خالف الخليجيون توقعات جميع المحللين الذين توقعوا إنهاء سريعاً للأزمة الخليجية خلال شهر أو شهرين، وهم الآن يدخلون الشهر السادس وكل الأطراف متمسكة بمواقفها، القطريون متمسكون بمواقفهم تحت شعار السيادة، والتحالف السعودي الإماراتي البحريني متمسك بأن تستسلم قطر تماما لكل الشروط الثلاثة عشر الشهيرة، كاملة دون أي تفاوض على أي منها.

يزيد من حالة التشاؤم التي يشعر بها المراقبون، التصريحات الأخيرة لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة التي أعلن فيها أن البحرين لن تحضر أي قمة خليجية مع قطر حتى تعود لرشدها، قائلا: «إن قمم الخير لا يمكن أن تلتئم مع من لا يريد الخير للخليج»، وإن قطر أثبتت عدم احترام المواثيق والمعاهدات، وسياساتها تستهدف أمن الخليج، لافتًا إلى أنه حان الوقت لاتخاذ قرارات حازمة تجاه من يستقوي بالخارج.

ويرجع التشاؤم إلى أن هذه التصريحات تتحدث بوضوح عن إجراءات حازمة قادمة تجاه قطر، وربما شرحًا لتصريحات الملك، تحدث وزير الخارجية البحريني عن تجميد عضوية قطر حفاظًا عن المجلس، لأن الدوحة تضر بأمن الخليج بالتقارب مع إيران والاستعانة بالقوات الأجنبية (في إشارة إلى تركيا).


هل تخرج قطر من مجلس التعاون الخليجي؟

تصريحات ملك البحرين جاءت بعد زيارة فاشلة من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون حاول فيها فيما يبدو تمديد حالة عدم التصعيد التي نجحت الإدارة الأمريكية في خلقها بالضغط على التحالف السعودي الإماراتي البحريني وإلغاء مشروعهم لتغيير النظام في قطر وتعيين عبدالله بن علي آل ثاني أو سلطان بن سحيم مكان الشيخ تميم بن حمد كما كانوا يخططون.

وتزامنت تلك التصريحات كذلك مع التصريحات الأخيرة لأمير دولة قطر الشيخ تميم الذي تحدث عن أن الهدف الأساسي من هذه الأزمة هو محاولة الجيران تغيير النظام في قطر كما فعلوا مع والده من قبل، وإعلانه أنه لن يغلق قناة الجزيرة، وحديثه أن هذه القناة نشرت الوعي بين المواطنين العرب، وهو ما اعتبرته الدول الثلاث حديثًا استفزازيًا، ولذلك فإن الرد عليه لا يكون من مغردي تويتر أو وزراء خارجية، بل من مسؤولي الصف الأول، وعنهم خرج ملك البحرين وتحدث بما قال.

تزامن مع تصريح ملك البحرين، خروج الأمين العام لمجلس التعاون ليعرب عن استنكاره للهجمة الإعلامية غير المسؤولة التي تشنها وسائل الإعلام القطرية تجاه مجلس التعاون وأمانته العامة، معبرًا عن استغرابه من تحميل وسائل الإعلام القطرية له مسؤولية الأزمة الخليجية، رغم علمهم أن حل الأزمة في يد أصحاب الجلالة والسمو قادة مجلس التعاون أعضاء المجلس الأعلى، بينما تنحصر واجبات الأمين العام في تنفيذ قرارات وتوجيهات وأوامر المجلس الأعلى والمجلس الوزاري الخليجي وفقًا لما نص عليه النظام الأساسي لمجلس التعاون. وخروج الزياني في مثل هذا الوقت ليتحدث بهذا الحديث ليس قرارًا ذاتيًا، بل هو توجيه أُمِر به من الدول الثلاث تمهيدًا للتعامل القادم مع قطر.

وكانت صحيفة العرب اللندنية المحسوبة على الإمارات قد سرّبت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني خبرًا مهمًا تحت عنوان: «قطر تتخوف من توافق سعودي كويتي على تجميد عضويتها في مجلس التعاون»، وكان في متن الخبر أن الحكومة الكويتية غيرت موقفها أخيرًا، وأن تصريحات أمير الكويت الأخيرة التي طالب فيها الإعلام بوقف التصعيد، هي ترجمة لهذا التغيير بدليل مسارعة قطر فورًا لمناشدة وسائل الإعلام القطرية بالامتناع عن مهاجمة الرموز الخليجية.

تحدث مراقبون للصحيفة (يعتقد أنهم نافذون) عن أن قطر فهمت الموقف الكويتي بشكل خاطئ، لأن الكويت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستطيع الموازنة بين قطر والسعودية، لأن السعودية كان لها الدور المركزي في مواجهة غزو الكويت 1990. ولم يستبعد هؤلاء المراقبون أن تدعو البحرين رئيسة القمة الخليجية السابقة إلى عقد قمة خليجية استثنائية تناقش فيها تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون، وتمرير هذه الخطوة بالأغلبية العددية إذا ما تمت استمالة الكويت لموقف الدولة المعادية لقطر.


الرد القطري

خروج الزياني في مثل هذا الوقت ليهاجم قطر ليس قرارًا ذاتيًا، بل هو توجيه أُمِر به من الدول الثلاث.

من جانبها، لم ولن تضع قطر يدها على خدها، فهي في الفترة الماضية بدأت في وضع خطة للتعامل مع الأزمة الخليجية لا باعتبارها أزمة لحظية بل أزمة دائمة، وبدأت في توجيه الضربات تجاه دول التحالف الثلاثي، وكان عقد مؤتمر الأزمة الخليجية الأخير في مركز الجزيرة للدراسات يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أحد مؤشرات التوجه القطري الجديد، ثم خروج الأمير تميم بنفسه وحديثه للإعلام بكل صراحة.

في الفترة الماضية، بدأت قطر في وضع خطة للتعامل مع الأزمة الخليجية لا باعتبارها أزمة لحظية بل أزمة دائمة.

أحد الأمور الملفتة للنظر في مؤتمر مركز الجزيرة للدراسات مؤخرًا، كان حديث الإعلامي القطري عبدالعزيز آل إسحاق الذي يمكن وصفه أنه مقرب للسلطة، عن أن قطر لا تعتمد على تركيا لوحدها، لأن النظام التركي يمكن أن يتغير بانتخابات أو بانقلاب، ولذلك فإن قطر مدت يدها لأطراف عديدة منها إيران وروسيا ودول شرق آسيا، وقال إن الأزمة الخليجية لا يمكن حلها سوى بضغط أمريكي، ودول الحصار لا تمانع في هذا الأمر شريطة أن لا يكون الوسيط بين الدول الخليجية هو وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، بل جاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب ومستشاره الخاص المرتبط مع السعودية والإمارات بعلاقات اقتصادية عميقة، ويرجح أنه يتبنى مواقفهما السياسية من قطر.

كذلك، من أبرز مظاهر التصعيد القطري المضاد للدول الثلاث، خروج وزير الخارجية القطري السابق في لقاء تلفزيوني على القناة القطرية الرسمية ليتحدث خلف الكلمات الناعمة التي كان يستخدمها رجل الدبلوماسية القطرية، عن انتقادات قوية ومبطنة، خصوصًا تلك التي كانت موجهة للسعودية، وأيضًا اللقاء الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية مع القيادي الحوثي محمد عبدالسلام، وهذا ما لم يكن ممكنًا في فترات سابقة مراعاة من قطر لمشاعر السعوديين.