33 قتيلاً سقطوا في 270 هجومًا ومحاولة هجوم (ما بين إطلاق نار ودهس وطعن)، شارك في تنفيذها أكثر من 270 فردًا.كانت هذه هي حصيلة «انتفاضة السكاكين»، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية، وهي ذات الإحصاءات التي بدأت تشير إلى أن الانتفاضة باتت في تراجع ملحوظ، أو أنها في طريقها للانتهاء.تُظهر إحصاءات جهاز الأمن الإسرائيلي أن عدد القتلى خلال الشهور الأخيرة لـ «انتفاضة الأفراد» – كما يُطلقون عليها – انخفضت بشكل واضح، فبعد أن تم تسجيل 62 حالة هجوم في شهر أكتوبر 2015 (أول شهور الانتفاضة)، تراجع العدد إلى 48 في شهر نوفمبر، ثم 45 في شهر ديسمبر، ثم وصل إلى 26 في شهر يناير 2016، ثم ارتفع طفيفاً في فبراير مُسجلاً 30 هجومًا، ووصل في مارس – في نهاية المطاف – إلى 20 هجومًا.


انتفاضة السكاكين ليست دينية

ثلاث سمات رئيسية لخصت الرؤية الإسرائيلية لانتفاضة السكاكين عبر الأشهر الماضية؛السمة الأولى: أنه رغم تنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والجغرافية لمُنفذي الهجمات خلال الانتفاضة، إلا أن معظمهم (على الأقل الذين تم اعتقالهم واستجوابهم) اعتقدوا أن تنفيذ هذه الهجمات سوف يكون بوابتهم للترقي في المجتمع الفلسطيني، أي أن يتحولوا من مجرد أشخاص غير معروفين إلى أبطال القرية أو الحي الذي خرجوا منه.السمة الثانية: إضفاء البعد الديني على الانتفاضة، فقد كانت أحداث الحرم القدسي الشريف (زيارة الوزير أوري أريئيل للصلاة هناك) إحدى الشرارات الأولى للانتفاضة، حيث أعقبها قيام العديد من الهجمات، خاصة في القدس، بهدف «الدفاع عن الأقصى». ولكن، بعد ذلك بدأ هذا البعد الديني في التراجع، وبات الهدف الرئيسي خلف معظم الهجمات هو الانتقام لموت الأصدقاء أو الأقارب الذين حاولوا تنفيذ هجمات أخرى في السابق. وبالتالي فإن المحللين الإسرائيليين يرون أن الانتفاضة لم تكن انتفاضة دينية بالأساس.

اتخذ الشبان الفلسطينيون من السكين رمزًا للانتفاضة، نتيجة أنها سلاح متواجد في كل بيت ويسهل الحصول عليه.

السمة الثالثة: ارتبطت بالسلاح الذي استُخدم على نطاق واسع في أغلب هجمات الانتفاضة، وهو السكين. وقد كشفت التحقيقات الإسرائيلية أنه عندما طُلب من شبان فلسطينيين توضيح ما الذي جعل السكين رمزًا لهذه الانتفاضة، كانت الإجابة، أنه سلاح متواجد في كل بيت ويسهل الحصول عليه. وبسبب محدودية خيارات الفلسطينيين في الأسلحة التي قد يستخدمونها في هجماتهم، لجأوا أيضاً إلى استخدام السيارات في عمليات الدهس، وبصورة أقل، تم استخدام الرشاش «كارلو» المُنتشِر بكثرة في الأراضي الفلسطينية.


لماذا تراجعت الانتفاضة؟

يرى الخبراء والمحللون الإسرائيليون أن هناك مجموعة من الأسباب التي أدت إلى انخفاض حدة «انتفاضة السكاكين». وتنقسم تلك الأسباب إلى ثلاث حزم رئيسية:الأولى: ارتبطت بسلوك السلطة الفلسطينية التي يرى الإسرائيليون أنه ساهم بالنصيب الأكبر في تقويض «انتفاضة السكاكين»، وهو السلوك النابع من إدراك أن من يقف وراء تصاعد أعمال الانتفاضة هي حركة حماس، التي تسعى إلى انهيار السلطة، وبالتالي كثفت الأخيرة جهودها لتقويض الانتفاضة وزخمها، وذلك من خلال:

  1. اختفاء مسألة الحرم القدسي من خطاب السلطة، والذي كان أحد أكبر الدوافع للعمليات الفلسطينية ضد الاحتلال، وهو ما يعني تخفيض حدة تحريض الفلسطينيين ضد إسرائيل.
  2. قيام قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بمنع خروج المتظاهرين إلى مناطق الاحتكاك مع اليهود، مثل الحرم الإبراهيمي، ومفترق جوش عتسيون، وغير ذلك.
  3. لم تعترف السلطة الفلسطينية إلى الآن بمصطلح «الانتفاضة»، وإنما تطلق على ما يحدث «هبة» أو «حراك» أو «غضبة». ففي السلطة يخافون من إمكانية أن تسيطر حماس على موجة الأحداث هذه، وتقودها إلى انتفاضة مسلحة بغرض إسقاطها من الحكم.
  4. يرى الإسرائيليون أن السلطة تمتعت بقدر كبير من الانضباط على مستوى أجهزتها الأمنية، التي تمتلك آلاف الأسلحة، وتقريبًا لم يتسرب أيّ منها إلى أيدي المقاومة الفلسطينية، وبالتالي يرى الإسرائيليون أن قادة تلك الأجهزة يسيطرون جيدًا على أفرادهم، ومنعوا ظهور أي تكتلات مؤيدة للانتفاضة داخلها.

يرى الإسرائيليون أن السلطة الفلسطينية ساهمت بالنصيب الأكبر في تقويض«انتفاضة السكاكين».

الثانية: ارتبطت بتعامل الحكومة الإسرائيلية مع الانتفاضة، فمن جانب اتضح أن جهاز الشاباك استطاع فرض سيطرته التامة على الضفة الغربية، وهي السيطرة التي سمحت له بإحباط عمليات فلسطينية منظمة كبيرة للغاية.وعلى جانب آخر، كانت السياسة الأمنية التي اتبعتها الحكومة في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية مهمة للغاية. ووفقًا للرؤية الإسرائيلية، لو أن الجيش الإسرائيلي في بداية تلك الانتفاضة، استخدم القوة للرد عليها – بدون رقابة، ووفقاً لاقتراحات كثير من المتحمسين – لاتجه الوضع إلى التدهور السريع. وبدلاً من ذلك، اتجه الجيش الإسرائيلي – وفقاً للمحللين – إلى تركيز رد فعله على العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون، وعقاب من يقوم بها، دون فرض عقوبات جماعية، والسماح باستمرار النشاط الروتيني لباقي السكان.إضافة إلى ذلك، ذهب محللون إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نجحت في تحييد الضرر الناتج عن نشاط جماعات المقاومة الفلسطينية، من خلال عمليات الحبس الإداري واستبعاد النشطاء. ناهيك عن الضربات القاسية التي وجهتها تلك الأجهزة لعمليات الإرهاب اليهودي، وهي الضربات التي أدت إلى اختفاء الشعور بأن ثمة التزام ما لدى الشعب الفلسطيني للانضمام إلى أعمال المقاومة.الثالثة: ارتبطت بقناعات ترسخت لدى أغلبية الفلسطينيين – وفقًا للرؤية الإسرائيلية – وهذه القناعات مفادها أنه لم يعد هناك ثمة ضرورة للاستنفار الجماعي الفلسطيني، وبالتالي لم يعد هناك حاجة للقيام بمظاهرات ومسيرات ضخمة. إلى جانب أن الفلسطينيين ينظرون حولهم في الشرق الأوسط، ويرون بوضوح مستوى معيشة أقرانهم من الدول العربية، ودرجة الحرية والأمن الشخصي في جميع دول المنطقة، ثم يقارنون الفوضى في هذه الدول بالاستقرار والأمن اللذين يتمتعون بهما تحت حكم الاحتلال.


إسرائيل لا تخشى تمدد الانتفاضة

يبدو جليًّا أن إسرائيل باتت متيقنة أن الانتفاضة قد تراجعت تمامًا، وأن المناوشات والعمليات الفردية الحالية التي يقوم بها الفلسطينيون غير مُرشَحة للتصاعد مُجددًا.فعلى جانب يرى المحللون أن مساهمة عرب إسرائيل في انتفاضة السكاكين محدودة للغاية، فخلال أربعة أشهر، ومن بين 1.5 مليون فلسطيني (عرب إسرائيل) قام ثلاثة فقط بتنفيذ عمليات في إطار الانتفاضة (عمليتي طعن، وعملية باستخدام سلاح ناري).

تحويل انتفاضة السكاكين إلى انتفاضة مسلحة، سيجعل اللعبة سلاحًا مقابل سلاح، وحينها ستنتصر إسرائيل لا محالة.

وعلى ذلك يرى هؤلاء المحللون أن عرب إسرائيل يتمتعون بأكثر مما يمكن لدولة قانون ومؤسسات أن تقدمه لمواطنيها، وأن امتناعهم عن الانخراط في المقاومة دلالة على اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تُرحب به وتستغله.وتتلخص الرؤية الإسرائيلية في إيمانهم بأن الفلسطينيين لا يزالون يتذكرون قول فيصل الحسيني الذي حذّر من أنه يجب ألا تنزلق الانتفاضة الشعبية إلى انتفاضة عسكرية؛ لأن في هذه الحالة، فإن الصورة في العالم لـ «داود مقابل جالوت» ستتآكل، واللعبة ستكون سلاحًا مقابل سلاح، وحينها ستنتصر إسرائيل لا محالة، أو كما يظن الإسرائيليون.

المراجع
  1. اليكس فيشمان، "هل هناك انتفاضة مسلحة على الطريق؟"، مجلة مختارات إسرائيلية، العدد 254، فبراير 2016.
  2. يعقوب عميدرور، "مجموعة ذئاب وحيدة"، مجلة مختارات إسرائيلية، العدد 254، فبراير 2016.
  3. آفي يسسخاروف، "بداية نهاية انتفاضة الأفراد بعد 6 أشهر دموية"، موقع تايمز أوف إسرائيل، 3 إبريل 2016.
  4. "خمسة أسباب لضعف انتفاضة السكاكين"، موقع المصدر، 10 إبريل 2016.
  5. عاموس هرئيل، "خمود موجة الإرهاب – وربما قد تشتعل ثانية"، موقع المصدر، 10 إبريل 2016.