قبيل عقد قمتي منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض – واللتين سيحضرهما الرئيس الأمريكي باراك أوباما- أتت زيارة العاهل السعودي إلى مصر لتتوج مسار رحلات مكوكية للتقريب بين وجهات النظر المصرية السعودية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية وللسماح بالمال السعودي بأن يعود للتدفق مرة أخرى باتجاه مصر التي تعاني من وضع اقتصادي خانق في ظل ارتفاع أرقام البطالة إلى 13% – وفقًا لتصريح رئيس الوزراء المصري الشهر الماضي – وتضاعف معدل التضخم على إثر الخفض الحاد لقيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار. مصر المحتاجة لأموال المعونات والاستثمار احتفت إذن أيّما احتفاء بالزيارة الملكية، فأعمدة الشوارع الرئيسية كلها موشحة بالعلمين المصري والسعودي ترحيبًا بالعاهل السعودي في «بلده الثاني» مصر، الذي منحته الدكتوراه الفخرية يوم الخميس لتقلده بقلادة النيل يوم الجمعة.


الاتفاق قبل الزيارة

طوال شهر مارس كان الوزراء المصريون يقطعون الطريق بين القاهرة والرياض ذهابًا وإيابًا تحضيرًا لهذه الزيارة. سابق الوزراء الزمن للتوصل مع الجانب السعودي إلى 17 اتفاقًا ليوقع عليها الملك إبان زيارته الجارية. جهود استمرت إلى اللحظة الأخيرة بعقد الاجتماع الخامس عشر للجنة المشتركة السعودية-المصرية يوم الأربعاء عشية الزيارة الملكية للقاهرة. خلال هذه الاجتماعات توصل الوزراء المصريون مع نظرائهم السعوديين إلى اتفاقات بلغت قيمتها 22 مليار دولار في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية؛ فمن عقد صفقة لشراء الاحتياجات المصرية من النفط السعودي لمدة خمس سنوات وبقيمة 20 مليار دولار، إلى اتفاقيات تعاون في التطوير السلمي للطاقة النووية والربط الكهربائي بين البلدين، بالإضافة إلى استثمارات سعودية بملياري دولار لبناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، وتطوير مستشفى القصر العيني، وتجنب الازدواج الضريبي، ومجالات الزراعة والتجارة والإعلام.

إلا أن الاتفاق الأكثر إثارة للجدل – والذي سعت الحكومة المصرية إلى تجنب ذكره – كان ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. الاتفاق الذي تم وضع خطوطه العريضة أثناء زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، يتعلق بصورة أساسية بإنهاء النزاع حول ملكية جزيرتي تيران وصنافير.

تقع الجزيرتان في مدخل خليج العقبة وتتحكمان من خلال مضائق تيران في الملاحة من البحر الأحمر باتجاه خليج العقبة وبالعكس. الجدير بالذكر أن إغلاق مصر لمضائق تيران في مايو 67، مانعة مرور السفن من وإلى ميناء إيلات الذي تسيطر عليه إسرائيل، كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب في يونيو من العام نفسه.

تعود أصول الخلاف المصري السعودي حول ملكية الجزر إلى عام 1950، بعيد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، حيث اتفقت مصر والسعودية على أن تتحكم مصر في الجزيرتين نظرًا لضعف القوات البحرية السعودية آنذاك، دون أن يخلّ ذلك بحق أي من الدولتين بالمطالبة بتبعية الجزر له لاحقًا.

على إثر هزيمة 1967 احتلت إسرائيل سيناء ومعها جزيرتي تيران وصنافير، ولم تنسحب منهما إلا بعد اتفاقية كامب ديفيد حيث أقرت الحكومة المصرية فيها بحق إسرائيل في الملاحة عبر مضائق تيران، وبوضع الجزيرتين ضمن (المنطقة ج) التي توجد فيها قوات حفظ السلام الدولية ويحظر تواجد الجيش المصري بها. لاحقًا أعلنت مصر منطقة رأس محمد وجزيرتي تيران وصنافير محمية طبيعية عام 1983.

لا تتمثل أهمية الجزيرتين فقط في موقعهما الإستراتجي المتحكم في الملاحة في خليج العقبة، بل وأيضًا فيما تحظيان به من تشكيلات مرجانية بديعة تشكل كنزًا طبيعيًا وسياحيًّا خاصة لدى السعودية التي أبدى أميرها الشاب محمد بن سلمان، في حواره الأخير مع الإيكونوميست، اهتمامًا خاصًا بالاستثمار في هذا الاتجاه بغرض تنويع مصادر دخل المملكة. أضف إلى ذلك الدراسات التي تشير إلى احتمال وجود الغاز الطبيعي في تلك المنطقة. بجانب الجزيرتين الصغيرتين، وعلى رأس هذا كله، تدفقت المشروعات الاستثمارية السعودية الضخمة باتجاه واحد صوب شبه جزيرة سيناء الكبيرة.


النفوذ السعودي يتمدد إلى سيناء

في ظل قصور النظام المصري عن اتباع مقاربة تنموية في سيناء، تهدف إلى تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي، بدلا من الحلول الأمنية التي تزيد من رقعة الشقاق الاجتماعي وتوسع الحاضنة الشعبية للجماعات المتطرفة، تحركت السعودية لتملأ هذا الفراغ.

تعد سيناء فرصة ممتازة لتمدد النفوذ السعودي، فهي ابتداءً منطقة مهمشة متعطشة للتنمية، وبنيتها الاجتماعية القبلية هي امتداد طبيعي لقبائل الجزيرة العربية؛ مما يجعل وجوه رجال الأعمال والحكوميين السعوديين محل ألفة وترحيب بين السكان، بالإضافة إلى ما تتحلى به من موقع إستراتيجي وفرص اقتصادية متميزة لم تستثمر بالصورة الأمثل في مجالات كالسياحة والتعدين.

من هذا المنطلق بإمكاننا أن نتفهم تمامًا القرار السعودي بضخ مليار ونصف دولار في المشاريع التنموية بسيناء وعلى رأسها تأسيس جامعة الملك سلمان في مدينة الطور – لا توجد بسيناء سوى جامعة خاصة واحدة – وكذلك بناء 8 تجمعات سكنية للمواطنين السيناويين، معظمها في شمال سيناء. أيضًا من المتوقع أن يعمل الجسر الذي أعلن عن بنائه لوصل المملكة العربية السعودية بسيناء مباشرة عبر خليج العقبة، وعلى الأغلب سيمر بجزيرتي تيران وصنافير محل النزاع بين الدولتين، والذي اقترح السيسي تسميته بـ(جسر الملك سلمان)، على توثيق الروابط بين السعودية ومصر، وسيناء خاصة، وتسهيل حركة مرور البضائع والأفراد – الحجاج، والمصريين العاملين بدول الخليج، والسياح – بين البلدين ومن ثم بين قارتي آسيا وإفريقيا ككل مما يجعله واحدًا من طرق التجارة الهامة الواعدة.

الجدير بالذكر أن هذا المشروع كان قد طرح من قبل في عهد الملك فهد ثم مرة ثانية في عهد الملك عبد الله، وكانت السعودية قد أعلنت إبانها عن استعدادها لتحمل تكلفة إنشاء الجسر كاملة إلا أن المشروع لم يكتب له الخروج إلى النور وقتها. يضاف إلى هذا الاستثمارات السعودية المتوقعة في محور قناة السويس؛ الواقع الذي يجعل من السعودية المستثمر الأكبر في سيناء، متقدمة في ذلك على الحكومة المصرية ذاتها.


الترتيبات الإقليمية

مناطق سيناء في كامب ديفيد
مناطق سيناء في كامب ديفيد
خصوصية العلاقات المصرية السعودية، وما تنطوي عليه من عمق ورسوخ، ستمكننا سويًّا من مواجهة التحديات المشتركة والتعامل الجاد مع كل من يسعى إلى المساس بالأمن القومي العربي أو الإضرار بالمصالح العربية أو تهديد أمن واستقرار شعوبنا.

الرئيس السيسي أثناء لقائه الملك سلمان

تأتي زيارة الملك سلمان لتعيد الدفء إلى العلاقات المصرية السعودية بعد البرود الذي شابها خلال العام الماضي نتيجة الاختلاف في الرؤى حول الملفات الإقليمية التي يوليها النظام السعودي الجديد أهمية كبرى، بينما يمتلك النظام المصري منظورًا آخر تجاهها تجسد على سبيل المثال في التلكؤ المصري طوال العام الماضي عن المشاركة بصورة جدية ضمن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، مكتفية بقوة بحرية محدودة لحماية باب المندب – حيث يمر الطريق إلى قناة السويس -. فتور في العلاقات كان قد أدى إلى تخوف مصري من انقطاع الدعم المالي الخليجي -والسعودي خاصة- في ظل وضع اقتصادي مصري متأزم؛ الأمر الذي بدا واضحًا في خطاب الرئيس السيسي الذي شكر فيه الداعمين الخليجيين على المساعدات التي قدموها لمصر على إثر 30 يونيو 2013 – والتي تجاوزت الـ35 مليار دولار- ملمحًا إلى أن هذا الوضع لن يستمر وأنه «علينا أن نعتمد على أنفسنا».

لا يبدو أن الخلاف حول هذه الملفات قد تمت تسويته تمامًا في هذه الزيارة، فلا تصريحات جديدة – حتى الآن – عن القضية السورية، والسيسي ما زال يتحدث عن «القوة العربية المشتركة» التي يريد لها أن تتدخل في ليبيا، بينما يتحدث الملك سلمان عن «تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب» يهدف من خلاله إلى التدخل في سوريا والتصدي للدور الإيراني في المنطقة. تحالف هو (سني) في حقيقته ما زالت السعودية تعمل على دعمه وتحويله إلى قوة حقيقية تغير من الواقع على الأرض، لا مجرد مناورات في الخلاء؛ إلا أن الموقف المصري يقف حائلًا دون ذلك؛ أولًا: بالامتناع عن المشاركة بصورة جدية من خلال القوات البرية الأكبر في العالم العربي، وثانيا: من خلال العلاقات المتوترة مع بقية القوى السنية في المنطقة. في هذا السياق تأتي الضغوط السياسية السعودية باتجاه تطبيع العلاقات المصرية التركية، واحتواء القوى السنية بعيدًا عن المحور الإيراني، ويدخل ضمن ذلك ما تناقلته عدد من وسائل الإعلام حول كون اللقاء الأخير الذي جمع بين عدد من قيادات حماس والمخابرات المصرية – إثر اتهامات مصر لحماس بالتورط في اغتيال النائب العام هشام بركات – قد تم بوساطة سعودية، الأمر الذي أكده القيادي بحماس أحمد يوسف في تصريح له لموقع خليجي بأن «الملك سلمان تدخل لتلطيف الأجواء التي كانت مشحونة بين حماس والجانب المصري».

قد تكون دوائر السياسة السعودية غير واثقة في الشريك المصري، وقد يكون ما يحرك مصر باتجاه السعودية ليس إلا الضرورة، إلا أن حقيقة التحالف المصري السعودي تظل قائمة بحكم الأمر الواقع. حقيقة عبر عنها الكاتب السعودي جمال خاشقجي قائلا: «الأمر أشبه بزوجين يتشاحنان؛ لكنهما يقرران البقاء معًا من أجل الأبناء».

المراجع
  1. 1
  2. 2
  3. 3