القرار السياسي والنضالي لا يحق لأحد التفرد به. أخطأنا عندما ظننا أن زمن فتح مضى، وحل زمن حماس، وفتح أخطأت عندما أرادت إقصاءنا.

وكأن هذه الكلمات كانت إيذانًا بانتهاء حقبته الطويلة في قيادة حركة حماس، معترفاً بأخطاء الماضي، ومُبشراً بمستقبل مختلف.

هذا ما قاله خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلال كلمته في ندوة «التحولات في الحركات الإسلامية» التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات في سبتمبر/أيلول 2016، وذلك بعدما صرّح بعدم نيته للترشح مُجدداً لقيادة الحركة؛ لتخرج تكهنات جديدة حول احتمالية ترشحه لرئاسة السلطة الفلسطينية، لتكتب حماس فصلاً جديدة في قصتها مع السلطة.


مهد القيادة

هو خالد عبد الرحيم مشعل (أبو الوليد)، ولد عام ‏1956‏ في قرية سلواد القريبة من رام الله، ونشأ في بيت متدين، وفي وقت مبكر من عمره تأثر بروايات والده عبد الرحيم عن مشاركته في مقاومة الانتداب البريطاني في ثورة 1936؛ ما ترك بصماته على عقله ووجدانه.

وبعد احتلال إسرائيل للقرية في أعقاب نكسة يونيو/حزيران ‏1967، توجهت عائلته إلى الكويت، وهناك تعلم مشعل العلوم الدقيقة في جامعة الكويت.

وخلال السبعينات كانت الجامعات الكويتية تعج بالتيارات السياسية الفلسطينية، فكان مشعل ناشطًا في اتحاد طلبة فلسطين، وقد ترأس في الجامعة كتلة «قائمة الحق الإسلامي» التي خرجت بعد مناكفات مع «فتح» والكتل الأخرى على اتحاد الطلبة بعد ثلاث سنوات لتشكيل ما عُرف بـ «الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين».

ويقول مشعل: «كانت هذه الرابطة من اللبنات التمهيدية لحركة حماس التي بنيت لبناتها الأولى في غزة والضفة والشتات الفلسطيني، كان جسم الحركة يتشكل هنا وهناك». بعد الجامعة مارس التدريس، ثم تزوج عام 1980، وهو أب لثلاث بنات وأربعة صبيان.

وفي النصف الأول من الثمانينات كانت حماس تولد سرًا في أماكن عدة وعلى دفعات، وكان مشعل شريكًا في تلك المحطات قبل أعوام كثيرة من تحوله مسئولاً علنيًا.

وخلال وجوده في الكويت انضم إلى حركة الإخوان المسلمين واستكمل تعليمه وحصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء؛ ‎إلى أن انتهت المرحلة الكويتية في حياة مشعل بعد اجتياح القوات العراقية للكويت، فبدأت مرحلة أخرى.

وكونه يحمل جواز سفر أردني، استقر مشعل في عمّان؛ ليكون قريبًا من خط التماس مع فلسطين، وهناك كبر دور خالد مشعل بالتوازي مع تصاعد دور حماس في الداخل.

وقد صعد مشعل إلى الواجهة بعد عملية توقيف وتسليم موسى أبو مرزوق في الولايات المتحدة عام ‏1996‏، حيث تم تعيين مشعل قائما بأعمال أبو مرزوق، كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس. بالمقابل تم تعيين مشعل في مجلس الشورى التابع للحركة، وهو المجلس القيادي الأعلى لحماس. ومنذ ذلك الحين تحوّل مشعل إلى هدف للكثير من الأجهزة الاستخبارية ومن بينها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية‎.

حيث حاول عميلان في الموساد اغتيال مشعل عبر مادة تدس السم في الجسم من دون إبرة، إلا أن اعتقال العميلين، أجبر الحكومة الإسرائيلية على إرسال المصل المضاد للسم؛ ما أدى إلى شفائه.


تحديات واعترافات

صارت اللوائح الداخلية لحركة حماس تُحتّم على من يقود الحركة أن يتولى المنصب لفترتين متتاليتين، وتكون مدة الفترة الواحدة 4 سنوات. وقد أعلن مشعل الذي يرأس منصب رئيس المكتب السياسي لحماس منذ عام 1996، وتم انتخابه رئيساً للحركة عام 2012، أنه خارج سباق الانتخابات القادمة المقرر لها نهاية هذا العام 2016.

وقد أعلنها مشعل بالفعل في ديسمبر/كانون الأول 2015، خلال إحدى الندوات العامة، أنه لن يترشح لانتخابات رئاسة المكتب السياسي للحركة، فقال: «العام القادم ستجري انتخابات داخلية في حركة حماس، وسيُنتخَب رئيس جديد للمكتب السياسي لحركة حماس». وأضاف: «كما أن إسماعيل هنية رئيس وزراء سابق، وهذا نموذج فلسطيني نفخر به، لا بأس أن يكون خالد مشعل رئيس مكتب سياسي سابق لحركة حماس».

وقد عاشت حركة حماس خلال قيادة مشعل محطات هامة في تاريخها؛ أهمها انتفاضة الأقصى في عام 2000، والانتخابات التشريعية في عام 2006 التي فازت فيها حماس، وحروب إسرائيل الثلاثة على غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014، بالإضافة إلى عقد تحالفات إقليمية جديدة للحركة مع قطر وتركيا، وتراجع تحالفات أخرى مع سوريا وإيران.

وربما تكمن أهم التحديات التي واجهت الحركة في توقف الدعم الإيراني عن حماس عام 2012، بعد موقفها من الثورة السورية عام 2011، والإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر في 2013، والإجراءات المصرية ضد حماس بإغلاق الأنفاق بين غزة وسيناء.

وعلى مستوى الساحة الفلسطينية الداخلية، واجهت الحركة تحديات في عهد مشعل فيما يتعلق بمساعي إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، التي ما زالت متعثرة وجامدة إلى الآن. كما كان هناك استياء شعبي في الفترة الأخيرة؛ نظرًا لتراكم الأزمات أمام حماس التي باتت غير قادرة على توفير رواتب 42 ألف موظف عينتهم بعد سيطرتها على غزة عام 2007، بعد تراجع الدعم الإيراني وإغلاق مصر لأنفاق غزة الحدودية منذ يوليو/تموز من عام 2013.

وحسب مراقبين فخطأ حماس يكمن في ذهابها إلى حكم غزة منفردة من دون شراكة سياسية مع حركة فتح والفصائل الأخرى، في ظل ظروف سياسية معقدة، أبرز ملامحها بقاء الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار حال الانقسام الداخلي، التي تركت آثارًا بالغة على كل مناحي الحياة.

وهذا ما أكده خالد مشعل نفسه خلال جلسة حوارية في العاصمة القطرية الدوحة بحضور نائبه إسماعيل هنية، في 24 سبتمبر/أيلول الماضي 2016، حيث قال: «إن حماس أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد أحداث الانقسام الفلسطيني مع حركة فتح عقب فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006، وظنت أن حكم غزة أمر ميسور، ثم اكتشفت أنه صعب». وأضاف: «أخطأنا عندما ظننا أن زمن حركة فتح مضى، وحل زمن حركة حماس».


هل هي تكهنات واهية؟

يرى المراقبون أن خطأ حماس يكمن في ذهابها إلى حكم غزة منفردة من دون شراكة سياسية مع حركة فتح والفصائل الأخرى.

بناءً على ما صرح به خالد مشعل من عدم خوضه لانتخابات قيادة حماس، فإن البعض ذهب بالتكهن إلى أن هناك احتمالية لترشيح مشعل نفسه لقيادة السلطة الفلسطينية بدلاً من الرئيس الحالي محمود عباس، الذي من المرجح أن يترك منصبه قريبًا.

يرى البعض أن التسريبات الإسرائيلية بشأن ترشح مشعل لرئاسة السلطة ما هي إلا إشاعات لاستجلاب بعض ردود الفعل.

فقد زعم رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي الأسبق «آفي ديختر»، أن حركة حماس تستعد لترشيح رئيس مكتبها السياسي الحالي خالد مشعل لخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حسب ما نقلت عنه صحيفة «إسرائيل هايوم» العبرية. وأضاف ديختر، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع في الكنيست، أن حماس تتطلع إلى الفوز برئاسة السلطة الفلسطينية، رغم وجودها الضعيف في الضفة الغربية، مقارنة بقطاع غزة.

وعلى الرغم من أن مشعل يحظى بدعم من تركيا وقطر، لكنه يفتقر إلى الدعم من باقي الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة. وبالطبع لن يحظى بمساندة دولية نظرًا لأن الدول الكبرى التي لها اليد العليا في اختيار رئيس السلطة الفلسطينية تنظر لحركة حماس على أنها حركة إرهابية، وتحث على العنف، كما أن الحركة من الصعب أن تنصاع لما يتعلق بالتزامات أي رئيس سلطة وفق اتفاق أوسلو.

كما أنه في حال أقرت حماس المشاركة في الانتخابات الرئاسية فهذا يتطلب من حركة فتح التوافق على شخصية واحدة والتنسيق مع الفصائل الفلسطينية الموالية والقريبة منها؛ أي فصائل منظمة التحرير حتى يتمكن مرشح الحركة من الفوز بتلك الانتخابات، وهو أمر غير وارد في الوقت الحالي بسبب عدم إتمام المصالحة بين الطرفين على أرض الواقع.

وتؤكد حماس في اللقاءات الخاصة على أنها لن تنافس على مقعد الرئاسة بسبب تعرض حكومتها السابقة إلى حصار دولي بعد رفضها الاستجابة للشروط الدولية، خاصة التوقف عن المقاومة والاعتراف بإسرائيل. ويقول مسئولون في الحركة إنهم يفضلون دعم شخصية مستقلة.

وهذا ما أكده القيادي في حركة حماس، أحمد يوسف، ردًا على حقيقة وجود نية لدى حركته لترشيح مشعل لرئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. فقال يوسف في تصريحات صحفية، إن هذا الأمر غير وارد في هذا الوقت؛ بسبب تركيبات السلطة الحالية، والوضع الفلسطيني بشكل عام، وأكد رغم ذلك أن «السيد مشعل يستحق أن يكون في هذا المنصب». وأشار إلى أن الوضع الإقليمي والدولي، الذي يحاصر حركة حماس، ويغلق الأبواب أمامها «يحول دون ذلك».

ورأى أن التسريب الأخير حول الأمر من جانب إسرائيل يهدف إلى استجلاب بعض الردود، وأعاد التأكيد على أن الواقع الحالي يجعل هذه المسألة صعبة، وأن الأمر هذا «ليس واردا في النقاشات»، مشيرًا إلى أنه سيكون مطروحًا عندما تتهيأ الظروف له.

فأغلب الظن إن لم يتم استحداث منصب أمين عام للحركة يتولى قيادته الزعيم خالد مشعل، فإنه لن يغيب عن صدارة قيادة حماس من الناحية التنظيمية والتنفيذية، فسوف يظل مشعل قريبًا من مراكز صنع القرار بالحركة؛ نظرًا لخبرته وتجربته التي امتدت على مدار نحو عشرين عامًا لقيادة الحركة، كما كان من أبرز مؤسسيها.

المراجع
  1. عدنان أبو عامر، "ما زال مبكراً طيّ صفحة مشعل في قيادة حماس"، موقع المونيتور، 24 يونيو 2016.
  2. "انتخابات حماس والتغييرات بقيادة الحركة"، موقع الجزيرة نت، 4 يوليو 2016.
  3. "مسئول إسرائيلي: حماس ترشح مشعل للرئاسة لخلافة عباس"، موقع بوابة فيتو، 14 سبتمبر 2016.
  4. رشا أبو جلال، "مشعل يعترف: أخطأنا… فهل نشهد تغيّرات في سياسات حماس؟"، موقع المونيتور، 14 أكتوبر 2016.
  5. "خالد مشعل يكشف حقيقة ترشحه لقيادة حماس ويعترف: أخطأنا"، موقع شبكة الإعلام العربية محيط، 24 سبتمبر 2016.
  6. "قيادي حمساوي يكشف: هل سيكون مشعل رئيس السلطة القادم؟"، صوت فتح الإخبارية، 15 سبتمبر 2016.