعة فاقتيد للحبس عشرة أيام لدى السلطة الفلسطينية أضرب فيها عن الطعام. واعتقله الاحتلال الإسرائيلي مرتين في الجامعة، دون توجيه لائحة اتهامات أو ما يسمى الاعتقال الإداري، الأولى أربعة أشهر، والثانية لمدة سنة.

وبعد تخرجه عام 2001 اعتقل أكثر من عشر مرات لفترات يزيد مجموع فتراتها على الست سنوات، كان خلالها يستخدم سلاح الإضراب المفتوح عن الطعام ليجبر سجانيه على إخراجه من العزل الانفرادي أو الإفراج عنه مثلًا، وصار أسوة لأسرى الاحتلال في استخدام هذه الطريقة حتى تأثروا به وزادوا عليه.

فبينما كانت أطول مدة إضراب فردي عن الطعام في السجون الإسرائيلية احتجاجًا على اعتقاله هي 65 يومًا حتى أفرج عنه في 17 أبريل/نيسان 2012، فإن زميله ثائر حلاحلة تخطى ذلك الرقم بإضراب مدته 78 يومًا، وهي المدة التي كسرها شيخ الإضرابات مؤخرًا حتى لفظ آخر أنفاسه من شدة الجوع والهزال.

عُرف الشيخ خضر عدنان بنشاطه المتواصل في فعاليات المقاومة والتضامن مع الأسرى وتكرر اعتقاله مرارًا وكانت الجماهير الفلسطينية تستقبله وهو عائد من معارك الأمعاء الخاوية استقبال الفاتحين، إلى أن أعيد اعتقاله في الخامس من شباط/فبراير الماضي، بعد اقتحام بيته في بلدته عرابة، ليدخل من وقتها إضرابًا حتى الموت.

وأعلنت زوجته، رندة موسى، أنه أخبرها بعزمه على مواصلة الإضراب حتى «التحرر أو الشهادة»، مبينة أنها وهبت أبناءها التسعة للثأر لوالدهم. وقد نظمت رندة أكثر من 20 فعالية ما بين وقفات ومسيرات واعتصامات، في مختلف مدن الضفة الغربية والداخل المحتل وحتى داخل المسجد الأقصى، وخاطبت السفارات الأجنبية والجهات الدولية في شأن قضية زوجها.

وتعد قضية الأسرى بالغة الحساسية لدى الشعب الفلسطيني وتضع حركات المقاومة هذه القضية في بؤرة اهتمامها، فوفقًا للتقديرات بلغ عدد الأسرى نحو 4780 أسيرًا، حتّى نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، من بينهم 29 أسيرة، ونحو 160 قاصرًا.

الثأر لروح خضر عدنان

ما إن أعلن الاحتلال فجر اليوم عن وفاة الشيخ خضر عدنان حتى عم الغضب الأراضي الفلسطينية وتوجس المحتلون خيفة من انتقام محتمل ليس على أيدي رفاقه في حركة الجهاد الإسلامي فقط ولكن من فصائل المقاومة المختلفة باعتباره رمزًا للصمود الفلسطيني في وجه العدو.

وحمّلت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينيين، حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن جريمة إعدام الأسير خضر عدنان، وطالبت بلجنة تحقيق دولية في مقتله، وأعلنت أحزاب فلسطينية إضرابًا عامًا في الضفة الغربية، اليوم الثلاثاء، حدادًا على رحيله، مما يعني توقف الأعمال التجارية والتعليمية تضامنًا مع الموقف.

واتخذت الحكومة الإسرائيلية إجراءات احترازية تحسبًا لردود الأفعال الغاضبة، وبالفعل وجهت فصائل المقاومة في غزة 3 صواريخ ضد الاحتلال تبعها قصف دبابات الاحتلال أهدافًا داخل القطاع، لترد عليها المقاومة برشقات صاروخية، بعد عصر اليوم الثلاثاء، تجاه المستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع التي تُعرف بمستوطنات غلاف غزة.

وفعلت إسرائيل صافرات الإنذار في مدينة سديروت وإيفيم وغيرها، وطالبت سكان مستوطنات غلاف غزة إلى البقاء قرب الملاجئ والمناطق المحصنة، تحسبًا لانطلاق صواريخ من القطاع. وأعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، أن القصف الصاروخي على مستوطنات غلاف غزة مجرد رد أولي على استشهاد خضر عدنان.