بعد الهجمات التي شنها مقاتلون من الروهينجا على مراكز شرطة الحدود في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016، قام الجيش البورمي بسلسلة من «عمليات التطهير» في شمال ولاية راخين. أعدم عناصر الأمن الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا الممتلكات، وأحرقوا 1500 منزل على الأقل وغيرها من المباني.
هيومان رايتس ووتش في 6 فبراير/ شباط 2017

أصدرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقريرًا خاصًا بمسلمي الروهينجا بميانمار؛ على إثر تعرضهم لحملة ممنهجة للتطهير العرقي من قبل قوات جيش ميانمار.

بدأت الحملة ضد مسلمي الروهينجا من قبل سلطة ميانمار في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بولاية راخين، بعدما هجمت حركة «يقين» المسلحة على 3 مراكز حدودية تابعة لشرطة ميانمار، ردًا عن سياسات ميانمار التمييزية ضد مسلمي الروهينجا، وأسفرت الواقعه على 50 شرطيا.

وذكر التقرير تعرض مسلمي الروهينجا إلى كافة أنواع التعذيب والقتل وذبح الأطفال والاغتصاب الجماعي لنساء الروهينجا على أيدي قوات الأمن، مما أدى إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل من مسلمي الروهينجا وفرار نحو 69 ألف شخص إلى «بنجلادش»، إلى جانب نزوح 23 ألفًا آخرين داخل البلاد هربًا من مصيرهم الحتمي المظلم بميانمار.

ودعت الأمم المتحدة لضرورة إجراء تحقيق دولي لوضع حد لمعاناة الروهينجا ومحاسبة السلطات على جرائمهم الوحشية.


الروهينجا: أقلية معذبه بلا جنسية

الشعب الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم
المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة

تعتبر الروهينجا أقلية مسلمة عرقية (1.1 مليون) تعيش بأقليم الراخين بدولة ميانمار ذات الأغلبية البوذية، ولا يعترف قانون الجنسية الصادر في 1982 بهم كجزء من ميانمار أو بجذورهم التي ترجع لولاية الراخين، حيث يعتبرهم البوذيون بنغالاً أتت بهم الهجرة غير الشرعية لدولتهم ويطلقون عليهم «مهاجرين غير نظاميين».

يعيش مسلمو الروهينجا في مناخ تمييزي يفرق بينهم وبين البوذيين، حيث لا تعترف بهم الدولة كمواطنين لهم حق الانتخاب والتعليم والصحة والحصول على فرص للعمل وغيرها من الحقوق التي تكفُلها الدولة لغيرهم من مواطنيها، كما فُرض عليهم قانون يحد من إنجابهم للأطفال في 2013.

وتتعمد سلطة ميانمار إذلال واضطهاد الروهينجا بكافة الأشكال التي تصل إلى حد الإبادة الجماعية، في ظل عالم مكتظ بالأحداث السياسية والصراعات الدولية التي تشغلهم عن شد أزر الإنسانية المنتهكه بإقليم آسيوي لا تلتف له الأنظار وتغض عنه الأبصار، فيعيش مسلمو الروهينجا في صمت ويموتون في صمت.

هذا إلى جانب ما يتعرض له الروهينجا من ظروف صعبة أثناء هجرتهم غير الشرعية بحثًا عن سبيل للحياة، والتعامل معهم كعبيد من قبل التجار حيث يتم شراؤهم وبيعهم في عرض البحر، كما طالبت رئيسة وزراء بنجلادش، في يناير/ كانون الثاني 2017، ميانمار باستعادة الروهينجا الفارين إليها ويبلغ عددهم عشرات الآلاف، ولا يختلف الوضع بالنسبة لباقي دول الجوار المستقبلة لمهاجري الروهنيجا حتى أصبحوا أقلية مشردة لا تستوعبها أرض.


من أين بدأت الأزمة؟

الراهب «أونان داو باتا»يتحدث عن خطر الروهينجا على ميانمار

شهد مسلمو الروهينجا التمييز العنصري ضدهم بداية من 1962 بعد الانقلاب العسكري على حكومة ميانمار، حيث استهدفهم الحكم العسكري كجزء من التمييز العنصري الذي تعرض له أصحاب الديانات المختلفة عدا البوذية، واستمرت السلطة في حكمها الغاشم للبلاد في ظل معاناة الأقليات الدينية المختلفة، ومحاولات الانتفاضة ضد السلطة في عامي 1988 و2007، مما أسفر عن مزيد من القمع وتوحش للسلطة والرهبان ضد الروهينجا خصوصًا.

وفي مايو/ آيار 2012 تعرضت امرأة – 27 عامًا – بوذية بغرب ميانمار للاغتصاب والقتل وأتهمت الشرطة 3 رجال مسلمين بتنفيذ الحادث، وأسفرت الواقعه عن هجوم انتقامي ضد مسلمي ميانمار وقتل 10 من بينهم بشكل عشوائي، مما فجر برميل الوقود الذي استغلته الأحزاب السياسية لتشعل الكراهية تجاه مسلمي الراخين، وتدخلت الشرطة بإطلاق الرصاص ضد الروهينجا.

أوضحت الوزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن ميانمار، بأكتوبر/ تشرين الأول 2015، عن هجرة فوق الـ100 ألف روهينجي من ولاية راخين، منذ الأحداث التي وقعت في 2012، وتغيبت المعارضة المحليه والداعون إلى الديمقراطية بأراضي ميانمار عن دعم الروهينجا خوفًا من تعرض أمنهم الشخصي للخطر، مما عمق من معاناة ضحايا التمييز العنصري.

أثرت الحملة الأخيرة ضد مسلمي الروهينجا من أسهم مستشارة الرئيس «أونغ سان سو كي» حيث لديها صلاحيات رئيس الحكومة، فبالرغم من كونها من ضحايا النظام العسكري ورمزًا للمعارضة الميانمارية وحاصلة على نوبل للسلام، إلا أنها لم تحرك ساكنًا في اتجاه المصالحة بين السلطة ومسلمي الروهينجا، بل أصبحت غطاء سياسيًا للأعمال الوحشيه التي ترتكبها السلطة في حق الروهينجا.


جهود دينية.. تجاهل دولي.. مأساة مستمرة

إذا ما وقع صدع في بوابة ميانمار الغربية فستصبح البلاد مثل أندونيسيا وماليزيا وأفغانستان، تصبح أمة مسلمة
أيها الشباب البورمي بكل أعراقه وأديانه إن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام التي تزخر بها أرضكم تناديكم صباح مساء لا تقتلوا ولا تسرقوا تكذبوا والزموا العفه ولا تشربوا المسكرات
شيخ الأزهر أحمد الطيب

عقد شيخ الأزهر أحمد الطيب بداية شهر يناير/ كانون الثاني 2017 جلسات حوارية لبحث أزمة مسلمي الروهينجا، تحت عنوان «نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار»، ونظم المؤتمر «مجلس حكماء المسلمين» بدعوة عدد من شباب دولة ميانمار -باختلاف أديانهم وعرقهم – مع عدد من مسئولي وزارة الخارجية ووزارة الشؤون الدينية، وتعتبر تلك المرة الأولى التي يستجيب فيها وفد من ميانمار لدعوة حوارية خارج نطاق دولتهم.

وجه الطيب رسالة للحاضرين وتمنى تحقيق السلام بين أخوة الوطن الواحد وأخوة الدين وأخوة الإنسانية، كما وجه كلمته للشباب بأنهم من عليهم غرس شجرة السلام ونشر ثقافة المواطنة للقضاء على مفهوم الأقليات، وما يسببه من سفك دماء وتشريد للكثيريين. وأضاف الطيب: «ونحن هنا، في مجلس الحكماء وفي الأزهر الشريف، ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة الكاملة بين الشعب الواحد بغض النظر عن الدين والعرق».

وفي 8 فبراير/ شباط من العام الجاري أدان البابا فرنسيس ما يتعرض له مسلمو الروهينجا بميانمار من تعذيب وقتل، واصفًا إياهم كـ«شعب جيد ومسالم يعاني منذ سنوات»، كما أقام لهم صلاة خاصة في محاولة للتضامن مع ضحايا النظام الميانماري وسياساته التعسفية المنصبة حول التطهير العرقي لإقليم راخين. وبالرغم من جهود الأزهر إلا أن الأوضاع المأساوية لمسلمي الروهينجا ما زالت مستمرة، مع تغيب ردود الأفعال الرسمية لدول مسلمة أو عربية.

تعاني الروهينجا من آثار قدر لم يكونوا جزءًا من اختياره وسط حالة من الصمت العالمي، وفي ظل رحلة البحث عن الحياة يقعون فريسة التجار والسياسات العالمية غير الآبية لمستقبلهم، ليكونوا وصمة عار على جبين الإنسانية لتزين تاريخ البشرية الحافل بعنصرية الأغلبية تجاه الأقليات المختلفة وسط صمت المصالح العالمية الكبرى.

المراجع
  1. تقرير الجزيرة عن مسلمي بورما الروهينجا
  2. كلمة الطيب
  3. وثائقي الجزيرة الابادة المخفية ابادة مسلمي بورما
  4. Burmese government 'kills more than 1,000 Rohingya Muslims' in crackdown
  5. Myanmar lands 700 migrants, U.S. says Rohingya should be citizens
  6. الروهينجيا: من الاضطهاد إلى المقاومة المسلحة
  7. Country Reports on Human Rights Practices for 2014