بعد مرور ثمانية أشهر نشرت الصحف التركية للمرة الأولى منذ المحاولة الانقلابية صورًا وفيديو يثبت إلى حد كبير جانبًا مهمًا من رواية رئيس أركان الجيش التركي خلوصي آكار عن المحاولة الانقلابية، التي وقعت منتصب يوليو/تموز من العام الماضي، بعد شكوك وشبهات تداولتها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة حول آكار ودوره فى المحاولة الانقلابية.

وكانت العلاقة بين الحكومة التركية ورئاسة الأركان في الجيش قد شهدت توترات ملحوظة فى الأيام الماضية ظهرت على السطح في صورة تقارير صحفية في جرائد رئيسية، أظهرت أن جانبًا خافيًا في العلاقة بين السلطة المدنية ورئاسة أركان الجيش لا يشي بتوافق كبير.

ففي الخامس والعشرين من فبراير/شباط الماضي نشرت صحيفة حرييت تقريرًا بعنوان رئيسي «سبع إجابات على سبع انتقادات»، ووضع للتقرير عنوان فرعي «عدم ارتياح في رئاسة أركان الجيش»، نتج عنها لأسباب – سنذكرها لاحقًا – ردود من رئاسة الأركان ورئاسة الوزراء وأيضًا رئاسة الجمهورية التركية.

وقد مثل تقرير «حرييت» أزمةً كبرى في تركيا لعدة أسباب، أهمها أن الجريدة واسعة الانتشار – والتي يتهمها البعض بأن لها سوابق تاريخية فى التحريض على الانقلابات العسكرية – تنتمي لمجموعة دوغان التي وقفت مع الحكومة منذ بداية المحاولة الانقلابية، كما أن كاتبة التقرير الذي صنع الأزمة هي «هاندي فرات» التي استضافت مكالمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تطبيق فيس تايم في برنامجها على قناة «سي إن إن تورك» – التابعة لمجموعة دوغان التي تمتلك أيضًا حرييت – والتي دعا فيها الشعب التركي للنزول لمواجهة المحاولة الانقلابية، والتي كانت سببًا رئيسيًا في إفشال الانقلاب.

واعترفت رئاسة أركان الجيش التركي، فى بيان، بما ورد فى تقرير صحيفة حرييت، وذكرت أنها أجابت عن أسئلة صحفية حول الانتقادات الموجهة إلى القوات المسلحة ورئيس الأركان، ولكن الأجوبة لم تكن تحتوي أي عبارات من قبيل «رئاسة الأركان مستاءة»، أو «استياء في رئاسة الأركان»، أو «استياء في القوات المسلحة»، أو ما شابهها، مؤكدةً أن نشر الأجوبة بأسلوب يوحي بأن هناك مشكلة بين القوات المسلحة والحكومة تضليل.

ولكن هذا الاعتراف من جانب رئاسة الأركان التركية بصحة ما جاء في التقرير من أجوبة يشير إلى عدة احتمالات، منها وجود خلافات داخل رئاسة أركان الجيش التركي أو أن هناك قيادات كبرى تريد إزاحة رئيس الأركان «آكار» عن منصبه، أو أن «آكار» نفسه مستاء من بعض تصرفات وقرارات الحكومة المدنية.

فحسبما جاء فى تقرير «حرييت» الذي ذكر أن هناك انتقادات تستهدف رئيس الأركان وتثير استياءً في رئاسة الأركان، ثم ذكر التقرير تلك الانتقادات تحت سبعة عناوين فرعية، ونقل التقرير تحت كل عنوان الإجابة التي حصلت عليها الصحيفة من مصادر في رئاسة الأركان، وقد جاء الانتقاد الأول الموجه لرئيس الأركان، وفقًا للتقرير، حول إلغاء حظر ارتداء الحجاب في الجيش التركي. وقالت الصحيفة في التقرير إن رئاسة الأركان ردت على هذا الانتقاد قائلة إن قرار الإلغاء اتخذته وزارة الدفاع دون الرجوع إلى رئاسة الأركان لأخذ رأيها فيه!

وبما أن بيان رئاسة الأركان اعترف ضمنيًا بكل ما ورد في التقرير باستثناء ما قيل عن «الاستياء» فإن هذا قد يشير إلى أن قادةً في رئاسة أركان الجيش ربما يسعون إلى إزاحة آكار عن منصبه، أو أن هناك من هو مستاء بالفعل من مساعي الحكومة لإدخال الحجاب لثكنات الجيش، وهم غالبًا من الضباط الكماليين، الذين توسع نفوذهم داخل الجيش بعد المحاولة الانقلابية بصورة واضحة.

اقرأ أيضًا:السلطان محمود الثاني وأردوغان: قراءة في مفهوم تحديث الجيش

وفي اليوم التالي لنشر تقرير حرييت انتقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم الصحيفة، واصفًا التقرير بـ«محاولة لإسقاط الحكومة»، وفي اليوم التالي عقد مع رئيس الأركان اجتماعًا مفاجئًا تلاه اجتماع ثلاثي بين أردوغان ورئيس الأركان ووزير الدفاع، تزامن مع قيام المدعي العام بفتح تحقيق مع الصحفية حول التقرير، ثم تلاه انتقادات من مسئولين عدة فى الحكومة.

ولكن الأمر اللافت حدث في يوم الثامن والعشرين من فبراير/شباط – اليوم الثالث بعد نشر التقرير – حيث ظهر أردوغان في مطار أتاتورك وبجانبه رئيس الأركان في مؤتمر صحفي في نفس القاعة التي ظهر فيها الرئيس التركي لأول مرة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف يوليو/تموز الماضي، بعدما هبطت طائرته فيه بعد مساعدة المخابرات التركية له في الظهور العلني ليعطي إشارة دحر الانقلاب، في إشارة تعمدها أردوغان ولا تخطئها عين.

ووصف أردوغان ما نشرته حرييت وبجانبه آكار وخلفه صورة أتاتورك – وهي نفس الصورة التي كانت خلفه يوم المحاولة الانقلابية – بـ«الفظ وعديم الأخلاق».


شكوك حول دور رئيس الأركان في المحاولة الانقلابية

http://gty.im/646130916

تزامن الجدل حول تقرير صحيفة حرييت مع تقرير أحدث جدلًا في تركيا،نشره موقع أودا تي في (Odatv) الإخباري، ورد فيه أن رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان أجرى لقاءً سريًا مع رئيس أركان الجيش خلوصي آكار، دام ستّ ساعات قبل يوم واحد من اندلاع المحاولة الانقلابية، وأن هذا اللقاء السري رفض كل من آكار وفيدان الإعلان عنه حتى الآن.

وأكدت محررة التقرير، ميسر يلديز، أنها توصلت إلى معلومات هذا اللقاء من أقوال أحد العسكريين المعتقلين في أعقاب محاولة الانقلاب، والذي أُفرج عنه بعد 20 يومًا، والذي كان أحد الحضور في حفل قيادة القوات الخاصة الذي حضره خلوصي آكار وهاكان فيدان يوم 14 يوليو/تموز. كما أكدت أنها سمعت ذلك أيضًا من بعض وكلاء النيابة والنواب العامين؛ بالإضافة إلى توصّلها لمعلومات حول علم بعض مسئولي الدولة، ثم حصلت على تأكيد من أحد المسئولين المشاركين في هذا الحفل العسكري أيضًا.

ويعد لقاء آكار بهاكان فيدان من ألغاز المحاولة الانقلابية حتى الآن، فالكاتب المقرب من الحكومة عبد القادر سلفي أكد في مقاله بصحيفة حرييت بعد أيام من المحاولة الانقلابية وجود لقاء جمع بين الطرفين آكار وفيدان قبيل بدء محاولة الانقلاب، لكن آكار لم يذكر ذلك أبدًا في تحقيقات النيابة أو في المؤتمرات الصحفية والأحاديث الإعلامية.

وقد ظهرت الشكوك حول رئيس الأركان منذ بدء تحقيقات النيابة معه حول المحاولة الانقلابية، فآكار لم يتصل برئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو قائد سلاح الجو عند بداية معرفته بالمحاولة الانقلابية بين الساعة الرابعة والساعة السادسة والنصف.

وبحسب تحقيقات النيابة قال آكار إنه استقبل الرئيس الثاني لهيئة الأركان «ياشار غولار» بعد الساعة 17 من يوم محاولة الانقلاب، ناقلًا له أنباءً عن توصل الاستخبارات إلى معلومات تفيد بأن هناك محاولة للانقلاب، وفي إطار ذلك كان هناك وفد قادم من الاستخبارات للتواصل معه بذات الخصوص.

أضاف آكار في تصريحاته قائلًا: «أخذنا المعلومات بعين الاعتبار لكونها قادمة من منصب مهم. اجتمعت مع غولار وقائد القوات البرية «صالح زكي جولاك» لمناقشة الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد هذه المحاولة. كان أول قرار أصدرناه هو عودة جميع الطائرات العسكرية والهليكوبتر الموجودة في كل أجواء تركيا إلى قواعدها، ومنع القيام بأي عملية تحليق للطائرات».

أما قائد القوات الجوية «عابدين أونال» فقد قال في التحقيقات إنه لم يعلم عن وجود محاولة الانقلاب إلا بعد أن حلقت أول طائرة قرب الساعة العاشرة من قاعدة أقينجي بأنقرة، أي أنه رغم معرفة رئيس أركان الجيش بالمحاولة الانقلابية في الساعة السادسة والنصف فإنه لم يخبر قائد القوات الجوية، وهو ما لم يجب عليه آكار حتى اليوم.


لمصلحة من إذن تسريب صور آكار؟

يبدو أن تسريب صور آكار في قبضة الجنود الذين قادوا المحاولة الانقلابية يصب في صالح رئيس الأركان، ويدعم روايته للأحداث، كما أن تسريبها في هذا الوقت، الذي يظهر فيه أن هناك غضبًا مكتومًا بين جزء من قيادة الأركان والحكومة حول عدد من القضايا يبدو داعيًا إلى طرح مزيد من الأسئلة أكثر من الإجابات.

والسؤال الأساسي هنا؛ لماذا تأخرت المحكمة العليا وقيادة الأركان ووزارة الدفاع ورئاسة الوزراء والرئاسة التركية ثمانية أشهر قبل أن تفرج عن الصور والفيديو الذي يظهر آكار في حوزة الجنود المشاركين في الانقلاب؟ ومن الذي سرب هذه الصور في هذا التوقيت للصحف؟ وما هي أهدافه؟

ولكن الأمر الذي يزيد المسألة غموضًا هو أنه تزامنًا مع نشر هذه الصور كتب محمد سكر الكاتب التركي المقرب من الحكومة مقالًا في صحيفة يني شفق دعا فيه إلى عزل آكار.