السعودية في وضع محرج، بعد تقارير انفردت بها الجارديان البريطانية، نقلًا عن مصادر وصفتها باعتبارها «على صلة بقادة كبار في جهاز المخابرات السعودية»، أفادت بأن قتلة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، يعيشون في فيلات من فئة سبع نجوم داخل مجمع أمني في الرياض.

وقالت الجارديان إن ما لا يقل عن ثلاثة أعضاء من فرقة الاغتيال التي أدانتهم السعودية نفسها بقتل جمال خاشقجي يعيشون ويعملون في فيلات ومبانٍ تتبع جهاز أمن الدولة السعودي، بعيدًا عن جدران السجون التي وصفتها بـ«سيئة السمعة».

وأكد الشهود أن السلطات السعودية تسمح لأفراد أسر المسجونين الثلاثة بزيارتهم من حين لآخر، بينما تسمح للقتلة أنفسهم باستخدام صالة الألعاب الرياضية ومساحات العمل في المجمع.

صلاح الطبيقي

أول المتهمين الذين شوهدوا في الحبس «السبع نجوم» كان صلاح محمد عبده الطبيقي. حكمت عليه محكمة سعودية بالإعدام، ثم خففته محكمة أعلى إلى السجن 20 عامًا، ليصنف ضمن أعلى الأحكام التي أصدرتها السلطات القضائية السعودية ضد المتهمين بقتل خاشقجي.

كان واحدًا من خمسة متهمين واجهوا عقوبة الإعدام في السعودية، وهو أيضًا واحد من 15 سعوديًا حدد المسؤولون الأتراك تورطهم في الجريمة. عمل رئيسًا لقسم الأدلة الجنائية في قسم الطب الأمني بوزارة الداخلية، وكان معروفًا بريادته في عمليات التشريح السريع والمتنقل، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام العربية وكتاباته الأكاديمية حول جمع أدلة الحمض النووي وتشريح الجثث البشرية.

غادر الرياض إلى إسطنبول بعد تسع دقائق فقط من دخول جمال خاشقجي القنصلية السعودية، وغادرها بعد تسع ساعات على متن طائرة خاصة أعادته إلى الرياض. وكانت تلك الزيارة أهم الأدلة الغربية على أن قتل جمال خاشقجي حدث من سبق الإصرار، ولم يكن نتيجة اختطاف فاشل أو استجواب تطور إلى عنف.

بروس ريدل، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وزميل في معهد بروكينغز، قال: «لا يمكنني التفكير في أي احتمال آخر لتفسير سبب الحاجة إلى خبير في الطب الشرعي بهذا المستوى، إلا إذا كنت تتستر على أدلة على جريمة».

كان الطبيقي كذلك أحد أوائل من سربت السلطات التركية صور دخولهم إلى البلاد. لتزعم قناة العربية الإخبارية المملوكة للسعودية أنه «متهم زورًا»، مشككة في صحة الصور. لكن أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء التي حققت في جريمة القتل، قالت إنه كان «منفذًا مباشرًا لعملية قتل خاشقجي».

حكم الإعدام هنا يعتبر إشارة لمدى تورط الطبيقي في الجريمة؛ باعتبار أن المحاكمة وُصِفت بالصورية؛ عبر تقارير دولية، أحدها صدر عن كالامارد نفسها، التي اعتبرتها «نقيض العدالة»، بينما قال ناشر صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي كتب خاشقجي أعمدة صحفية لحسابها، إن «الغياب التام للشفافية ورفض الحكومة السعودية التعاون مع محققين مستقلين يوحي بأن هذه كانت مجرد محاكمة صورية».

الطبيقي كان مسؤولًا مباشرًا عن جريمة «القتل الوحشية» بوصف المحققة الأممية؛ إذ تولى مهمة حقن خاشقجي بكمية كبيرة من المواد المخدرة، بما أدى إلى جرعة زائدة تسببت في وفاته، قبل تقطيع أوصال جثته وإذابتها، ليتولى آخرون تسليمها إلى «متعاون» محلي خارج القنصلية.

كان الطبيقي كذلك صاحب أكثر التسجيلات قسوة في تسجيلات قتل وتقطيع خاشقجي، فبينما كان جمال يسير، كان يتحدث الطبيقي ضاحكًا عن كيفية تشريحه للجثث، قائلًا: «عادةً ما أستمع إلى الموسيقى وأنا أقطع الجثث. وأحيانًا أحتسي قهوة وأدخن السجائر».

كما تكشف التسجيلات أن الطبيقي كان يعرف الدور المطلوب منه، إذ قال: «هذه هي المرة الأولى في حياتي التي سأضطر إلى تقطيع جثةٍ على الأرض. فحتى الجزارون يحتاجون إلى تعليق الحيوانات لتقطيعها». وتحدث عن موعد وصول خاشقجي، قائلًا: هل وصلت الأضحية؟

ووفقًا لتقرير الجارديان، فإن الطبيقي لا يزال يمارس عملًا رسميًا في قسم الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية كمستشار في بعض القضايا المتعلقة بالتشريح الجنائي.

لكن، وفقًا للمقابلات التي أجرتها كالامارد، جادل محامو المتهمين في المحكمة بأنهم موظفون بالدولة ولا يمكنهم الاعتراض على أوامر رؤسائهم. وبالنهاية، خففت محكمة سعودية أعلى حكم الإعدام إلى السجن.

منصور أبو حسين

ثاني المتهمين في حبس «السبع نجوم» كان لواء المخابرات السعودي منصور عثمان أبو حسين: الثالث على لائحة الاتهام التركية. وعاقبته المحكمة السعودية بالسجن 10 سنوات بتهمة «الكذب على رؤسائه وإخفاء معلومات حول جريمة القتل».

وفق تسريبات ديلي صباح من التحقيقات السعودية، قاد أبو حسين فريق تنفيذ الاغتيال، المكون من 3 مجموعات «الاستخبارية – التفاوضية – اللوجستية»، وكان مطلوبًا منه إقناع خاشقجي بالرحيل إلى الرياض، أو توفير مكان آمن لاختطافه، أو جلبه بالقوة.

لا توجد كثير من التفاصيل حول دوره بخلاف ما ورد في التحقيقات السعودية، يعتقد أن معظم تلك الاتهامات أسندت إليه لتبرئة ساحة آخرين. لكن سبب إضافته إلى لائحة عقوبات حقوق الإنسان العالمية البريطانية لعام 2020 اقتصر على توصيفه باعتباره «أحد كبار الموظفين في مكتب ولي العهد محمد بن سلمان»، الذي كان جزءًا من فريق الاغتيال المكون من 15 رجلًا، مسندة إليه بالتحديد «التورط في إخفاء الأدلة في مقر القنصلية العامة في السعودية بعد القتل».

وأسندت إليه محكمة تركية تهمة ارتكاب جريمة القتل، بناء على أوامر من مكتب ولي العهد، بعدما قاوم محاولة احتجازه قبل ترحيله إلى السعودية.

مصطفى المدني

ثالث محتجزي سجن النجوم السبع هو العنصر الأمني السعودي مصطفى محمد المدني.

المدني هو الأكبر عمرًا بين أعضاء فريق الاغتيال. ودوره لم يكن كبيرًا في عملية القتل نفسها على الأغلب؛ إذ اقتصر على المهام الاستخباراتية، شاملة فبركة خروج خاشقجي من القنصلية، حيث ارتدى ثيابه ونظارته وساعة اليد الخاصة به، وخرج من البوابة الخلفية للقنصلية السعودية في إسطنبول، ليتجول في أحياء إسطنبول وصولًا إلى منطقة السلطان أحمد، حيث بدل ملابسه وعاد إلى الفندق.

وفقًا لبعض التقارير الإعلامية العربية، المدني هو مدير في مؤسسة هندسية تديرها الدولة في السعودية. كما يستخدم وصف مهندس في خانات الوظيفة على وسائل التواصل الاجتماعي كمهندس، لكن الجارديان تقول إنه ضابط مخابرات.

وشوهد المدني في بعض الصور على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يرحب ببعض الأفراد في مكان يشبه القصر، بما قالت الأناضول إنه يدل على أنه قد يكون شخصية مقربة من إدارة الرياض والملك سلمان بن عبد العزيز، لتؤكد مقررة الأمم المتحدة أنه ضابط برتبة عميد في القصر الملكي.

وقال تقرير الأمم المتحدة إن وجوده للقيام بدور الشبيه لخاشقجي يشير إلى أن عملية القتل كانت مدبرة.

ملابسات غامضة

بحسب الجارديان، شوهد الطبيقي وأبو حسين والمدني في أواخر عام 2019 وقرب منتصف عام 2020. ولم يكشف الشهود عن أسمائهم علنًا خوفًا من عقاب ولي العهد وجهاز أمن الدولة. وبحسب الشهود، شوهد رئيس الجهاز عبد العزيز بن محمد الهويريني، مع بعض المتهمين أحيانًا.

وألقت هذه المشاهدات مزيدًا من الشك على مزاعم الرياض بمحاسبة القتلة، وتتزامن مع عودة المستشار الأكثر ثقة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سعود القحطاني، في الديوان الملكي بعد ثلاث سنوات من الاختفاء.

وبرأت المحكمة السعودية القحطاني من أي تورط، على الرغم من تقييم المخابرات الغربية بأنه كان العقل المدبر للاغتيال.

وتقول الصحيفة إن مكان الحبس وتمتع المحبوسين بحرية الحركة، يتعارض بشكل صارخ مع تأكيدات الديوان الملكي السعودي بأن الجناة واجهوا عقوبات قاسية.

لكنها لم تكن مصدر الإحراج الوحيد، مع استمرار الغموض الذي يحيط بهوية رجل اعتقلته الشرطة الفرنسية هذا الشهر، خالد عايد العتيبي، والذي حددته في البداية على أنه عضو في فريق قتلة خاشقجي، واعتقلته في مطار شارل ديجول في 7 ديسمبر/ بناء على مذكرة توقيف صادرة عن تركيا.

قالت الشرطة في وقت لاحق إن الاعتقال يتعلق بخطأ في تحديد الهوية. ومع ذلك، يعتقد المسؤولون الأتراك أن فرنسا ربما ألقت القبض على الرجل الصحيح، لكنها أطلقت سراحه لأسباب سياسية.

وأكد مصدر للجارديان أن المسؤولين الأتراك أبلغوا رسميًا عن شكوكهم، مؤكدين أن البيانات التي قدموها إلى الإنتربول تتطابق مع ما أرسلته الشرطة الفرنسية إليهم في البداية.

واستقبل الأمير محمد بن سلمان، في جدة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق من هذا الشهر، في أول زيارة يقوم بها زعيم غربي إلى السعودية منذ اندلاع فضيحة خاشقجي في أكتوبر 2018. وكمقابل، أصر ماكرون على أن يتلقى ابن سلمان اتصالًا هاتفيًا، من رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، يتوقع أن يفتح الطريق أمام الرياض لإرسال مساعدات إلى الدولة المفلسة. وفي الأيام التي أعقبت إطلاق فرنسا للرجل الذي اعتقلته، خفت اللغة التي يستخدمها المسؤولون السعوديون والخليجيون تجاه لبنان إلى حد كبير.

تسوية من المنبع؟

بالتزامن مع تراكم التقارير الجديدة، يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يحصل على تعهد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة الأخير إلى الرياض، الشهر المقبل، بإغلاق ملف جمال خاشقجي كليًا، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.

ولا تزال محكمة تركية تحاكم 26 مواطنًا سعوديًا، على صلة بجريمة القتل، غيابيًا، مع تحديد موعد الجلسة المقبلة في 8 يوليو 2022.

وفي حين أن هدف ابن سلمان قد يكون تخفيف المشكلات الدبلوماسية والسرد بعد مقتل خاشقجي، فقد يمضي أردوغان قدمًا للحصول على دعم اقتصادي للمساعدة في أزمة العملة التركية، حسبما ذكرت الصحيفة.